Washington post
في نهاية زيارته للولايات المتحدة الأسبوع الماضي، أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صراحةً عن شكوكه، بأن الرئيس الأمريكي ترامب، رغم مناشداته له، سوف ينسحب من الاتفاقية النووية الإيرانية. في خطوة لا صلة لها بتطورات الجغرافية السياسية في الشرق الأوسط.
وقال ماكرون للصحفيين: “من وجهة نظري، فالرئيس الأمريكي سوف يتخلص من الاتفاقية من أجل أسباب داخلية”. وحذر ماكرون من أن الانسحاب من الاتفاقية سيكون جنونًا على المدى المتوسط والبعيد.
لكن استنتاج ماكرون هذا –بأن ترامب مدفوعًا بوعوده الانتخابية بالانسحاب- ليس بالأمر الجديد، لكن ما زال الأمر صحيحًا،خاصةً أن ترامب الآن يؤيد الحل الدبلوماسي مع كوريا الشمالية بينما ينتقد بشدة الجهود الدبلوماسية لحل الأمر مع إيران.
ويشيد ترامب بحملة إدارته التي ضغطت على كوريا الشمالية والتي –كما يدعي- كانت أساسًا للقاء الجمعة التاريخي بين طاغية كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الكوري الجنوبي مون جاي-إن. ورفعت القمة التي جرت في المنطقة المجردة من السلاح في الجانب الكوري الجنوبي من الآمال بخصوص نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة، وكذلك من التفاؤل بخصوص لقاء ترامب وكيم جونج.
ولكن إذا ما توصل ترامب إلى خطة عمل مع كوريا الشمالية، وجاء وقت تنفيذها، فلن يكون الأمر مختلفًا كثيرًا عما حدث مع الاتفاقية التي ينوي ترامب التخلص منها الآن. ويجب ذكر أن الاتفاقية المبرمة بين إيران والقوى العالمية في 2015 أتت بعد مفاوضات دبلوماسية استمرت أعوام للضغط على طهران لدفعها إلى التحاور، وليس فقط عدة أشهر.
وعلى الرغم من أن الاتفاقية قيدت من برنامج طهران النووي بفعالية، إلا أن منتقديها في إدارة ترامب يقولون أنها كانت بمثابة إغاثة اقتصادية لإيران، بينما لا تضع حدًا لدور الجمهورية الإسلامية الكبير في صراعات الشرق الأوسط. في الوقت نفسه، وبينما من المحتمل أن البيت الأبيض يخطط لسيناريو يمكن لكيم من خلاله الحصول على امتيازات مماثلة لكوريا الشمالية، فإنه لن يقدم الكثير لإصلاح حكمه الاستبدادي.
وتتضارب الآراء حول ما سيحدث مع الكوريين الشماليين. وقامت بيونج يانج بتقديم بعض بوادر حسن نية خلال عطلة نهاية الأسبوع، بما في ذلك الوعد بتفكيك مواقعها الرئيسية للتجارب النووية. لكن مجموعة من المحللين ما زالوا متشككين في إمكانية تحقيق إنجاز حقيقي. ففي التاريخ الحديث، هناك الكثير من الآمال الزائفة مع كوريا الشمالية،كما يشيرون، وما زالت هناك فجوة واسعة في كيفية تصور الطرفين لعملية “نزع السلاح النووي”.
كما أنهم يشيرون إلى أن انسحاب ترامب المحتمل من الاتفاقية الإيرانية سوف يؤثر على المفاوضات مع كيم. وكتب ماكس فيشر من صحيفة نيويورك تايمز “من الصعب تخيل أن يمنح حلفاء أميركا مرة أخرى السلطة لواشنطن كما فعلوها مع إيران. ويطالب ترامب من حلفائه الآسيويين بحذو حذوه فيما يخص كوريا الشمالية، لكنه في الوقت نفسه يتحدى حلفائه الأوروبيين الذين يدفعونه للالتزام بالاتفاقية الإيرانية”.
وترفض إدارة ترامب هذه الفكرة، فوزير الخارجية مايك بومبيو قال للصحفيين خلال رحلته الأولى في الشرق الأوسط: “لا أعتقد أن كيم جونغ أون ينظر إلى ما يحدث في الاتفاقية الإيرانية ويقول:”يا إلهي، إذا انسحبوا من تلك الاتفاقية، فلن أتحدث مع الأمريكيين بعد الآن”. فهناك أولويات أعلى، وأشياء يهتم بها كيم أكثر مما إذا كان الأمريكيون سيبقون في (الاتفاقية) أم لا”.
