مرت القصيدة في العالم بعدد من المراحل التي تغيرت فيها شكل القصيدة خلالها، وهو الأمر الذي نتج عنه أشكال متعددة وقوالب مختلفة تحمل كلها اسم “القصيدة” وفي إيران كان ظهور قصيدة النثر أمرًا يدعو لخلاف يبدو أكبر من خلاف لمجرد قصيدة شعرية، إنه خلاف على التقاليد الشعرية التي ظلت راسخة لعقود، حيث تغيرت تقاليد القصيدة، وهو الأمر الذي تتبعه عدد من الأزمات داخل الوسط الأدبي.
القصيدة الإيرانية
في حوار سابق لها أوضحت الشاعر الإيرانية مريم حيدري أن القصيدة العربية والإيرانية مرتا بنفس المراحل، إذ أن الثورة التي قام بها الشاعر “نيما يوشيج” على القصيدة الكلاسيكية الفارسية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي، هي شبيهة بالثورة التي أقامتها نازك الملائكة على القصيدة العربية، ليطلق على اتجاه “نيما” ما عرف باسم “الشعر الجديد” وهو موازي لما عرف بشعر التفعيلة في العالم العربي.
أما الجيل اللاحق لـ “نيما” يضم عدد هام من الشعراء الذين كتبوا شعر التفعيلة، بينما تخلى فروغ فرخ زاد وأحمد عن شعر التفعيلة، واكتفيا بالإيقاع الداخلي في النص الشعري، ثم جاءت مرحلة القصيدة النثر وهي اللي كتب بها شعراء كبار مثل منصور أوجي، وبهرام أردبيلي، وبيجن إلهي، ثم داريوش أسدي كيارس، لتشير الشاعرة “مريم حيدري” أن أغلب شعراء إيران في هذا الوقت يكتبون بقصيدة النثر.
القصيدة النثرية العربية
أما فيما يخص الجانب العربي، فبعنوان “القصيدة النثرية العربية” جاء الكتاب الذي كتبه الدكتور جمال الأنصاري، أوضح أن حركة قصيدة النثر العربية في إيران جاءت كردة فعل على المنظومة التقليدية الشعرية.
ويضيف الناقد في مقدمة كتابه أنه بعد أن قررت لجنة شاعر النبي أن تحذف القصيدة النثرية من الأجناس الشعرية، اجتمع شعراء القصيدة النثرية داخل مكتبة، ليقرر هو وأصدقائه تأسيس جماعة للقصيدة النثرية العربية داخل إيران، وهو الأمر الذي شاركه فيه عدة شعراء مثل ونشطاء أهوازيين على رأسهم يوسف السرخي ومجتبى سواري، غير أنه ظهرت ردة فعل معاكسة إزاء هذه الحركة كالت التهم حول مصداقية هذه الحركة.
كما يشير الناقد داخل كتابه إلى الملامح الإبداعية في القصيدة النثرية الأهوازية في خمسة أبعاد، الأول: تعدد الأصوات، الثاني: النهايات غير المتوقعة، الثالث: البياض، الرابع: اللغة البصرية، والخامس: الآيروسية، موضحًا أنها تفاعل جمالي مع المجتمع وهمومه، القصد منه تجسيد معاناة الشعب وابعد عن اللغة الجماهيرية التي تميز النصوص الشعرية المنبرية التي يخلو بعضها من العمق الجمالي.
حركة أهوازية
يهتم الأهواز العرب كثيرًا بقصيدة النثر، لذا يقام داخل مدينة عبادان “مؤتمر قصيدة النثر” والذي يعد من أول المؤتمرات التي قامت برعاية هذا الفن، غير أن كثير من الشعراء يعلنون تبرمهم نظرًا من عدم الاهتمام المحلي الذي تلاقيه القصيدة، إذ لا يتم تدريسها في الجامعات على سبيل المثال، رغم وجود الكثير من المؤلفات الجديرة بالدراسة، كما يرى النقاد.
أما الكتاب فهم يشتكون بعدم وجود اهتمام نقدي حقيقي بقصيدة النثر، وحتى الدراسات الموجودة فهي متأخرة كثيرًا عن التطور السريع الذي تحظى به قصيدة النثر تحت يد كبار الشعراء.