Forbes
إن إيران واقتصادها –بكل المقاييس- يصنفان كالأسوأ على مستوى العالم، فإيران حلت في المركز 154من أصل 159، في مؤشر حرية الإنسان الصادر عن معهد كاتو، بناءً على مقياس واسع يشمل الحرية الشخصية والمدنية والاقتصادية. فأداء الاقتصاد الإيراني الضعيف، أدى إلى انتشار الفقر على نطاق كبير.
ويؤكد الكثيرون، داخل إيران وخارجها، أن السبب الرئيسي في تدهور إيران الاقتصادي هو سلسلة العقوبات الأساسية والثانوية التي فرضها “الحلفاء”.
ورغم أن وسيلة فرض العقوبات تتسبب في أضرار كثيرة، إلا أنها لا تحقق النتائح المرجوة. فيقدم جون ميرشايمر، في كتابه “مأساة سياسة القوة العظمى” أكثر من دليل يثبت أن الحصار البحري والقصف الإستراتيجي (وأضيف العقوبات المالية) نادراً ما يعطون النتائج المنتظرة. وهي ليست بالوسائل التي تحقق الفوز بحرب.
“يمكن لسكان الدول الحديثة أن يتعايشوا مع قدر كبير من العناء دون أن ينتفضوا ضد حكوماتهم. فلا توجد حالة واحدة سُجلت في التاريخ كله قد نجحت فيها دولة في دفع شعوب العدو للانتفاضة ضد حكوماتهم من خلال فرض حصار أو حملة قصف استراتيجي، فعلى ما يبدو أن”العقوبات تولد غضباً شعبياً ضد المهاجم أكثر منه على الحكومة المستهدفة”.
فعلى الرغم من أن العقوبات تشارك في زيادة معاناة الإيرانيين، إلا أن الشكوك كثيرة حول ما إذا كانت حكومة إيران الدينية سوف تمتثل لمطالب الحلفاء أم لا. فكما كتب ميرشايمر:
نادراً ما تتحرك النخبة الحاكمة لترك حربٍ لأن مواطنيها يعيشون في ظروف وحشية. في الواقع، يمكن القول بأنه كلما زادت المعاناة التي يعيشها الشعب، كلما كان من الصعب على القادة ترك الحرب. أساس هذا الادعاء، الذي يبدو متناقضًا، هو أن الهزيمة الدامية تزيد جدًا من احتمالية أن يسعى الشعب بعد انتهاء الحرب إلى الانتقام من الزعماء الذين قادوهم إلى طريق الدمار. وبالتالي، فإن هؤلاء القادة لديهم حافز قوي لتجاهل المعاناة التي يتعرض لها شعوبهم، والقتال حتى النهاية على أمل أن يتمكنوا من تحقيق انتصار والنجاة بأنفسهم”.
لذا، ففي حين أن العقوبات تزيد من معاناة الإيرانيين، إلا أنها قد تفشل على الأرجح في إجبار الجمهورية الإسلامية على الخضوع لمطالب الحلفاء.
والعقوبات المفروضة على إيران تساهم بشكل ليس بالكبير فيما يعانيه الاقتصاد الإيراني. فالإنهيار الاقتصادي الذي تعاني منها إيران سبق الثورة الإسلامية عام 1979. فقبل طرد الشاه الأخير من على عرشه، دفعته رؤيته إلى تبني مخططات على النمط السوفيتي، مثل الخطط الخمسية، المشاريع العملاقة، المدن النموذجية، والتخطيط المركزي. فالشاه “السوفييتي” الذي دعمته الولايات المتحدة، أحدث فوضى في الاقتصاد وأفسح المجال أمام المشاكل الاقتصادية الإيرانية. أما النظام الديني فقد خنق القطاع الخاص الصغير في إيران، وتسبب في إنهيار الاقتصاد بسرعة أكبر.
وبالتالي، ما الذي ينبغي فعله لدفع ملاك الموت هذا بعيدًا؟
الفقر هو المأساة التي تجعل حياة مَن يعيشونها قاسية وخطيرة وقصيرة. ويبقى العلاج الوحيد هو النمو الاقتصادي. وتعلمنا من أعمال الخبراء الاقتصاديين الأوائل كريتشارد كانتيلون وآدم سميث وجاك تورغوت، أن الحرية الاقتصادية هي شرط مسبق وحاسم للنمو الاقتصادي الجيد.
السؤال هنا، ما هي العناصر الضرورية لتحقيق مثل هذا النظام الاقتصادي الليبرالي؟
• يجب تأسيس حقوق الملكية الخاصة والتعاقدات. ويجب أن يسترشد بالمعايير التالية في تأسيس الملكية الخاصة: العمومية والتفرد والقابلية للنقل. تضمن العمومية أن جميع الموارد إما مملوكة أو يمكن امتلاكها بواسطة شخص أو كيان خاص. ويضمن التفرد أن أصحاب الملكية لهم الحق في التصرف في ممتلكاتهم طالما أنها لا تضر مالكي العقارات الآخرين. أما قابلية النقل فهي إمكانية قيام المالكين بنقل حقوق الملكية الخاصة بهم بحرية.
• ينبغي توطيد الإنضباط المالي والشفافية. لمراقبة الإنفاق العام والحد من التبزير والاحتيال والفساد -يجب على الحكومات نشر الحسابات القومية التي تتضمن الميزانية العمومية بأصولها وخصومها، وبيان سنوي لقوائم الدخل والمصروفات. ويجب أن تفي هذه البيانات المالية بالمعايير المحاسبية الدولية وأن تخضع لمراجعة خارجية.
• يجب أن يخضع عجز الميزانية والإنفاق الحكومي للمراقبة. وإحدى الطرق لتحقيق هذا على النطاق الحكومي هو أن يتم طلب تصويت “الأغلبية العظمى” لاتخاذ قرارات مالية مهمة: فرض الضرائب، والإنفاق العام، وإصدارات صكوك الديون.
• ينبغي السيطرة على ضغوط التضخم. لتشجيع التنمية الاقتصادية، يجب أن تبقى معدلات التضخم منخفضة ومتوقعة. يمكن تحقيق معدلات التضخم هذه بالنسبة لكثير من الدول النامية عن طريق إلغاء بنوكها المركزية واستبدالها بمجالس نقدية. ويستطيع مجلس النقد إصدار عملات قابلة للتحويل ومستقرة ومحلية بالكامل والتي هي مستنسخة من عملة الرئيسية.
• يجب استغلال مزايا التجارة الدولية المفتوحة. فسياسات التجارة الليبرالية تسهل توزيع الموارد وتحفز النمو الاقتصادي بفاعلية. وينطبق هذا على الاقتصادات الصغيرة خاصةً، حيث لا يمكن الحصول على منافسة حقيقية إلا من خلال السماح للمنتجين الأجانب بالمنافسة بحرية في الأسواق المحلية.
• يجب إلغاء أنظمة الضرائب المعقدة والمعدلات الضريبية المفرطة. فالأنظمة الضريبية المعقدة بجانب معدلات ضريبية مفرطة تؤدي إلى انحراف السلوكيات، وخلق عقبات كبيرة أمام النشاط الاقتصادي، وإجبار هذا النشاط على التوارى عن أنظار القانون.
• يجب وقف الدعم الحكومي والحوافز الضريبية للصناعات الخاصة. إن الدعم الحكومي والحوافز الضريبية المصممة لتحقيق أهداف معينة في الواقع قد تساعد أو لا تساعد في الوصول إلى تلك الأهداف. لكن هناك شيء واحد مؤكد: أنها تشوه الخيارات الاقتصادية وتوزيع الموارد، وتحد من الانضباط المالي، وتؤخر النمو الاقتصادي.
