حقلٌ جديد يشهد صراعًا لم يشتعل بعد، ولكنه جديد من نوعه، ونيرانه تسير أسفل أراضي العراق، والتي هي شريكٌ أساسيّ أو طرفٌ من اثنين تشهد علاقاته مع الطرف الآخر، الولايات المتحدة الأمريكية، تشاحنات دبلوماسية وربما قد تفضِي إلى أزمة دبلوماسية بين الشريكين منذ قتال تنظيم الدولة الإسلامية على الأراضي العراقية، وحتى قبل ذلك.
الدبابة الوحش
هناك في العراق منطلق الحدث، وتحديدًا عام 2008، عندما اشترت الحكومة العراقية 140 دبابة أمريكية الصنع من طراز “M1A1 أبرامز”، بتكلفة تقدّر بـــ 2 مليار دولار، وكان الشراء بهدف إعادة بناء القوة التسليحية النارية للقوات المسلحة العراقية عقب التدمير الواسع الذي اجتاح معدات وعتاد الجيش العراقي عقب غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق عام 2003.
تعتبر دبابة الأبرامز الأمريكية واحدة من أقوى المركبات الحربية على الإطلاق على مستوى العالم، ويشير موقع “The Daily Beast” الأمريكي أن هذه المركبة تملأ مستودعات الجيش، وقوات المشاة البحرية الأمريكية، بالإضاف إلى أنها تعد دعامة وأسس القوة المركبية للجيوش الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية.
حتى أن ستيف وارن، العقيد في الجيش الأميركي والمتحدث باسم التحالف في بغداد، في أبريل/ نيسان 2016، احتفل بطاقم دبابة M1، ولقِّبت باسم “الوحـــــش”، ويذكر أن أبرز معاركها الأكثر ضراوة كانت في مدينة هيت العراقية، كما أفاد تقرير مجلة “الفورين بوليســي” الأميركية.
لدى دبابة الأبرامز M1A1 العديد من المميزات التي جعلتها على رأس دبابات العالم، مثل:
- مزوّدة بمدفع 120 ملليمترًا، ودروع ثقيلة.
- محرك توربيني بقوة 1500 حصان، وقوة دفع لتسير 40 ميلًا، بما يعادل 64 كم في الساعة.
- تزن قرابة من 63 إلى 70 طنًّا.
- من الممكن أن يتم تزويدها بدروع يورانيوم منضّبة، ونظم حماية ديناميكية.
- تحمل الدبابة 4 أشخاص، القائد والسائق والمعبِّئ والمدفعي.
- تحمل 40 قذيفة من عيار 120 مم، وعشرة آلاف طلقة من عيار 7.62 مم، و1400 طلقة من عيار 12.7 مم لرشاش المعمر، و1000 من عيار 0.5 بوصة لرشاش القائد، و8 قنابل يدوية، 24 قنبلة دخان،و 96 طلقة من عيار 9 مم، و220 طلقة من عيار 7.62 مم لبندقية الخدمة.
- الدبابة مزودة بجهاز لإطفاء الحريق، يعمل بغاز الهالون، والنيتروچين المضغوط.
- متوسط سعر الدبابة في العام ما يوازي 4.3 مليون دولار، مع الاختلاف في الأسعار بينها.
- إنها دبابة فتاكة حقًّا، وقد استخدِمت في خِضم حرب العراق بمعاونة الولايات المتحدة الأمريكية ومشورتها، ضد تنظيم الدولة الإسلامية منذ عام 2014.
ولكن ما حدث كان أمرٌ شديد السوء،فقد دمّر وأعطب واستولى التنظيم على العشرات من الدبابات. وقال المتحدِّث الرسمي باسم التحالف حينذاك، إن التنظيم استخدم أعداد من دبابات الأبرامز M1A1 التي استولى عليها عدة أشهر؛ في حربه وقتاله ضد التحالف.
