السياسيّ المُحنَك ذو الواحد والستين عامًا، بات عليه أن يدفع ثمن جرأته غير المعهودة. ثمنًا سيُكلِّفه تاريخه السياسي، وفكره المحافظي، ودوائر نُفُوذه، وعلاقاته بالتيار المحافِظ.
من هو أحمدي نجاد؟
اعتمادًا على ملف السيرة الذاتية لأجمدي نجاد على موقع الجزيرة نت، فنجاد هو محمود أحمدي نجاد، الذي وُلِد ليوم 28 أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1956، في قرية أردان، الواقعة على بعد 90 كلم من العاصمة طهران، وكان ترتيبه الرابع من بين سبعة أطفال لأسرةٍ متواضعة ميسورة الحال.
وقد عمل والده مدرسًا للقرآن، وحِرفيًّا في عدة مهن، أبرزها البقالة، والحلاقة، قبل أن يمتهن الحدادة، وانتقلت أسرته في سنوات عمره الأولى إلى مدينة طهران.
وقد تلقى دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في العاصمة طهران، ليلتحق عقبها بجامعة العلوم والتقنيات، والتي تلقى فيها دراسة الهندسة المدنية، وحصل منها على ماجستير في العلوم، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الهندسة المدنية والتخطيط في مجال النقل.
تلى حُصُوله على الماچستير عمله كمُحاضِر بالجامعة، ثم أصبح أستاذًا بعد حصوله على درجة الدكتوراه.
انخرط في العمل السياسي عبر الرابطة الإسلامية للطلبة بالجامعة، كما كان أحد مؤسسيها، ولم يكن ذا صيتٍ أو ذُيوع في الأوساط العامة قبل أن يصبح رئيسًا لبلدية طهران، في مايو/ أيار 2003.
المحافظ المتشدد الذي انتمى للخُميني منذ صفره عبر قراءاته، شارك في الحرب العراقية الإيرانية متطوعًا في مجال الهندسة القتالية حتى نهايتها عام 1988.
وتولى عدة مهام، من أبرزها، ضابط في حرس الثورة “الباسدران”، وحاكم لمدينة ماكو، ثم حاكم لمدينة خوي، ورئيس لبلدية طهران، وعمل كمدير لصحيفة همشهري.
وقد عُرِف عن نجاد أنه ضالع في قضية وحادثة احتجاز الرهائن بالسفارة الأمريكية في طهران، عام 1979، لكنها كانت اتهامات غير مدعمةٍ بالأدلة.
عام 2005، تحول حاكم البلدية إلى حاكم الجمهورية، عقب ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية، مستفيدًا من القاعدة الجماهيرية والانتخابية من الطبقات الفقيرة المتدينة التي استطاع بناءها خلال رئاسته لبلدية طهران.
وقد تمكن من الفوز أمام صنديدين من صناديد السياسة، عام 2005، أمام هاشمي رفسنجاني. ثم عام 2009، لفترةٍ رئاسيةٍ ثانية، أمام منافسه الإصلاحي، مير حسين موسوي.
هذا الفوز الأخير فجّر قُنبلة مظاهرات الحركةالخضراء، التي اندلعت عام 2009،على إثر اتهامات التزوير التي سادت الانتخابات، وقد قِمعت هذه التظاهرات الضخمة والتي قادها مهدي كروبي، وحسين موسوي، بصُورةٍ لا ينتابها رحمة من قِبل قوات الحرس الثوري، وقوات الباسيچ.
اتسمت فترتا رئاسته بتوتر العلاقات بين الغرب وطهران، على خلفية البرنامج النووي الإيراني، ومواقف نجاد المتشددة والمتناقضة مع السياسات الغربية، ولم تشهد العلاقات الإيرانية الأميركية المقطوعة منذ 1979 أي تطور في عهده، فضلًا عن أنها قد ازدادت سوءً.
كان نجاد متصلبًا بشدة، وكان ذا رؤىً تتميز بالبراجماتية الشديدة، وهذا ما أوقعه مرارًا وتكرارًا في خلافاتٍ وصراعاتٍ شبه دائمة م الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، بل والعالم العربي نفسه.
وعقب خروجه من قصر الرئاسة، عُيِّن نجاد بعد فترةٍ قصيرة عضوًا في مجلس تشخيص مصلحة النظام، الذي يُعد أعلى هيئة للتحكيم السياسي في إيران.
سنمار إيران
عرضنا في تقريرٍ سابق -يمكنكم الاطلاع عليه من هُنا-، قضية اعتقال أحمدي نجاد، وتأثير هذا على بُنية تيار المحافظين في الجمهورية ذات السمت الإسلامي.
أُثيِرت أثناء هبة التظاهرات الإيرانية الصادمة مؤخرًا، الكثير من الأحاديث حول دعم قطاعات من المحافظين أنفسهم لهذه التظاهرات، في محاولاتٍ مستميتة لإفقاد الإصلاحيين قُدرتهم على الإمساك بزمام الأمور في البلاد، وسحب البساط من أسفلهم، وزعزعة الاستقرار، وقلب طاولة التظاهرات فوق رؤوسهم.
وهم بالبع لم يكونوا على علمٍ أن التظاهرات ستتخذ توسعًا أُفقيًا وامتدادًا رأسيًا، في أعداد المشاركين وحجم المطالب على الترتيب، حتى وصلت لثوابت هوية النظام الثورية، والهتاف ضده والمطالبة برحيله.
نجاد كان من هؤلاء، فقد أطلق نجاد العديد من الغارات على النظام حتى قُبيل التظاهرات، وقد بدا أن نجاد كان حانقًا ومضجرًا بشدة من نجاح روحاني مجددًا في رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى الهدوء النسبي والممالئة التي أبداها المرشد مع روحاني، وعدم تحبيذه الدخول معه في صراع قد يؤذن بتصدُع الجبهة الداخلية.
ففي أواخر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، هاجم نجاد السلطة القضائية، وطبيعة النظام القضائي في بلاده، ورأس هذا النظام وهو صادق لاريجاني. واحتد في الحديث عنه وعن فساده، ووصف النظام القضائي في البلاد بالديكتاتورية، ورمى الجهاز القضائي بعدم الكفاءة،والانحراف، والفشل في حلحلة معضلات وقضايا الجماهير، وأن هذا الفشل نابع من لاريجاني نفسه.
وخاطب نجاد المرشد علي خامنئي نفسه، ذاكرًا أن: “الاستياء العام من أوضاع البلاد وجهاز السلطة القضائية وصل إلى حالةٍ غير مسبوقة، وصراخ المواطنين نتيجة الظلم وصل إلى السماء”.
هاجم نجاد روحاني هو الآخر، واصفًا إياه بأنه “يسير في طريق المواجهة مع النظام”. وفي معرضٍ آخر قال نجاد لروحاني: ” إن الشعب الذي أوصلك وانتخبك لولايةٍ ثانية سوف يُسقطك”.
وفي يوم السادس من كانون الثاني / يناير لهذا العام، قامت قوات الأمن الإيرانية بإلقاء القبض على أحمدي نجاد، عقب تصريحاتٍ أطلقها؛ وُصّفت بأنها محرضة وداعية إلى انخراط الإيرانيين في التظاهرات عندما قال: “بعض المسؤولين الحاليين يعيشون بعيدًا عن مشاكل الشعب وهمومه، ولا يعرفون شيئًا عن واقع المجتمع، وأن ما تعانيه إيران اليوم هو سوء الإدارة وليس قلة الموارد الاقتصادية”. مضيفًا أن: “فريق حكومة حسن روحاني يرون أنفسهم أنهم يملكون الأرض، وأن الشعب عبارة عن مجتمع جاهل لا يعرف، والشعب ساخط على هذه الحكومة؛ بسبب احتكارها للثروة العامة”. وتابع قائلًا: “روحاني وفريقه الحكومي يعتبرون أنفسهم أنهم معيار للحق، ولا يقبلون بأي نقد أو اعتراض يوجه لأداء حكومته”.
هذه العبارات كانت اعتراضًا على سياسات روحاني وحكومته، ولكنها غي الوقت ذاته كانت إيذانًا لدس المسامير في نعش نجاد، وموته سياسيًّا، وقد آتي أمر الاعتقال عبر أمرٍ مباشر من علي خامنئي، مرشد الثورة الإيراني، وأبو المحافظين في البلاد.
كما أن المكتب الإعلامي لخامنئي أصدر تصريحًا مفاده أن المرشد الإيراني قال: “الذين كانوا يتولون سلطة البلاد، وكل الإمكانات كانت بيدهم بالأمس، يجب ألا يتحدثوا ضد البلاد، بل العكس عليهم الرد على الادعاءات التي تُطلَق بحقهم مع تحمُل المسؤولية”.
بالإضافة إلى أن المرشد الإيراني ذاته، كان قد وصف نجاد، في الـ28 من ديسمبر الشهر الماضي، بـ”المعارض”، دون ذكر اسمه على وجه التحديد.
السقوط من ربوة القصر
كل هذا وأكثر كان نجاد يتلفظ به، ويُصرِّح به في أواسط الجماهير المُشتَّطة من الوضع العام للجمهورية، وكان نجاد يسكب لترات من البنزين على بقع الزيت آملًا في الحصول على نار، وقد حدث، ولكن النيران لفحت وجهه هو الآخر، وقدد كان نجاد أكثر الناس تأذيًا، وأكثر الأطراف خسارةً في معركة التظاهرات الأخيرة.
التظاهرات قُمِعت، وفقدت زخمها، ولم تترك إلا خيبة ثقيلة ألق بنفسها على الذين راهنوا على نجاحها في تحقيق وضعٍ سياسيٍّ جديد يطيح بالإصلاحيين، ويُعيِد المحافظيم للحكم مرةً أُخرى.
نجاد لم يتعلم درس شهر تشرين الأول / أكتوبر، عندما طوّقت عناصر الأمن والاستخبارات الإيرانية منزله في منطقة “72 نامرك”، شمالي شرقي طهران، إيذانًا باعتقاله -كما روجت مواقع إيرانية مثل “دولت بهار” المحسوب على أحمدي نجاد، و”آمد نيوز” المحسوب على الإصلاحيين- على إثر قضايا فساد كما رُوِّج آنذاك، ولكن هذا لم يكن السبب الرئيس من للتفكير في عملية اعتقاله، ولكن الهجوم المتتالي الذي شنّه نجاد على لاريجاني، وعلى السلطة القضائية، وكذلك عدم إنصات نجاد لخامنئي عندما أبلغه بألا يترشح للانتخابات الرئاسية، التي جرت في أيار / مايو 2017.
فماذا حدث الآن؟
يبدو أن نجاد استجمع كافة ذرات جُرأته، وأعلن التحدي، بألا يعِّيّ الدرس، وهاجم وناطح بقوة ولم يضع في حُسبانه أنه كان رئيس سابق للجمهورية، وأنه كان محسوب على تيار المحافظين، أي أن عقابه سيشتد وسيصبح أليمًا، وأن النظام لا يُبالِي بمن عارضوه وهو معلوم لديهم أنهم من فئة المعارضة، ولكنه لا يُسامِح قط ولا يمالئ لمن كانوا يُحسَبون عليه يومًا، وينضمون لفئة المعارضين، ونجاد كان من هؤلاء.
رضوان عقيل في تقريره على جريدة النهار اللبنانية، يصف الآن وضع نجاد، وكيف أصبح حاله.
فعقب وضع السلطات نجاد على لائحة المتهمين في الداخل، عقب تردي العلاقات بينه وبين المرشد على إثر استبعاده من مضمار الرئاسة كما أسلفنا.
“فنجاد الآن وُضِع قيد الإقامة الجبرية”
وأنه أصبح تحت مراقبة متواصلة شأنه شأن السياسيين المعارضين لسياسات النظام.
وأضاف رضوان في تقريره، أن دبلوماسي يخدم في طهران يعتقد أن علاقة المرشد، بالرئيس الأسبق محمد خاتمي، كانت أفضل بدرجاتٍ مما انتهت إليه الأمور بين خامنئي ونجاد، الذي يحظى بشعبيةٍ لا بأس بها، ولاسيما في المناطق الريفية والفقيرة، لكنه غير قادر لا هو، ولا سواه على قلب الطاولة.
أمرٌ ما كان من المُتخيَل توقعه بالمرة، فقد ألقى خامنئي بنجاد من فوق جبل الهيبة والجلال اللتان كانا يتمتع بهما نجاد، بصفته الرئيس السابق والمحافظ الذي يصون تقاليد الجمهورية وأعرافها ويدخل مع الغرب في صراعاتٍ شبه دائمة، وكم قد قبّل يد خامنئي يومًا، وكم قد نزل على مصالح ورغبات تياره المحافظ ولم يعبأ بالشعب، وكم قدم من تنازُلات من قرارهٍ السياسيّ والتنفيذي في البلاد ولم يمارس أي تمنُعًا.
ولكنه حدث فيه، كما فعل النعمان يومًا مع مهندسه سنمار والذي بنى له قصر الخورنق، وقذف به من أعلى القصر؛ لئلا يبني هذه التُحفة المعمارية لأحدٍ آخر.
يدفع نجاد الآن ثمنًا باهظًا، ويتجرع نفس الكأس التي أذاقها لكروبي وموسوي، اللذان قادا تظاهُرات الحركة الخضراء ضده عام 2009، وهما حتى الآن رهينا الإقامة الجبرية، وسيُصبِح على نجاد أن يُضاف إليهما، ولكن من الظاهر أن التحاقه بهما، وبغيرهم الكثيرين لم يكن لنفس السبب أو المبدأ.
كل ما يُمكِن الخروج منه الآن من درس نجاد، هو أن هذه هي السياسة، وهذه وقائعها، وقد تكون هذه هي نهاية نجاد في حقل السياسة، وألا يُذكَر مجددًا، ويكتب بيده نهاية رئيس سابق تمرد، ولكنه لم يعِّي كيف يتمرد بصُورةٍ صحيحة، لينجح فيه، فكانت العاقبة أشد من تُوقعهِ.