في مطلع دراسةٍ دشّنتها وحدة إدارة البحوث والدراسات التابعة للمعهد المصري للدراسات، تحت اسم “القوي السياسية في المجتمع الإيراني”، أشارت إلى أن كون إيران انتهجت نظام حُكمٍ إسلاميّ تميزت به عن نُظرائها من أنظمة الحكم في المنطقة خصوصًّا والعالم عمومًا، إلا أن هذا النظام خلّف وراء ظهره أعباءً وتناقُضات وتحديات، وأثار العديد من التساؤلات والفرضيات، وجعل فرقًا من الباحثين والأكاديميين والمُحلِّلين يريقون أوقاتهم وجهودهم بحثًا واستقصاءً للوصول إلى فهمٍ صائبٍ لنظام الحكم في الجمهورية.
تتعقد منظومة استصدار القرار ولكن هذا لا يتسق أو يتوافق مع الصورة المُخرَجة إلى العلن، وهي صُورةٍ مؤثرةٍ تجعل الدبلوماسية الإيرانية في زمنها الآني ذات صيتٍ وذُيوع وتأثير كما أنها تعتبَر تجسيدًا حيًّا على كيفية تحقيق التناغُم والانسجام وإبقاء الظاهر ذو هيبةٍ وبريق مهما بلغ حجم التطاحُن الداخلي، وبالتالي هذا يجعلنا على معرفةٍ بأن هُناك العديد من القُوى قائمةٌ في سُدة حكم البلاد، قُوىً مؤثرة وأُخرى غير مؤثِرة، ومؤسسات مُنتخَبة وأُخرى غير رسمية تتبع المرشد، وهياكل تنضوي في إطارٍ دُستوريّ وأُخرى تعمل بطريقةٍ غير دُستورية بالمرّة.
لكن وسط كل هذه الضبابية، في أواخر شهر كانون الثاني / يناير من هذا العام، صعدت على السطح قضية تدخُل مكتب المرشد الإيراني، علي خامنئي، في عملية تبرئة قارئ القرآن في بيت المرشد، سعيد طوسي، أو المُسمّى بــ”مُغتصِب الأطفال” من قضية قيامه باغتصاب الأطفال، وهذا على إثر اعتراف العديد من الأطفال الضحايا وعوائلهم بقيام طوسي باغتصابهم والتحرُش بهم، والذي تُقدّر أعدادهم بـــــــ19 طفلًا.
وفي أواخر شهر شباط / فبراير من هذا العام أيضًا، كانت رسالة رئيس الجمهورية الإيراني السابق، أحمدي نجاد، والتي كانت تتسم بغِلظة الخطاب والحِدية والمواجهة لسُلطات المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي، كما كانت تحتوي على مطالبٍ عِدة طالب نجاد خامنئي بأن يقُم بها.
وكان مما نادى به هو تغيير الدستور الإيراني، من أجل تنفيذ عمليات الإصلاحات داخل السلطات القضائية والتنفيذية والتشريعية، والإصلاحات داخل المكتب الخاص ببيت المرشد المعروف باسم “بيت أو مقام رهبري”.
وفي مطلع آذار / مارس من عام 2017، شهد هذا المكتب حُدوث بعض الاضطرابات والمُشاحنات، خاصةً في أمسية عزاء ذكرى “استشهاد السيدة فاطمة الزهراء” -رضي الله عنها، حسب اعتقادهم-.
إذ ذُكِر أنه عند دخول الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى مجلس العزاء المقام في البيت الرهبري، هتف الحضور الذين مثّل غالبيتهم قيادات من الحرس الثوري والتيار المحافظ وتشكيلات لحزب الله، بشعاراتٍ ضد روحاني، وهو الأمر الذي فاجأه والوفد المرافق.
حتى أن هتافهم، كما تنقل المصادر، كان بصُورةٍ موحَّدة وبشعار “الموت للمُحــــرِّض”في إشارةٍ له، وقد فضّل روحاني الرحيل من مجلس العزاء، دونما ترك ردٍّ لهم أو مواجهتهم، وقد هتف الحضور الغفير حين رحيله “لا للمصالحة ولا للاستسلام”. وما كان هذا ليحدث إلا بين سدنة وبيادق المرشد القائمين في مكتبه، إذ لم يجمع المكتب إلا مناوئي روحاني والذين يخالفون نهجه ولا يرتضون بطرائق إدارته للجمهورية لا سيما في طريقة إدارته للملفات الخارجية.
في بحث للدكتورة / سنية الحُسيني، نُشِر على وكالة وفا للأنباء والمعلمات الفلسطينية، بتاريخ 29 من كانون الأول / ديسمبر لعام 2014، باسم “محددات السياسة والحكم في إيران”، أشارت فيه للعديد من النتائج، كانت أبرزها أن القرار الأول والأخير في السياسة الإيرانية بيد المرشد، وتحيط به وتدعمه مؤسسات الدولة التي تحمل نفس التوجهات السياسية وتخضع لسيطرته وتحتكم بأمره.
وللمرشِد قوةٌ كُبرى، إذ لديه أكثر من 2000 ممثل أغلبهم برتبة حُجة الإسلام، ينتشرون في كل الوزارات، وفي مؤسسات الدولة، وفي المراكز الثقافية داخل إيران وخارجها.
هُناك هذه اليد الناعمة للمُرشِد التي لها مهام وقُوة لا يُعلَم مداها ولا يُعرَف ماهيتها، المتمثلة في مكتب المرشد الأعلى، أو ما يُطلَق عليه بالفارسية “دفتر معظم مقام رهبري”.
فما وظيفته وما تأثيره حتى يُوجِّه له نجاد بالتحديد رسالته؟، وما مدى قوته حتى يستطيع أن يُبرِئ شخصًا متهمًا من يد القضاء ويستخلصه منه لمدى قُربة سعيد طوسي من المرشد؟.
هذا ما سنستطلعه في التقرير القادم.