استعرضنا في الجزء الأول مطلع قضية دبابة الأبرامز، وكيف أصبحت معدة هامة في القوة النارية للجيش العراقي، وما هي مميزاتها وصفاتها. كما استعرضنا أيضًا كيف انتقلت المركبة الوحش إلى المليشيات الموالية لإيران والتي تحارب على أراضي العراق، وكيف نشأت أزمة دبلوماسية بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، على إثر إصرارٍ وضغطٍ هائلين على من قِبل الأخيرة على الأولى لاسترداد هذه الدبابات.
فما سِر هذا التوجُس غير البسيط بالمرة من قِبل الولايات المتحدة الأميركية من استخدام ميلشيات إيرانية لدباباتٍ أميركية؟ وما الإجراءات التي استخدمتها أميركيا للحيلولة دون تفاقُم الوضع؟.
إجراءاتٌ وقائية
على إثر هذا الحِراب، والرغبة الأميركية الجامحة المصحوبة بوتيرة إلحاحٍ غير عادي في استرداد ما تبقى من دبابات الأبرامز خاصتها، اتجهت الولايات المتحدة نحو تفعيل سياساتٍ إجرائية وقائية للحيلولة دون وقوع أو تفاقُم مثل هذه الأفعال مجددًا أو في هذا الوضع القائم.
- فقد سحبت الشركة الأميركية القائمة على صيانة الدبابات “أبرامز M1A1” العديد من موظفيها من العراق، عقب سُقوط الدبابات التسع في يد الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، هذا الوضع المأزوم تشتد حِدته أكثر، بعد أن أصبحت العديد من الدبابات العراقية مُتوقفة عن العمل بسبب الحاجة إلى الصيانة.
- يذكر تقرير مجلة “الفورين بوليسي” الأميركية، في الثاني من آذار / مارس 2018، أن وزارة الدفاع الأميركية توسطت عام 2012، في اتفاقيةٍ يقوم بموجبها عُمَّالٌ من شركة “چنرال ديناميكس لاند سيستمز”، في ولاية ميشيغان، التي تُصنِّع دبابات الأبرامز بالاعتناء بالدبابات العراقية، وإصلاح أضرار المعركة، وتدريب الميكانيكيين العراقيين على إصلاح الدبابات بأنفسهم. حتى أن الجيش الأميركي دفع لشركة جنرال ديناميكس 320 مليون دولار.
ولكن في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2017، غادر معظم المقاولين من شركة جنرال ديناميكس العراق فجأةً، وقال أحد المقاولين لمجلة فورين بوليسي الأميركية بشرط عدم ذكر اسمه، لأنَّه ليس مخولًا له التحدُث إلى وسائل الإعلام: “أُبلِغنا بأنَّ حكومة الولايات المتحدة أوقفت البرنامج حتى ذلك الوقت الذي نسترجع فيه العدد القليل من دبابات M1″، مضيفًا، أنَّ عشراتٍ من الدبابات العراقية من طراز “M1” ليست “جاهزة للمعركة” حاليًّا، مما يؤثر على القوة النارية للجيش العراقي. - صرّح المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية لمجلة فورين بوليسي، إنَّ “السلطات العراقية تُعد مُلزَمة، باعتبارها مُستفيدة من معدات الدفاع أميركية المنشأ، بالالتزام بمُتطلبات الاستخدام النهائي كما هو مُبين في الاتفاقات المُبرمة مع حكومة الولايات المتحدة”.
دبابتان تفسران توجُس أميركي وتهيؤ إيراني
نصل إلى غاية القصد من تقريرنا، قفي أواخر فبراير/شباط من هذا العام، قال متعهد شركة جنرال ديناميكس ما هو نصّه، إنَّ دبابتين فقط لا يزال مصيرهما مجهولًا. وذكر تقرير مجلة الفورين، أنَّ عودة 7 من الدبابات المفقودة الـ9 على ما يبدو لم يكن كافيًّا لإرضاء وزارة الخارجية الأميركية والبنتاغون.
وأضاف المتعهد، إنَّه في ديسمبر/كانون الأول، زاد الضغط الأميركي على العراقيين، إلا أنَّ العراقيين كانوا يعتقدون أنَّ الأميركيين كانوا يخدعونهم. وقال: “تحدثنا عدة مراتٍ أسبوعيًّا مع الجيش العراقي ووزارة الدفاع العراقية، ولم يصدِّقوا أنَّنا سنغادر حتى الأيام العشرة الأخيرة بشكلٍ أساسيّ”.
لاستخلاص أهم الاستنباطات من هذا الاشتباك الدبلوماسي بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، نعلم أن ليس للعراق نصيبٌ من الحول أو القوة في هذا المعترك بالمرة، فهي ليست لديها من القوة بمكان ما يُخوِّل لها أو يُنيطها أن أن تصوغ أي فعل، أو ترفض هذا الإلحاح الأميركي الذي لا يتوقف بحثًا عن دباباتيّه على الأراضي العراقية، وفي الوقت ذاته فهي لا تملك الجرأة اللازمة لئن تستعيدهما من أيادي المليشيات الإيرانية الشيعية أو تطالب بهما حتى، وهي التي دفعت بزهرة أبنائها وخِيرة شبابها لآتون معركةٍ لا تخُصهم، وليس لهم بها صِلةً بالمرة، ولكنهم قد لبّوا آذان المرشد في إيران تحت إطار الحرب المُقدسة لحماية العتبات المقدسة الكائنة في العراق -أو هكذا الادعاء- وقد قُتِّل منهم الآلاف، فكيف للحكومة العراقية أن تطلب هذا الطلب الآن منهم؟!.
