اشتهر عمر الخيام بين كافة طبقات المجتمع المصري والعربي، حينما غنت أم كلثوم ما ترجمه أحمد رامي تحت اسم رباعيات الخيام، و كانت هناك محاولات سابقة لترجمة الرباعيات لكن عن الإنجليزية بعد أن ترجمها ادوارد فيتزجيرالد ونشرها عام 1859 وكان عددها في أول طبعة 75 رباعية، ثم ازداد العدد في الطبعات التالية ليصل إلى 101 رباعية، ومن ثم بدأ العالم ينتبه لكنز الخيام، حيث تمكن البعض من ترجمة ما يزيد عن 300 رباعية.
كان رامي يجيد الفارسية، فترجمها من لغة الرباعيات الأم، وسافر ليطلع على المخطوطات الأصلية، لكن تغلبت روح الشاعر بداخله على روح المترجم، ثم غير في بعض المعاني لتستسيغها كوكب الشرق، وتتمكن من غناء الرباعيات، و يعد من أفضل من ترجموا الرباعيات إلى العربية.
ولكن هل تكمن عبقرية الخيام في رباعياته فقط ؟
ستندهش حينما تعلم أن الخيام (1048 : 1131) كان ينظم شعر الـ دو بيت أو كما نسميه بالعربية الرباعية، ليروح عن نفسه وعن تلاميذه أثناء القاء الدروس، فقد كان الخيام عالم رياضة وفلك وتاريخ شهير في عصره كما ساهم في علاج بعض الأمراض، و له نظريات في الهندسة و الجبر، وهو من وضع التقويم الإيراني، كما فتح منزله لتدريس فلسفة ابن سينا، ولم يدون رباعياته في حياته، بل تناقلها عنه تلاميذه، ثم دُونت بعد وفاته.
وقد انقسمت آراء البعض حول شخصية الخيام، و نصبوا له محاكمة أخلاقية لتصنيفه من أهل النار أم الجنة؟ حيث اتهمه البعض بالكفر و الإلحاد و المجون، بينما دافع البعض عنه وأذاعوا توبته إلى الله، وكل هذا الصراع نتيجة لما ورد في رباعياته التي كان يقولها في أوقات راحته!
ومن الجدير بالذكر أن الخيام في عصره كان يلقب بـ الإمام، و الفيلسوف، و حجة الحق، و له اسهامات علمية باقية إلى الآن، ولم يرد عنه أخبار تؤكد سوء خلقه أو سيرته سوى آراء المعاصرين المتشددين في رباعياته، و رغم ذلك صوروه بشخص أبيقوري يحيا من أجل رغباته و نزواته، و إذ قرأنا مقدمة ديوان أحمد رامي سنجده يقول أن أقدم مخطوطة للرباعيات كانت بعد وفاة الخيام بنحو 350 عام، وهذا يؤكد عدم صحة انتساب جميع الرباعيات له.
بعض رباعيات الخيام (ترجمة أحمد رامي)
إن لم أَكن أخلصت في طاعتك
فإنني أطمعُ في رحمتك
وإنما يشفعُ لي أنني
قد عشتُ لا أُشركُ في وحدتك
يا رب في فهمك حار البشر
وقصَّر العاجز والمقتدر
تَبعثُ نجواك وتبدو لهم
وهم بلا سمعٍ يعي أو بصر.
أين النديم السمح أين الصبوح
فقد أمضَّ الهم قلبي الجريح
ثلاثة هنّ أحب المُنى
كأسٌ وأنغامٌ ووجهٌ صبيح.
أحس في نفسي دبيب الفناء
ولم أصب في العيش إلا الشقاء
يا حسرتا إن حان حيني ولم
يتح لفكري حل لغز القضاء.
هات أسقنيها أيهذا النديم
أخضب من الوجه اصفرار الهموم
و إن مت فاجعل غسولي الطلى
وقد نعشي من فروع الكروم.
يا نفس ما هذا الأسى والكدر
قد وقع الإثم وضاع الحذر
هل ذاق حلو العفو إلا الذي
أذنب والله عفا و اغتفر.
ومن النماذج السابقة سنجد كافة الرباعيات تناقش ثلاثة أمور، التفكر في الكون، ذكر الله وخشيته والرجوع إليه بعد ذنب، مدح الشراب و مجالسه. لذا لابد أن نتذوق العمل الأدبي ولا ننشغل بحال كاتبه الذي دُونت أشعاره بعد مئات السنين من وفاته.