تُجنِّد إيران كافة وسائلها، وتشحذ كافة قُواها، لتعبيدها في حربٍ دبلوماسيةٍ شديدة الوطأة، ترُد فيها على جميع المنتقدين، وتدفع فيها الهجمات والغارات الكلامية المنسدِلة عليها من قِبل الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الذين يرتبطون بمصالحٍ جمة معها ضد إيران.
لسان حال إيران هو :”إياكم والاتفاق النووي”، لأن جوابنا سيتماهى وسيتواءم مع قراركم حياله، لم تتوقف إيران عن العمل على الإجابة على تصريحاتٍ تنطلق من هُنا ومن هُناك مهما كانت درجة ضآلتها إلا أنها أبدت لها اكتراثًا بدرجةٍ مرتفعة؛ تأكيدًا على أهمية هذا الأمر لديها.
كانت الخارجية وغيرها من مؤسسات السلطة والحكم في الجمهورية على موعدٍ شبه يومي مع الردود على كافة هذه التصريحات والخطابات.
وفي هذا التقرير نستعرض أهم هذه الردود ومُسبباتها.
هذا التقرير لا قيمة له.. كان هذا مفاد رد الحكومة الإيرانية على تعليق اللجنة “الرباعية العربية” المعنية بتطورات الأزمة مع طهران، حول التزام طهران بالاتفاق النووي، مطلع شهر آذار / مارس الجاري.
التقرير الذي صدر في السابع من آذار / مارس الماضي، كان قد أبدى قلقه من جدية التزام إيران بموجب (خطة العمل الشاملة)، وقدرة هذا الاتفاق على منع إيران من الحصول على السلاح النووي، وأكّد أن التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية أصبحت تثير الغضب.
وأدان تقرير اللجنة العربية التدخلات والأعمال الإيرانية التخريبية في شؤون دولة البحرين.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، بهرام قاسمي: إنه “لا يحق للجنة تقدير مدى التزام إيران بالاتفاق النووي”، وعدّ “هذا التقرير لا قيمة له”.
مضيفًا: “قادة السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وهي الدول التي تدخل الرباعية العربية، لا يملكون صلاحيةً وأهليةً للحديث عن مثل هذه القضايا”.
وتابع قائلًا: “ما قيل حول إيران في تقرير الرباعية عديم القيمة تمامًا، ويفتقد لأي مصداقية، وهو بعيدٌ عن المنطق”.
وقال أيضًا: “جميع التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت لغاية الآن أن إيران نفذت جميع تعهداتها، وستواصل الالتزام بها، حتى الوقت الذي تعتبره ضروريًّا، ولطالما يصب ذلك في مصالح البلاد”.
وكعادة الخطاب الخارجي للجمهورية الإسلامية، فقد نقل قاسمي الوضع من خانة الرد إلى خانة الهجوم المباشر بالإضافة إلى خاصية تعويم القضية.
ولذا انتقل قاسمي إلى حرب اليمن، وصرّح أن هذه الدول مُلقَى على عاتقها مسؤولية رئيسية في العدوان والدمار والكارثة الإنسانية هناك، إضافةً إلى نشر الإرهاب والتطرف في المنطقة، الكف عن التملُص من المسؤولية، وتوجيه الاتهام للآخرين، وأداء دورٍ هدّام، وإثارة المزيد من الأزمات.
حتى أنه وصف تلك الدول بأنها تمارس “الرقص السياسي المخزِي، الذي يهدف إلى إرضاء الكيان الصهيوني”.
لقد كان ردًا عنيفًا للغاية، واتسم بالغِلظة المعهودة عن إيران في ردودها على الدول العربية وبالأخص دول الخليج التي تُناوئها، ولم يتسم بدبلوماسيةٍ خطابية وكانت تبرُز فيه الاستعلائية بصُورةٍ ظاهرة.
خطأً مؤلمًا
نقلت وكالة أنباء الطلبة الإيرانية -إسنا- عن جواد ظريف، وزير خارجية إيران، في حديثه للصحافيين عقب عودته من أستانا التي زارها للمشارکة في الاجتماع الوزاري الثلاثي حول سوريا في السابع عشر من آذار / مارس الماضي، أن خروج الأمریکیین من الاتفاق النووي سیکون بالتأکید خطأً مؤلمًا بالنسبة لهم.
وقد أكد ظريف أن ترامب و منذ اليوم الأول الذي تولی السلطة وقبل ذلك بذل قصارى جهده لتدمير الاتفاق، وخلال كل هذا الوقت كانت الولايات المتحدة قد ارتكبت انتهاكاتٍ واسعة النطاق.
كما أوضح أن اللجنة المشتركة بشأن الاتفاق النووي عقدت اجتماعًا في ڤيينا على مستوى نواب وزراء الخارجية حیث أكدت إيران خلاله على ضرورة تنفيذ أميركا لتعهداتها بشکلٍ تام حول الاتفاق، ووقف الانتهاكات، كما شددت أنها قد أعدت نفسها لمختلف الظروف أثناء المفاوضات حول النووي.
مشيرًا إلى أنه ورد في الاتفاق النووي الخطوات التي ستتخذها إيران إذا لم تستفد من فوائد الاتفاق الاقتصادية.
وقد كان قبل هذا الأمر، دوّن ظريف تغريدةً عبر حسابه على منصّة تويتر، ذكر فيها، أن أمریکا لیست في وضعٍ یسمح لها بوضع شروط للاتفاق النووي. اعتاد السيد ترامب على ان يكون شخصا لايمكن التكهن به، وهو عديم الثقة لدى كل شخص يتفاوض معه. مُضيفًا أنه إذا كان توقيع أمريكا صالحًا لمدة 4 إلى 8 سنوات فقط، فلن يرغب أحد في ابرام أي اتفاق مع البيت الأبيض.
سنخرج إذا خرجوا
أعلن نائب وزیر الخارجیة للشؤون السیاسیة، عباس عراقجي، قائلًا أننا سنخرج من الاتفاق النووي في حال خروج أمریکا منه.
كما أکّد عراقجي أن أمریکا مُصِّرة علی الخروج من الاتفاق النووي، وجاء تغییر وزیر الخارجیة في نفس السیاق أو کان أحد أسبابه علی الأقل.
كما أضاف أن الأوروبیین یحاولون في ظل هذه الظروف إبقاء الأمریکیین في الاتفاق النووي، والزمن یحدد مدی نجاح بریطانیا وفرنسا وألمانیا فإنهم علی حافة الهاویة، وإذا ما تحرکوا نحو ترامب سیفقدون إيران.
ردّنا خطير وستندم
في شباط / فبراير الماضي، أطلق جواد ظريف تحذيرًا شديد اللهجة صوب بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، مفيدًا أن بلاده لن تصمت في حال المساس بمصالحها في إطار الاتفاق النووي الذي أبرمته مع المجتمع الدولي.
وقد أطلق هذه الكلمات خلال مؤتمر ميونيخ للأمن الشهر الماضي، مؤكدًا أن بلاده سترد إذا لم تضمن مصالحها في إطار الاتفاق، وهذا الرد سيكون خطيرًا إلى درجة أنهم سيندمون على ذلك، كانت الكلمات مُوجَّهة صوب الصديقين ترامب ونتنياهو.
في نفس الشهر، أكدت إيران عبر بهرام قاسمي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، أن الترسانة النووية الإسرائيلية هي “الخطر الأكبر” على السلام العالمي، وقد كانت هذه الكلمات على إثر تعهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بمنع إيران من تطوير سلاحٍ نوويّ؛ لأنه سيُهدد أمن إسرائيل ويشكل تحديًا له.
وأضاف قاسمي: “إن الحقيقة هي أن النظام الصهيوني يكرر هذه المزاعم الواهية، في وقتٍ لم يسبق له أن التزم أي قوانين أو ضوابط دولية، ويمتلك مئات الرؤوس في ترسانته النووية”.
جدير بالذكر أن نتنياهو حثّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن يتدخل لتعديل الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى، على إثر رغبة إيران في امتلاك سلاحٍ نوويّ.
وكانت نفس الرسالة مُوجّهة صوب روسيا، عندما طالب السفير الإسرائيلي لدى موسكو، غاري كورين ضرورة إدراج تغييرات على الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية لإنقاذه. والذي صرّح لوكالة إنترفاكس الروسية،- إن بلاده لا تعارض خطة العمل الشاملة المتعلقة بالملف النووي الإيراني، لكنها ترى أنه من الضروري تصحيح هذه الخطة من أجل إنقاذ ما سيصب -وفق تعبيره- في صالح الجميع بما في ذلك إسرائيل. وهو الأمر الذي ترفضه إيران بشدة.
كيف تضبط إيران معادلة الاتفاق النووي؟
تقف إيران موقفًا شديد الصلادة والممانعة أمام فكرة تعديل الاتفاق النووي غير آبهةٍ أو منتهبةٍ لكم الضغوطات والمؤثرات التي تُلقَى عليها، من قِبل العديد من معسكرات حُلفاء الولايات المتحدة الأميركية أو هي ذاتها.
وتضرب إيران سِياجًا دبلوماسيًّا صارمًا حول من تُسوّل له نفسه محادثتها في أمر الاتفاق النووي أو قضية تعديله التي ألزم ترامب بها حُلفاؤه والكونجرس منذ منتصف كانون الثاني / يناير الماضي ولمدة أربعة شهور وإلا فالانسحاب سيكون المآل الأخير والكلمة النهائية للولايات المتحدة بشأن هذا الاتفاق صعب المخاض.
إيران تعتمد على نبوءةٍ قابلةٍ للتحقق، ستضع أميركا في موقفٍ حرج، وهو ما صرّح به إسحاق جهانغيري، النائب الأول لرئيس الجمهورية، عن أن تخلي أميركا عن الاتفاق النووي سيصنع رسالةً لشعوب العالم والدول مفادها أنه لا يمكن التفاهم مع أميركا، أو الوثوق بالعهود والمواثيق معها.
كما أن إيران تُعضِّد ظهرها بالاتحاد الأوروبي الذي يقف بقوة للحيلولة دون إنفاذ ترامب لفكرة التعديل في الاتفاق أو الانسحاب الخاصة به، إيران نجحت في تأمين نفسها عبر إيجابية تقارير ثمان زيارات للوكالة الدولية للطاقة الذرية لمنشآنها النووية، كما حققت أيضًا نجاحًا كبيرًا في الالتزام بتعهدات وبنود الاتفاق، والاتحاد الأوروبي يقف في صف الجمهورية، كما أن الاتحاد الأوروبي لن يتخلى عن السُوق الاستثمارية الواسعة والفرص الاقتصادية الوفيرة التي فُتِّحت أمامه في طهران من أجل “خاطر ورضا” الولايات المتحدة الأميركية.
وهذه نتيجةٌ أُخرى إذ أن انسحاب الولايات المتحدة الأميركية سيُحدِث تصدُعًا ضخمًا في جدار العلاقات الأميركية الأُوروبية في عهد ترامب سيصعُب ترميمه نظرًا لحالاتٍ سابقة من الشقاق الأُوروبي الأميركي.
ما الذي ستجنيه أميركا حقًا من انسحابها من الاتفاق النووي من طرفٍ واحد؟، مع العلم أن هذا سيفتح الباب أمام إيران لكي تنكُث العهد برُمته ويجعل من الأنشطة البسيطة التي كانت تقُم بها في فترة الاتفاق تتحول إلى سيلٍ من الأفعال والتصرُفات والتي لن تستطيع أن تُحجمها أوروبا، كما أن هذا سيُعيد فتح ملف تصنيع سلاحٍ نوويٍّ إيرانيّ مجددًا وهذه المرة ستكُن الرغبة الإيرانية جامحة غير محسوبة المآلات مما سيُهدِّد المنطقة برُمتها والمُثقَلة بالصراعات والنزاعات وعدم الاستقرار السياسي أو العسكري.
هل تستمر إيران في مقاومتها الخطابية أم يحدث التحول عقب قرار ترامب المُزمَع في أيار / مايو المقبل؟. وكيف سيتصرف الحلف الأوروبي الصيني الروسي المعارض لقضية تعديل الاتفاق مع أميركا ترامب إذا عزمت على اتخاذ هذا السلوك وإقراره على غير هواهم؟.
هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.
المصادر