إذًا سنستطيع أن نُخرِج العراق من هذه المعادلة، وبالتالي سنجد إيران مُنخرطةً بقُوة في المعادلة رُغم عدم وجود أو خروج تصريح رسمي واحد من إيران بصدد هذه القضية.
لماذا؟
التوجُس الأميركي هذا معمولٌ به، وقد يقع في نطاقه الصحيح من الخوف والحذر، ليس لأن المليشيات الشيعية التابعة لإيران سيطرت بصورةٍ تامةٍ على الدبابتين، وقبلها الدبابات التِسع، وقبلها الدبابات بصورةٍ كاملةٍ لأنهم هم من كانوا ويقتادونها ويستخدمونها في حرب تنظيم الدولة الإسلامية.
ولكن لأنه قد يتم نقل تقنية الدبابات الأبرامز، أو بعض تقنياتها إلى داخل الجمهورية الإيرانية، وهذا ما قد يُصادف أو يُلاقِي قُدرة إمكانية حربية في إيران على تصنيعها، واستنطبتنا هذا الأمر من حادثة واقعة طائرة الدرون الإيرانية، التي جالت في أجواء الجولان وأسقطها سلاح الجو الإسرائيلي، الشهر الماضي، وقال حينها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي جوناثان كونريكوس، لشبكة CNN أن هذه الطائرة تُعد نسخة أو نموذج مُحاكاة من طائرة أُخرى أمريكية تُدعى باسم “Sentinel” أو “الحارس”، منوهًا أن إيران اعترضت طائرة “RQ-170 Sentinel”، في نهاية عام 2011، وقامت على إثر ذلك عقبها بمدة عامين بتصنيع طائرةٍ مشابهةٍ لها.
والولايات المتحدة حينذاك كانت تعلم أن الطائرة لم تستطع تدمير نفسها، إذن فهذا يُوصِلنا إلى أن إيران تمتلك قُدرة صناعة عسكرية لا تتوقف عند حد الصواريخ فقط، بل تتعدى ذلك، فكما حدث مع طائرة الدرون من الممكن أن يتكرر مع الأبرامز رغم صُعوبة أو استحالة تشييدها وصناعتها على من دون أميركا.
نستخلص شيئًا آخر، فهذه الدبابات قد تُعَد سيفًا مُصلَّتًا على رِقاب الأكراد، مشروع الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، فإيران تحارب وبكل ما لديها من قُوة مشروع الولايات المتحدة وهو تكوين نواةٍ للأكراد تُمثِّل غُصةً في حلقوم كافة دول المنطقة، تركيا وسُورية وإيران والعراق؛ كمحاولةٍ منها على تحقيق أو صناعة توازن ترتضيه تُحقِّق به العديد من الأهداف لصالحها.
وقد تطور عدم قبول إيران بتكوين نواةٍ لدولةٍ تُقاَم للأكراد في المنطقة، إلى قتالٍ عسكري، استُخدمت فيه تقنيات عسكرية حربية رُوسية وأميركية من قِبل القوات التابعة لإيران في المنطقة، والمُحارِبة لتنظيمات الأكراد ومليشياتهم لثنيهم عن أو تبديد لديهم فكرة إقامة الدولة.
هذه التقنيات حازوها عبر الدعم الروسي والأميركي، الموجّه للقوات السُورية والعراقية على الترتيب في حربهم على المعارضة والفصائل والتنظيمات الجهادية المتواجدة في البلدين، وبحُكم انخراط المليشيات الإيرانية في القتال برفقة الجيشين السُوري والعراقي ضد مناوئيهما، فقد تدربت على هذه المعدات والتقنيات واستطاعت أن تحوزها وتتملكها، وأن يكون لديها دُربة في التعامل معها رُغم تقدمها الفائق.
لدى الولايات المتحدة الأميركية قُدرةً على تدمير هذه الدبابات، وهذا ما حدث بالفعل، عندما وجّهت ضرباتٍ جوية متتابعة نحو صنيعة يديها، عندما وصلت إليها المعلومات التي تُفيِد أن دباباتها التي أمدت بها الجيش العراقي أصبحت في يد الإيرانيين ومن والاهم، ولكن هذا ليس هو الحل الذي من الممكن الاعتماد عليه من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية تِجاه صناعتها التسليحية عندما يتعلق الأمر بإيران.
سيُصبِح على أميركا انتهاج العديد من الأفعال وتسخير العديد من المناهج، والتي تتداخل بصُورةٍ معقَّدة لحلحلة هذا التوغل الإيراني، الذي أصبح يستخدم تقنيات عسكرية أميركية في حربهم على أيادي أميركا في المنطقة، وأميركا التي لا ترتضي هذا زاد شططها وغضبها من استخدام معداتها في أيادي ألدّ أعدائها.
فهل ستعود الدبابتان إلى الأراضي الأميركية، أم سيتوجهان لمستودعات السلاح في إيران؛ ليُعاَد إنتاج أجيالٍ جديدةٍ منها تُزِد من الفوة النارية البرية لإيران؟.
هذا ما سيُكشَف عنه في الأيام والشُهور القادمة.
المصادر