• يجب تجنب الامتيازات والحصانات. على سبيل المثال، ينبغي تجنب الامتيازات والحصانات الاحتكارية التي أنشأتها الدولة للنقابات، مثل النيابات الحصرية وعضوية النقابة الإجبارية، والحصانة من قوانين مكافحة الاحتكار. الامتيازات والحصانات تحدث خللًا بالأسواق وتعمل بمثابة عائق على النمو الاقتصادي.
• ينبغي تجنب ضوابط الأسعار. لا يمكن تبرير ضوابط الأسعار، بما في ذلك الحدود القصوى لسعر الفائدة، على أسس اقتصادية. فهي تميل إلى تجاهل الدور التحذيري الذي تلعبه الأسعار.
• يجب منع أي تدخل في السوق وأي قيود على المنافسة فيه، مثل استخدام مجالس التسويق، التي تؤدي إلى تسييس الحياة الاقتصادية، والمشروعات غير الفعالة، وسوء توزيع الموارد.
• ينبغي خصخصة الشركات المملوكة للدولة. الشركات المملوكة للدولة غير فعالة. فمثلًا، المبيعات والأرباح المعدلة والإنتاجية لكل موظف في المؤسسات المملوكة للدولة أقل من الموظف بالمؤسسات الخاصة. ووفقًا للدولار فإن عائد الاستثمار وعائد الأصول أقل، في حين أن الأجور وتكاليف التشغيل أعلى، والمبيعات تنمو بمعدل أبطأ، ومع بعض الاستثناءات (البترول)، فإن الشركات المملوكة للدولة تحدث خسائر محاسبية يتحملها دافعو الضرائب.
• يجب وضع حدود واضحة بين القطاع العام والخاص. فالحدود غير الواضحة بين القطاعين العام والخاص تدل على سوء تحديد حقوق الملكية. عمليات الإنقاذ الحكومية للشركات الخاصة المتعسرة ليست سوى مثال واحد على الحدود غير الواضحة بين النشاط العام والخاص. فحقوق الملكية غير محددة هذه تحدث خللاً في تخصيص الموارد وتؤخر النمو الاقتصادي.
• يجب تجنب التلاعب وقمع أسواق رأس المال الخاص. فالتلاعب والقمع في أسواق رؤوس المال الخاصة يخلان عملية الادخار والاستثمار، ويعوقان الاستثمار الأجنبي المباشر، ويدفعا رؤوس الأموال إلى الهروب، ويعملان بمثابة عائق على النمو الاقتصادي عامةً.
لعقود كان لإيران مبادئها الاقتصادية السيئة، فالملكية الخاصة والحقوق التعاقدية ليستا مضمونتين. وانعدام الأمن هذا –خاصة بالنسبة إلى المستثمر الأجنبي- دفع بالنمو الإيراني في قطاع النفط إلى الفشل. وليس للانضباط المالي والشفافية والمراقبة مكان في إيران. كما تنتشر سياسة التحكم بالأسعار والإعانات هناك. وكل هذا يشكل خليطًا مميتًا.
وتتكلف البنوك بتقديم الإئتمان إلى قطاعات بعينها، وتوضع هذه القطاعات مع مستويات الائتمان المحددة في خطة إيران الخماسية للتنمية. لذا، ليس من المستغرب أن تتم إساءة توزيع الائتمان، والآن، أصبحت البنوك ميتة ومحملة بجبال من القروض المتعثرة.
حتى الخصخصة يتم إفسادها في إيران، فمثلًا، عندما تم خصخصة الشركات المملوكة للدولة، تم شراء غالبية الأسهم من كيانات أخرى مملوكة للدولة أيضًا.
وبينما تُلقي طهران ببراعة أسباب انهيارها على أعدائها الخارجيين، فإن الحقيقة أن السياسات الاقتصادية الإيرانية هي من تسببت في هذا. وصار الحل الوحيد لتجنب المزيد من الفقر يكمن في إزالة القيود المفروضة داخليًا على الإيرانيين.
قد يكون الأمر طويلًا، لكن انظروا فقط إلى ما أنجزته الصين منذ ثورة “دينج” في ديسمبر 1978.