كم من مرة وقفت أمام إحدى المحال، لا لأنّ معروضاته قد جذبتك، أم أن الديكور قد ضرب داخل نفسك الانبهار، أو أنّ الأمر كان منبعه حرص صاحب المحل الشديد وجذبه من يدك جذبًا عنيفًا، وهذه أمور ليست خارقة للطبيعة، ولكنها تحدث، -حتمًا- قد حدثت لك ولو مرة على الإطلاق، ولكن ألم يحدث – ولو مرة أيضًا- أن انجذبت إلى إحدى اللوحات الضوئية التي تٌشير إلى إعلان ما؟ ألم يحدث أن بهرك حرف الراء؟ أو السنون المُدببة في حرف السين؟ أم شيء من هذا القبيل.
لكن لا عليك، الجمال نسبي، محاولة جعله مُطلقًا غير منطقية؛ لأنّ مفاهيم الجمال مختلفة، مُتدرجة، تختلف من فيلسوف لآخر، ومن إنسان يُعمل عقله داخل مفردات الكون، فمثلاُ لأعرض عليك مفهوم كانط وشوبنهاور للجمال فهما يتفقان أنّه صفة للشيء يعمل على بعث اللذة داخل أنفسنا بصرف النظر عن نفعه، ويحرك فينا نوعًا غير إرادي من التأمل، ويشيع لونًا من السعادة الخالصة، ونظرًا لهذا التدرج والاختلاف، فلقد رمى بظلاله على إحدى أنواع الخطوط الفارسية، وقد جعل الجمال شهرته محلية لا دولية، وهو خط الشكستة.
اختُرِع هذا الخط في عهد الصفويين والتي حكمت بلاد فارس في بداية القرن السادس عشر حتى سقطت على يد الدولة الهوتاكية الأفغانية وسقوط سُلطانها، ثم العودة مرة أخرى إلى عهد الصفويين في ثلاثينيات القرن الثامن عشر، وسمى هذا الاسم بإسم “الشكستة” أي مُكسر أو مُتكسر؛ لأنّ بعض حروفه تبدو مكسرة لسرعة كِتابتها، ولكنه يعتمد بشكل رئيسي في كِتابته على الأسس الهندسية المُختلفة حيث الإتكاء على الكُتلة والفراغ والتوزيع وصناعة اللوحة.
ولكن يبدو أن هذا الخط قد ظُلمِ، ووقع عليه عدوان، لا من أحد ولكن من نفسه، فهو ينمحي فيه الحيوية تقريبًا، ولا يصلح للتصميمات الجرافيكية بسبب كثرة التواءات حروفه سواء الصاعد منها كالألف واللام، أو النازل كالنون والواو، وعدم تناسقها، ممكن يبرزها في صورة مُتكسرة، ترفضها العين ولا ترغب في رؤيتها.
وبسبب ذلك بقى محصورًا داخل إيران، تُكتب به حواشي الكُتب قديمًا، ولم يكتب به أحد من خطاطي العرب أو ينتشر بينهم، لذا بقِي محلك سر، لم يتحرك، وإليكم لوحات من هذا الخط المهضوم حقه، الظالم لنفسه: