قررنا تسليط أكبر ضوءٍ ممكن على إسقاط الطائرة المقاتلة الإسرائيلية F16 في الأراضي السُورية، وأحداث السبت حيث هجمات الطيران الإسرائيلي الأوسع والأكثر فوةً وتأثيرًا منذ عام 1982.
وكون إيران عاملًا هامًا ورقمًا شديد الأهمية في معادلة الأرض الواقعة في الوقت الآنيّ، بعد ادعاء إسرائيل أن طائرة الدرون المُسيَّرة التي اخترقت أجواءها كانت إيرانية انطلقت من سُوريا.
إنها أبواب مُغلّقة ولكنها تخبئ ورائها كثير من النار التي تتسرب ظِلالها على الموقف برُمتهِ.
نعرض في التقرير الأول من ظِلال النار، هذه الحرب الملتهبة في التصريحات والخطابات بين العدودين اللدودين، وعن ماهيّة التقارع والاحتداد الدبلوماسي شديد الوطأة بينهما.
إسرائيل كرٌّ وفر
صرّح نتنياهو في سلسلة تغريداتٍ له على حسابه على منصّة تويتر، تعليقًا على الهجوم الجوي الإسرائيلي المُوسَّع على أهدافٍ إيرانية وسُورية، أن سياسة إسرائيل بيّنة وجلية بصورةٍ تامة، وأن إيران عندما سيرّت طائرتها الدرون إلى أراضيها كما تدعيّ؛ فهي بذلك قد خرقت السيادة الإسرائيلية. وإسرائيل ستدافع عن نفسها من أي اعتداء ومن أي محاولة للمسّ بسيادتها.
وأضاف أن سلاح الجو الإسرائيلي أسقط الطائرة، وضرب مركز السيطرة والتحكم الذي أطلقها، وأشبعت إسرائيل رغبتها عبر ضرب أهدافٍ إيرانية وسورية عملت ضد إسرائيل. وقد أشار نتنياهو أنه من حق إسرائيل وواجبها أن تمارس مثل تلك الأفعال وفق الحاجة.
نتنياهو لم يكُن ليترك حديثه كله هذا دون ذِكر إيران، حيث قال: “سنواصل الدفاع عن أنفسنا بكل حزٍم، وإصرار إزاء أي اعتداء علينا، وإزاء أي محاولة إيرانية للتموضع عسكريًا في سوريا، أو في أي مكان آخر”.
ولكن إسرائيل عادت إلى قواعدها الدبلوماسية سالمةً وبسُرعةٍ شديدة، وتنصلت من فِعالها، وبدلت الوجه، خشيةً من غضبةٍ روسية، عبر اتصالات أجراها نتنياهو عقب التصعيد، والذي تحدث مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وأكد له أن لدى إسرائيل حق وواجب بالدفاع عن نفسها من اعتداءاتٍ تُشَّن عليها من الأراضي السورية.
حتى أنها عقب هذه الهجمات الإيلامية واسعة النطاق والتي وصفتها نفسها بأنها قاسية، خرج جيشها بكل أريحيةٍ ليُعلِن أنه لا يبتغي التصعيد مع سُورية، وطلبت الحكومة الإسرائيلية من الولايات المتحدة، وروسيا التدخل السريع لوقف تدهور الأوضاع شمال فلسطين المحتلة.
ولم تنس إسرائيل أن تستجدي الرد الأمريكي المُعلَّب، والذي ما يخرج دومًا في مثل هذ التوقيتات، وقد ردت الخارجية الأمريكية بأن الولايات المتحدة تُدعِم وبقوة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأنها قلقة للغاية من تصاعُد العنف على حدود إسرائيل. والبيت الأبيض أيضًا أكد على نفس رسالة خارجيته، بالإضافة إلى أنها أزادت حين قالت أن لا بُد أن تُوقِف إيران وحلفاءها الأعمال الاستفزازية والعمل من أجل السلام.
رُغم أن قائد الجبهة الشمالية بالجيش الإسرائيلي شنّ تصريحًا في نفس يوم القصف مفاده أنه لن نسمح لإيران بإنشاء قاعدةٍ أمامية في سُوريا.
وزير الإسكان الإسرائيلي، يواف غالانت، صرّح للإذاعة الإسرائيلية، أنه يجب تفكيك مثلث الشر إيران، وسُورية، وحزب الله في لُبنان، وأنه يجب إعادة إيران كيلو متر شرقًا حيث المكان الذي تنتمي إليه.
وقال الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن يد الإرهاب الإيرانية تسعى لزعزعة أمن المنطقة، وأن إيران تسعى وراء إثبات سيطرتها بصُورةٍ كاملة على القرار السُوري.
إيران نفيٌ ومسيرٌ على درب الحرب
العميد حسين سلامي، نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، نفى ما ذكره الجيش الإسرائيلي حول إسقاط طائرة إيرانية مُسيَّرة دخلت الأجواء الإسرائيلية. مضيفًا عبر تصريحاتٍ نشرتها وكالة “تسنيم” الإيرانية، أن إيران لا تؤكد أي خبر مصدره الكيان الصهيوني، وأنه لا تواجُد عسكري إيرانيّ في سوريا، إنما هو تواجد استشاري لمساندة الجيش السوري في الدفاع عن أراضيه.