ومع ذلك، فإنه أمر مثير للفضول أنه في نفس الوقت الذي تستعد الولايات المتحدة لمد غصن الزيتون للكوريين الشماليين، تضع نفسها في مسار تصادمي مع طهران. ورغم أن إيران تنتهك حقوق الإنسان في داخل دولتها، ووجودها المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط، لكنها أكثر انفتاحًا وأكثر ارتباطًا بالنظام الدولي من النظام الكوري الاستبدادي. وعلى عكس كوريا الشمالية، فإيران قد خضعت لعمليات تفتيش دولية شاملة، وأيضًا هي لا تمتلك أسلحة نووية على أرض الواقع.
حتى ترامب قبل وقت طويل من توليه الرئاسة، أظهر بعض من الاتساق بهذا الشأن، ففي عام 2011 أخبر CNN أن المحادثات مع القيادة الإيرانية ستكون أفضل من “قتل الملايين من الناس”. وقد قالت هولي داجريس، من مؤسسة The Atlantic Council، أن الجهد الدبلوماسي من جانب إدارة ترامب للاشتباك مع الرئيس الإيراني حسن روحاني من شأنه أن يثير غضب عناصر النظام الأكثر تشددًا، بما في ذلك الحرس الثوري الذي يشرف إلى حد كبير على حروب الوكالة الخارجية الإيرانية.
“لو اتبع ترامب هذا النهج المختلف، لاهتزت أفكار المتشددون في طهران. فاحتمالية أن تُقام علاقات جيدة مع الغرب، وخاصة واشنطن، من شأنها أن تضر بموقفهم في سياستهم الداخلية الإيرانية. على كل حال، فإن سببًا من أسباب وجود الجمهورية الإسلامية هو معارضة الإمبريالية الأمريكية. وقالت داجريسِ: “المتشددون يعدون الأيام حتى الموعد النهائي الذي حدده ترامب في 12 مايو لتجديد العقوبات، آملين أن ينفذ الرئيس تهديداته بالانسحاب من الاتفاقية الإيرانية، وهذا من شأنه أن يؤكد حجتهم بأن إيران لا يمكن أن تثق أبداً بالولايات المتحدة للحفاظ على التزاماتها”.
وربما ترغب إدارة ترامب في خلق أجواء المنافسة هذه. فكلا من بومبيو وجون بولتون مستشار ترامب للأمن القومي، قد دعا إلى تغيير النظام الحاكم في إيران. وكلاهما أيضًا لا يضعا كثيرًا من ثقتهما بالاتفاقية النووية مع كوريا الشمالية.
وقال بولتون يوم الأحد أن الإدارة الأمريكية تتبع “النموذج الليبي” مع كوريا الشمالية. وهو النموذج الذي بدأ في 2003 للضغط على الديكتاتور الليبي وقتها “معمر القذافي” للتخلي عن برامجها النووية والكيماوية وبرامج الصواريخ بعيدة المدى. وهذا تشبيه غريب، نظرًا لأن الكوريين الشماليين قد أشاروا إلى أن موت القذافي على يد المتمردين المدعومين من حلف الناتو بوصفه مبررًا لاستكمال ترسانتها النووية.
وقالت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية في عام 2011: “لقد كان الأمر واضحًا للعالم كله أن “تفكيك السلاح النووي” الليبي الذي روجت له الولايات المتحدة في الماضي كان طريقًا للهجوم، حيث استمالت الولايات المتحدة ليبيا بكلمات معسولة مثل: “ضمان عدم المساس” و “تحسين العلاقات” لتنزع أسلحتها منها، ثم بعد ذلك استخدمت ضدها القوة”.
ويرى بعض المحللين أن بولتون ورفاقه يمهدون بصراحة إلى المفاوضات حتى تنهار. ويقول جيفري لويس، خبير الحد من التسلح: “ينوي بولتون أن يتسلى قليلًا بالمفاوضات لغرض واحد، وهو أن تفشل هذه المفاوضات، وحينها سيستطيع التشكيك في الحلول الدبلوماسية، ويروج أكثر للحلول العدائية”.
وهذا أيضًا من شأنه أن يُكسب ترامب نقطة نقد جديد لطريقة أوباما الذي دومًا ما ابتعد عن الحلول العدوانية.