دايلي بيست
في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين، عبرت طائرتان مقاتلتان إسرائيليتان من جنوب لبنان وأطلقتا عددًا من الصواريخ على قاعدة تي 4 أو قاعدة تياس الجوية في محافظة حمص. واستهدفت الصواريخ قسمًا من القاعدة يستخدم فقط من قبل فيلق القدس -قوات خاصة للحرس الثوري الإيراني ومسؤولة عن العمليات خارج الحدود الإقليمية- وحزب الله، لإيواء كبار الموظفين والأسلحة الاستراتيجية والطائرات بدون طيار المتطورة في حظائر الطائرات.
وقد قتل ما لا يقل عن 14 شخصًا في الهجوم الصاروخي، الذي وصفه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف فيما بعد “بتطور خطير جدًا” في توبيخ قاسٍ غير معتاد لهذا الفعل الإسرائيلي، الذي عادة ما كانت موسكو تتعامى عنه.
ومن المرجح، أنه –كما يبدو- لأول مرة اختارت إسرائيل عدم تحذير وزارة الدفاع الروسية بشأن خطط غاراتها؛ باعثة بذلك رسالة قوية عن تزايد حدة مخاوفها حول حجم الوجود الإيراني في سوري، وفشل روسيا الواضح في احتوائه أو تقيده.
وتتمركز القوات الروسية في قاعدة تي 4، وتجري طائراتها في كثير من الأحيان عمليات من مدارجها، مما يجعل الضربة الإسرائيلية غير المعلنة حركةً أكثر جرأة، وتطورًا تصاعديًا.
قبل شهرين وقف العالم يشاهد بينما اشترك كلا من إسرائيل وإيران في سلسلة قصيرة من الاشتباكات العسكرية المكثفة في سماء سوريا. وفي غضون عدة ساعات، تم إسقاط طائرة إيرانية متقدمة وطائرة مقاتلة إسرائيلية من طراز إف -16، وإلحاق أضرار أو تدمير 12 منشأة عسكرية سورية وإيرانية.
مكالمة هاتفية واحدة صارمة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أكدت أن موجة تفجيرات انتقامية أوسع بكثير لم تحدث. ولو أنها حدثت، لتحول الأمر بسهولة لأخطر اشتباك عسكري بين إسرائيل وإيران خلال السبع السنوات الماضية منذ اندلاع الأزمة السورية.
وبما إن الرئيس ترامب يبدو مصممًا على تقريب موعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، فإنه من المهم فقط تذكيره بالخطر المستمر لبقايا الدولة الإسلامية، وأيضًا بالأهمية الخطيرة للأمن الدولي لكبح إيران وردعها. ولا مكان لفعل هذا بفعالية سوى في سوريا.
يمكننا القول أن أيام “دحر” إيران في سوريا قد ولت منذ زمن، لكن الاحتواء والردع قد يكونان كل ما تبقى لمنع ما يمكن أن يكون صراعًا إسرائيليًا إيرانيًا مدمرًا على جبهات متعددة، ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.
ويبدو أن حادثة العاشر من فبراير الماضي هي التي أشعلت الأمر، حين قامت إيران بعمل فخ، حيث خرجت طائرة إيرانية بدون طيار (وهي نسخة عن طائرة أمريكية من طراز RQ-170 Reaper استولت عليها إيران في ديسمبر 2011) من حظيرة طائرات تستخدمها قوات الحرس الثوري الإيراني في القاعدة T4، وحلقت على مستوى منخفض بطول الحدود الأردنية، متجهةً إلى مرتفعات الجولان التي تخضع تحت السيطرة الإسرائيلية، في محاولة لاستدراج الجانب الإسرائيلي.
وقد تم إسقاط الطائرة عندما عبرت المجال الجوي الإسرائيلي على الفور، بواسطة مروحية إسرائيلية من طراز AH-64 Apache، وبعد وقت قصير، شنت ثماني طائرات إف -16 إسرائيلية سلسلة غارات على القسم المخصص للحرس الثوري في T4. فأطلقت عدة أنظمة دفاع جوي تابعة للحكومة السورية تم تفعيلها بشكل شبه متزامن، وابلًا من 27 صاروخ أرض-جو على الطائرات الإسرائيلية، مما أدى إلى سقوط واحدة. وخلال الساعتين التاليتين، أطلقت القوات الجوية الإسرائيلية ردًا جويًا كبيرًا، أصاب أربعة من أفراد الحرس الثوري الإيراني، وثمانية أهداف حكومية سورية.
وكانت أحداث 10 فبراير بمثابة تذكير صارخ بالمخاطر الكبيرة المرتبطة بكل من إيران وإسرائيل في سوريا. فهي لم تكن ولن تكون الاختبار الأخير لعلاقة حساسة تزداد توترًا كل يوم، كلما استمر وضع إيران العسكري في سوريا في التوسع من حيث النطاق والحجم. ولطالما حافظت إيران على موضع نفوذ لها في سوريا، لكن منذ بداية الثورة في عام 2011 ، انفجر دور طهران ووجودها بشكل كبير.