لكن إيران لم تكتفِ بهذا، ولن تكتفي، فهذه الفُرصة لا تأتي كل يوم، ولا تكُن مواتية في كُل حين. فقد أطلقت إيران حرب تصريحات سلّطتها على إسرائيل.
سلامي في حديثه لوكالة تسنيم قال: ” قادرون على فتح أبواب جهنم على إسرائيل إذا ما أردنا ذلك”.
وقد قال مسؤول أمني إيراني في تصريحاتٍ لقناة الجزيرة: “إن محور المقاومة لن يسمح لإسرائيل بعد الآن بمواصلة اعتداءاتها دون رد”.
أيضًا تصريحات علي أكبر ولايتي، الذي لا يغيب أكثر من 24 ساعة عن الساحة الإيرانية إلا وقد أطلق تصريحً، وهذا بصفتهِ مستشار الشؤون الخارجية للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، الذي أكد أن إيران ستُبقي على تواجدها بسوريا دون قبول شروط في ذلك الصدد، محذرًا من أن أي اعتداء إسرائيلي على سوريا لن يمر دون رد.
وأضاف: “نحن لا نقبل الشروط الخارجية كموضوع قوتنا الدفاعية أو تواجدنا في المنطقة”. وتابع أن إسقاط سوريا الطائرة الإسرائيلية يعتبر منعطفًا في الصراع مع إسرائيل، محذرًا إياها، وأن عليها أن تعِّي أن أي اعتداء على سوريا سيواجه بالرد، فهذا حق لسوريا.
كما أنه في اليوم التالي لهجمات السبت، كانت الاحتفالات تُقاَم في إيران بمناسبة الذكرى الـــ39 للثورة الإيرانية الإسلامية، وقف حسن روحاني مهاجمًا اولايات المتحدة وأنها أرادت التآمر على فلسطين والقدس، إلاّ أنّ العالم وقف ضد ذلك. مضيفًا أن إيران تريد الاستقرار والثبات في إيران والمنطقة، وأنها شهدت فشل وهزيمة الولايات المتحدة خلال الأعوام الماضية.
افتخر روحاني بالانتصارات التي تمت على الإرهاب في كُلٍ من سوريا والعراق، مشيرًا إلى أنّ المتآمرين كانوا يريدون تقسيم بعض البلدان، في منطقتنا، وأنهم كانوا يريدون زعزعة استقرار لبنان وتحويله إلى ساحةٍ للحرب.
كما أن الجيش الإيراني استعرض واحدًا من صواريخه الباليستية الجديدة والذي يُسمَّى “قدر”، وهو نسخة مُطوَّرة من صاروخ شهاب 3، وهو صاروخ متوسط المدى، ويصل مداه لـــ2000 كيلو متر، ويعمل بالوقود السائل والصلب في المرحلتين الأولى والثانية على الترتيب. وهذه كانت رسالة ضمنية شديدة اللهجة لإسرائيل واستعراض قُوى وقتي للرد على فِعل إسرائيل في سُوريا.
نتنياهو يُصِرّ على تحجيم المد الإيراني الذي بدا له وكأنه يُطوِّق دولته المزعومة، وأصبح يتهدده من كافة اتجاهاته، وهذا ما عبّر عنه نتنياهو قائلًا: “سنواصل استهداف كل من يحاول ضربنا، وقد حددنا ووضعنا خطوطًا حمراء سنتصرف وفقًا لها في مواجهة أي محاولة للإضرار بالسيادة الإسرائيلية”.
كما أن إسرائيل ترى أن إيران قد تمددت أكثر من اللازم، وهذا سيُهددها شخصيًا ويهدد استقرارها وسلامتها. لا سيما وأن إيران لا تنفك عن مهاجمة إسرائيل بوصفها كيان مُستعمِر ومُغتصِب، وهم يعتاشون على هذا الخطاب في مناسباتهم واجتماعاتهم واحتفالاتهم،ويُغذونه بالكثير من السرديات والروايات والمُسلمات، ويُطعمونه للشباب الإيراني ويدفعون بهم إلى كافة الجبهات المحيطة لإسرائيل وهذا ما يُقلِقهم بقُوة، لاسيما وأن لدى إسرائيل إيمام جازم بأن حماس وكتائب القسام تتلقى تدعيمًا لوجستيًا وعسكريًا وماديًّا من إيران.
وهي ترغب في توجيه ضرباتٍ مميتة لهذا الصُداع بالأخص، ولكنها تعلم أن إيران هي من تمد هذه التنظيمات والمنظمات التي تقُض مضجع إسرائيل.
وبالنسبة لهذه المواجهات الفعلية القائمة على الميدان، فحرب التصريحات هي طبيعةٌ لازمة لهذا الحِراب، والاصطدام بين إيران وإسرائيل لاسيما أنه قد واتتهما الفرصة التي تساعدهما على إبراز ذلك بصُورةٍ أوضح، وهذه الحرب تقوم على البيان ونظم الكلمات أكثر منها على حقيقة ما يحدث في الميدان.