“لن يفهم أحد”.. قصة قصيرة للكاتب والمصور الإيراني : پیمان هوشمندزاده من المجموعة القصصية ” نقطتان”
كانت المسافة المتبقية خمسة أقدام، وربما أقل. لو كان وصل إلى الحارة، كان انتهى الآخر. حتى أنه قد ركض عدة أقدام، لكنه مرة واحدة غير رأيه، توقف قليلًا. ثم عاد ، نظر جيدًا للطريق الذي قد جاء منه، كان الشارع خاليًا تمامًا، وهادئ . لم يصدق ظنه، من المؤكد أنهم قد أختبئوا في مكانٍ ما . جال بنظره في الحارة، ثم ركض إلى المنزل.
كانت مصابيح كل الشقق مطفأة، أدخل المفتاح في الباب، أداره بحرص في القفل، وعندما اطمئن لفتحه، دخل واغلقه بسرعه، ثم عبر الفناء، واعتلى السلم ركضًا، لم يرد أن يشعر أحد بمجيئه. دائمًا كان يصعد بلا ضجيج، ولم يراه أحد من الجيران، ولو عن طريق الصدفة، حيث يذهب في الصباح الباكر، ويعود آخر الليل. ولكنه الليلة لم يستطع أن يصعد الدرج بهدوء. كان يجب أن يسرع أكثر لمكانٍ آمن. ففتح الجار الذي يسكن في الطابق الثاني ـ أسفل شقته ـ الباب فجأة ، فأنار الضوء الخارج من شقته الردهة. فوجئ ، عض شفته السفلي كي لا يحدث اصطكاك اسنانه صوت، و حبس أنفاسه.
كانت عيناه تنظر إلى الضوء، بدأ يخفت شيئًا فشيء، حتى سمع صوت اغلاق الباب، انطلق مرة واحدة، وصعد آخر درجات السلم، فتح الباب، كان المكان بأكمله مظلم، لم يمتلك الجرأة كي ينير المصباح، لكن حتى و إن تجرأ، فلا جدوى من جرأته لأن الغرفة بلا لمبة.
وفقًا لعادته أدار المفتاح، أغلق الباب، كرر صوت اغلاق الباب من داخل المنزل عدة مرات، مال إلى الباب، ليسمع الصوت، وقد اتسعتا عيناه عن آخرهما. كان يرتجف، فأخذ نفسًا عميق، وبسرعة خلع معطفه، التف شيء حوله ساقه، كان قط أسود ذو عينين خضراويين.
ذهب ناحية المصباح، ازدياد صدى صوت وقع قدميه قلقه أكثر، أدار كشاف ناحية الحائط، و ضغط زره، نظر في كل النواحي، انصت جيدًا، لم يحدث شيء، كما لو أنهم لم يفهموا شيئًا حتى الآن.
لم يرَ بالغرفة سوى الأريكة التي كانت مملوءة بشعر القط، جفف بيده عرق جبينه، ابتلع ريقه، و ذهب ناحية الحوض، وقف أمام المرآة، اضاء الكشاف، لم يصدق أنه لم يستطع التعرف على نفسه، زاد ارتجافه، كان ينزف من جبينه، سالت الدماء على جانب وجهه وتساقطت قطرة قطرة في الحوض، وضع يده على جبينه، وتلمسه ببطىء، لكن يده لم تكن حمراء، كرر هذا عدة مرات.
ملأ صوت القط أرجاء المنزل، جمع ريقه، ثم بصقه في المرآه، انزلقت البصقة فوق المرآة على خده، ثم وصلت إلى ذقنه.
استقرت فوق الذقن، ثم غيرت مسارها بعض الشيء، وسقطت قليلًا لتستقر فوق القميص، كرر هذا الفعل مرة أخرى، هذه المرة وقعت فوق جبهته، استمر في فعل هذا للحد الذى غطى كل وجهه بالبصقات.فتح صنبور المياه، التف شيء حول ساقه، خلع نظارته، ووضع رأسه تحت الماء، نظر إلى المرآة مرة ثانية، كان وجهه قد تقلص، وتحولت عيناه بالتدريج من الأسود إلى الأخضر.