الحرس الثوري الإيراني قد اكتسب في السنوات الأخيرة موقعاً في عمق سوريا الاستراتيجي، بجانب وجود ما لا يقل عن 10 قواعد عسكرية مشتركة أو مخصصة وأكثر من 40 موقع عسكري دائم في جميع أنحاء البلاد،و يقود الحرس الثوري الإسلامي أكثر من 120 ألفًا من رجال الميليشيات، 25 ألفًا منهم على الأقل من غير السوريين. وكما أوضحت إيران وكثير من وكلاءها في كثير من الأحيان، فإن هذه القوة الكبيرة التي تتخذ سوريا مقرًا لها، لديها فقط عدو واحد على المدى البعيد: إسرائيل، وبالتحديد تدميرها كدولة قومية.
بعد هدوء قصير بعد أحداث 10 فبراير، استأنف سلاح الجو الإسرائيلي غاراته الجوية على الأهداف العسكرية المرتبطة بإيران في سوريا، كما تؤكد أحداث ما قبل فجر يوم الاثنين. في غضون ذلك، قالت مصادر المعارضة أن رجال الميليشيات الإيرانية يستعدون للقيام بعمليات هجومية جديدة في جنوب سوريا في الأسابيع المقبلة، بعد أن تجمعوا في المناطق الموالية في جنوب غرب دمشق. وبحسب ما ورد، يتم نشر دبابات النظام السوري وأنظمة المدفعية في منطقة التصعيد جنوب غرب سوريا. على الرغم من أنها منطقة وقف إطلاق النار، والتي تم التفاوض عليها جزئياً من قبل الولايات المتحدة، إلا أن خطًا يتراوح طوله بين 5 و 8 كيلومترات يرسم حدود المنطقة العازلة على طول حدود إسرائيل، إلا أن استبعاد الميليشيات المرتبطة بإيران منها لا يزال أمر غير واضح. في الواقع، يحتفظ فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بعدة مواقع على طول الخط نفسه، وتعمل جماعات الميليشيات الأخرى المدعومة من الحرس الثوري الإسلامي بحرية في المناطق التي يسيطر عليها النظام في مكان قريب. وهذا أبعد ما يكون عن الحل الأمني الدائم للمخاوف الإسرائيلية.
إن التحديات التي تطرحها الأزمة السورية كثيرة، لكن التهديد الإيراني غالباً ما تم تجاهله. وبالنظر إلى العواقب الاستراتيجية المحتملة، فإن الولايات المتحدة لديها مصلحة حيوية في التعامل مع إيران، ودعم إسرائيل -الحليف الرئيسي لها-. وللقيام بذلك، يجب على إدارة ترامب أن تنظر بجدية في استغلال اتصال أمريكا القديم مع العناصر المقاتلة للجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر في جنوب غرب البلاد، من أجل تحويلها إلى قوات دفاع محلية.
وسيكون هذا استمرارًا لتفضيل الولايات المتحدة العمل “من خلال، ومع، وعبر” العناصر المحلية من خلال نهج التدخل الخفيف، الذي تضع به المسؤولية على عاتق السكان المحليين لتأمين مصالحهم ومصالحها في وقت واحد. في حين أن العمل الدبلوماسي يهدف إلى تعزيز “تخفيف التصعيد” في جنوب سوريا، فإن هذه القوات – التي قد تكون مدربة ومجهزة ومدعومة من قبل قوات العمليات الخاصة الأردنية والأمريكية – يمكن أن تصبح أساس الردع ضد أي توسع إيراني إضافي نحو إسرائيل أو هجمات بقيادة الحكومة في نفس الاتجاه. وفي حال حدوث أي من هذه التحركات التهديدية، سيتم وضع قوات الدفاع المحلية هذه في حالة دفاعية، بدعم كامل من إسرائيل والولايات المتحدة والأردن.
ويجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تكثف تبادل المعلومات الاستخبارية مع إسرائيل حول أنشطة إيران المستمرة في سوريا، وتنتهز الفرصة في نفس الوقت لإلقاء الضوء على حجم التهديد الموجه لعامة الشعب. ويجب عليها أيضًا أن تفكر في الانضمام إلى سلاح الجو الإسرائيلي، لإجراء ضربات عقابية ورادعة على أهداف الحرس الثوري الإيراني في سوريا.
في نهاية المطاف، سيفهم الحرس الثوري الإسلامي لغة واحدة فقط، وهي لغة القوة، وعندما تستهدف تلك القوة الإيرانيين بشكل رئيسي. بالطبع سيكون هناك دائماً خطر التصعيد المضاد، لكن إسرائيل أثبتت مهارة ملحوظة في التخطيط لسلسلة من الاستجابات المحسوبة بعناية ضد إيران، وقد منعت دوامات من التصعيد- مع استثناء واحد مؤخرًا -. ومع ذلك، فإنها لم تحقق أي شيء قريب من الردع، وهذا هو السبب في أن التصعيد التدريجي لتحركاتها أمر ضروري.
وأخيرًا، يجب على الولايات المتحدة أن توسع بشكل كبير من المعنى الدلالي لإرهابية ميليشيات الحرس الثوري الإيراني، والميليشيات المرتبطة بفيلق القدس في سوريا، ومعاقبة قادتها، وأولئك الذين يمهدون الطريق أمام إيران.
وفي حين أن هذه الإجراءات التي تركز على العقوبات فقط ليست كافية لمعالجة التهديد الإيراني، فإنها يجب أن تكون أكثر تماسكًا، وذات هدف واحد لاستخدام القوى لكبح ومنع أي تهديد قد يتعذر ردعه قريبًا بالكامل، وبالتالي سيجعل من انفجار الوضع في المستقبل أمر لا مفر منه.