اللحظة الفارقة
أفاد تقرير موقع “The DailyBeast” الأميركي، أنه قد نشِر مقطع وسائطي “ڤيديـو” على شبكة الإنترنت، في يناير / كانون الثاني، من عام 2015، يعرض دبابة أبرامز M1A1 ترفع علم كتائب حزب الله، المصنّفة من قِبل الولايات المتحدة بأنها جماعة إرهابية، والتي كانت تقاتل برفقة الجيش العراقي آنذاك. وفي مقطع جديد، نشِر في فبراير/شباط، من عام 2016، ظهرت الدبابة الأبرامز مجددًا وهي تحمل علم كتائب سيد الشهداء، التابعة لميليشيات قوات الحشد الشعبي.
وفي مطلع شهر فبراير/ شباط 2018، أقرت واشنطن بأن هناك ميليشيات موالية للجمهورية الإيرانية في العراق استحوذت على الأقل، ما حدّه 9 دبابات أميركية الصنع، من طراز الأبرامز M1A1 ، في أوائل عام 2015.
الحدث الأبرز، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، كان عندما استخدمت القوات الشيعية المدعومة من قِبل الحكومات العراقية دبابة من طراز M-1 ضد قوات البيشمركة الكردية إبان المناوشات العسكرية التي جرت بمدينة كركوك العراقية، وهي الأحداث التي وئِد عبرها حلم أكراد كردستان في الاستقلال.
ولكن وجّهت قوات البيشمركة صاروخًا مضادًا للطائرات صناعة ألمانية أو صينية نحو الدبابة فأعطبت بصورة شبه تامة، حتى أن حكومة إقليم كردستان نشرت صورًا للدبابة المدمرة كدليل على استخدام قوات الحشد الشعبي الشيعي دبابات من طراز M-1، ولكن يشير الموقع أن الدبابة المعطّلة قد اختفت من ساحة المعركة أو بصورة أكثر صدقًا تم إخفائها يشكل عمدي، حتى أن القائد الكردي حمّل الحكومة العراقية مسؤولية تحريك الدبابة؛ بهدف إخفاء حقيقة استخدام دبابات أبرامز ضد قوات البيشمركة.
وعلى ظلال هذا الحادث، وغيرها من الأحداث المتصاعدة في سوريا، أصبح الأكراد من أقرب الحلفاء لواشنطن بالمنطقة، وفي الوقت ذاته أصبحوا أهم خصوم إيران، كمت أفاد تقرير الموقع.
وقد صرّحت وزارتا الدفاع (البنتاغون) والخارجية الأميركيتان، بمحاولاتهما لاسترداد تلك الدبابات. ولكن ما كانت تتوجسه أمريكا أو تستحسه من بعيد قد وقع فعليًّا، فقد قامت هذه الميليشيات باستخدام دبابات الأبرامز، ووجهت فوهاتها صوب حلفاء الولايات المتحدة الأميركية من الأكراد الذين تنتثر تنظيماتهم ومليشياتهم على الأراضي العراقية والسورية أيضًا، والذين تمدهم أميركا بمختلف فئات الدعم وصنوفه، كما أشرنا في الأمثلة السالفة.
وقد صرّح المتحدِّث الرسمي باسم قوات التحالف، لموقع “The DailyBeast” الأميركي، قائلًا: “نحن ندرك أن جميع العتاد الدفاعي الذي تقدِّمه أميركا، لا يخضع لسيطرة الجهة المقصودة بالتسلّم؛ لذا تواصل أميركا العمل مع الحكومة العراقية للتصرّف بأسرع وقت ممكن؛ لضمان وجود جميع العتاد الدفاعي في حيازة المتسلّم المقصود”.
وأضاف قائلًا: “لا تمثِّل الدبابات المستوردة التي استولت عليها قوات الحشد الشعبي من تنظيم الدولة الإسلامية سوى بعض دبابات M-1، التي بلغ عددها 9 دبابات، عندما ظهرت في مستودع الميليشيات. ويبدو أن الجيش العراقي قد منح الدبابات مباشرةً لقوات التحالف الشعبي، مما يعد انتهاكًا للعقد الأصلي الخاص بالدبابات”.
ولكن المتحدث أفاد أن الجيش العراقي قد استردّ العديد من الدبابات.
#نلتقي في الجزء القادم حول الإجراءات الوقائية التي انتهجتها الولايات المتحدة الأميركية للحيلولة دون حدوث هذا الأمر مجددًا، ووضع رؤية تحليلية للإلحاح الأميركي على العراق لتسليم الدبابتين المتبقيتين.