قال “ما تبتغيه يبدو محال” فكان جوابي “إن المحال مقصدي”.. بهذه الكلمات القليلة لخص لنا فريد الدين العطار واحدا من أهم أعلام التصوف والأدب الفارسي في خلال القرن السادس الهجري بصفة خاصة وعبر التاريخ الايراني بشكل عام، هدفه في الحياة.
بطاقته التعريفية
فريد الدين أبو حامد محمد العطار كما تخبرنا بطاقة تعريفه ولد في مدينة نيسابور بإيران لأبوين صالحين، وقد ورث عن أبيه مهنة العطارة، وكان دكانه بمثابة الصيدلية في عصرنا الحديث، حيث يستقبل المرضى ويصنع لهم الأدوية بنفسه.
وقد وردت الكثير من القصص حول تركه للعطارة وسلكه للطريق الصوفي، من بينها ما ذكره الشاعر عبد الرحمن الجامي في كتابه أنه ذات يوم بينما كان العطار يعمل في دكانه دخل عليه درويش فقير يطلب مال، فلم يعطه، فقال له الدرويش أخبرني يا عطار كيف ستموت؟ فأجابه العطار مثلك، فقال له وهل تستطيع أن تموت مثلي ؟ فسأله العطار لِمَ لا ؟ فوضع الدرويش خرقته تحت رأسه وقال لا والله، ثم أسلم الروح، ومن هنا تبدل حال العطار وأغلق دكانه وترك تجارته، وسلك الطريق وانشغل بالتصوف والزهد.
وفي المقابل يشكك البعض في صحة هذة الرواية ويؤكدون ان العديد من الرويات الاخرى أشارت إلى ميله إلى التصوف منذ صغره.
كيف بدأت رحلته مع التصوف
كان يقول أننا لا نرى سوى مظهر الأشياء، لأننا لو أدركنا جوهرها وحقيقتها سندرك أن الأشياء جميعها لأصل واحد. فكانت غايته التوحد مع الذات الآلهية ككثيرٍ من كبار الأولياء.
بعد أن أغلق العطار دكانه سافر إلى الكثير من البلاد كمصر والشام ومكة ووصل حتى الهند، فقد كان يتبع أخبار الأولياء تارة ولطلب العلم تارة.
لكن لم يكن للعطار طريقة واضحة كالرومي مثلًا، لأنه لم يوضح في كثير من المواضع رأيه وكان كثير اللجوء إلى الرمز.
كما كان يفضل القلب على العقل قائلًا العقل طيب وخبيث وصديق وعدو بينما العشق من الذات الآلهية. وربما نتيجة لهذا الفكر كان العطار يبغض الفلسفة بشدة.
وعن مقامات التصوف، يختلف الصوفية حولها لكن العطار قد وضح مقاماته في منطق الطير وهي الأودية السبعة ” الطلب، العشق، المعرفة، الاستغناء، التوحيد، الحيرة، الفقر والفناء “ومن المؤكد أن الفناء ف لذات الآلهية هو المحال الذي قضى عمره يبحث عنه.
وقد قال عنه مولانا جلال الدين الرومي ” قد أجتاز العطار مدن العشق السبعة، بينما أنا أقف في زاوية طريق ضيق”، ويذكر أن العطار قد التقى بالرومي صغيرًا مع والده في طريق الحج فأهداه كتاب الأسرار وتنبأ له بأنه سيكون صاحب طريقة.
أعمال العطار
كان العطار غزير الإنتاج الأدبي والفكري وقد قال عن نفسه في منظومة منطق الطير ” قلت لقلبي: أَقل القول أيها الثرثار، واطلب الحقيقة، فأجاب: أقل اللوم، فأنا في نار وإن لم أنطق احترقت”
وقد جاءت كل أعماله شعرية عدا تذكرة الأولياء، وقد أختلف البعض حول عددهم فذكرهم عبد الوهاب عزام في كتابه عن فريد الدين العطار 23 عمل، لكن أهمهم وأشهرهم:
منطق الطير: أهم أعمال العطار وهو منظومة شعرية رمزية جاءت على لسان الطيور التي اعتذرت عن سلك الطريق الطويل، وأختاروا الهدهد ليسلك الأودية السبع ويبحث عن السيمرغ أو العنقاء وهو طائر أسطوري في تاريخ إيران، والسيمرغ هنا رمز للذات الآلهية، والطيور هم السالكين للطريق الصوفي، والهدهد هو المرشد أو الشيخ.
تذكرة الأولياء: من كتب التراجم أي السير، فقد تتبع العطار سير كبار الأولياء والمتصوفة، وقد كتبه بأسلوب نثري بسيط ويشمل مقدمة و72 باب.
الهي نامه: الكتاب الآلهي عن الفكر الصوفي.
مختار نامه: يضم هذا الكتاب ألفي رباعية، ويعد الرباعي من أقدم قوالب الشعر الفارسي.
مصيبت نامه: يحكي عن المصائب والمصاعب التي يواجهها السالكين للطريق، ويضم قصص جذابة، ويعتبره البعض الأهم بعد منطق الطير.
أسرار نامه: نظم كتاب الأسرار في قالب المثنوي ويشتمل على 3305 بيت، ويتحدث عن مواضيع مختلفة تدور حول التصوف.
ديوان الأشعار: يحتوي هذا الديون على قصائد وغزليات العطار، وبالطبع أغلبها يحمل الطابع الصوفي.
وفاة العطار ونهاية الحكاية
في عام 618 هجريًا أثناء هجوم المغول على إيران، قام بعض الجنود بقتل الشيخ العطار، وحرق جميع كتبه التي عثر عليها وقتها، والكتب التي وصلت إلينا كانت قد نُقلت قبل قدوم المغول إلى مدن أخرى.
ويعد يوم 14 إبريل اليوم القومي للإحتفال بذكرى العطار في إيران، حيث تزين الحدائق حول ضريحه، وتقدم الأبحاث عنه، وتعقد حلقات الشعر.