في هذا الجزء نستكمل قضية استخدام المياه كسلاح من قبل النظام الإيراني، أو استخدامه كورقة ضغط سياسي وسط الصراعات التي تخوضها الجمهورية. كما نستعرض قضية وأزمة الأهوار.
إيران تحبس المياه عن كردستان الأكراد
أقام الأكراد استفتاء عاما على قضية استقلال الإقليم عن الجمهورية العراقية، في الخامس والعشرين من شهر أيلول / سبتمبر لعام 2017 المنصرم، وحقق الاستفتاء أغلبية ساحقة لصالح الراغبين في الاستقلال، لكن بالطبع بدد الحلم كالعادة، وضاع حلم الدولة وصار أدراج الرياح بفضل إيران التي وأدت قضية الانفصال في مهدها.
كان من ضمن أوراق الضغط التي استخدمتها إيران لترويع الأكراد وإثنائهم عن مطلبهم ذلك، بعد تحذيرها لهم مرارا وتكرارا بعدم الإقدام على هذه الخطوة، هي ورقة المياه. آخذين في الحسبان، أن هذه الواقعة التي نحن بصدد سردها كانت قبيل الاستفتاء بقرابة شهرين، عندما كانت الفكرة ما زالت تختمر في عقول الأكراد. وردا على اجتماع رئيس إقليم كردستان، مسعود بارزاني، مع ممثلي الأحزاب الكردية في السابع من حزيران / يونيو لعام 2017، والذي تمخض عنه قرار إجراء الاستفتاء لاستقلال الإقليم.
فقد قامت السلطات الإيرانية بإغلاق مجرى المياه الذي يصل إلى قلعة دزة التابعة لمحافظة السليمانية، ومناطق أخرى في كركوك، وأطرافها، ومساحات واسعة من الأراضي الزراعية الممتدة من القلعة إلى جنوب كركوك، وتم هذا القطع من منطقة سردشت، وهذا ما جعل 90 ألف مواطن في القلعة دون مياه، وكاد أن يتضرر على إثر هذا الفعل 284 منطقة وقرية زراعية.
وقد صرح وزير زراعة وموارد المياه في كردستان العراق، عبدالستار مجيد، أن إيران منعت تدفق مياه نهر الزاب الأسفل؛ كورقة ضغط ضد إجراء استفتاء انفصال كردستان آنذاك. وأضاف أن إيران قامت بذلك عبر إقامة سد عليه، في منطقة سردشت، غربي إيران.
وقد صرح مجيدفي حوارٍ آخر له مع جريدة “الشرق الأوسط”، أنه بعد انتهاء إيران من بناء سد كلوسة على نهر الزاب الصغير، قرب مدينة سردشت، فقد قطعت فعليا مياه النهر بالكامل عن كردستان، وهي التي تشكل 60 % من مياه سد دوكان في الإقليم.
ألحقت إيران بكردستان أزمة مياه خانقة، لاسيما أن عملية القطع هذه استمرت أياما طوال، وانخفضت مناسيب المياه في الإقليم بدرجةٍ كبيرة. واضطرت حكومة كردستان إلى تقليل إطلاق المياه من سد دوكان، وكانت تخطط إلى إقلال المياه من سد “دربنديخان” أيضا الموجه إلى العراق، وتم تخفيض إطلاق المياه من 180 مترا مكعبا / إلى نحو 50 مترا مكعبا؛ لتوظيف كل المياه المتاحة لاستخدامها في الشرب للمواطنين.
وقد تحججت أو بررت إيران ببنائها للسد بهدف إنتاج الطاقة الهيدروكهربائية، في مدينة سردشت.
صراع المياه بين إيران وتركيا
في حديثٍ لوكالة أنباء “سبوتنيك عربي” مع سيفي كيليك، خبير في الدراسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط، في يوليو 2017، تحدث عن نزاعٍ مائي يلوح في الأفق بين الجارتين إيران وتركيا.
فتركيا تعتزم بناء 22 سدا جديدا في منطقة جنوب الأناضول على نهري دجلة والفرات، وهو ما سمي مشروع “غاب” التركي، وهو ما أثار قلقا فعليا بين السلطات الإيرانية: لأن هذا البناء سيؤدي إلى تجفيف مصدرين من مصادر المياه الرئيسية لإيران.
فقد دعت مستشارة رئيس الجمهورية لشؤون البيئة، معصومة ابتكار، وزارة الخارجية الإيرانية إلى المساعدة فى إقناع تركيا بالتخلي عن خططها لبناء السدود.
حتى أن الرئيس الإيراني ذاته، حسن روحاني، أعرب عن استيائه من تركيا بشأن ذلك، وفى كلمته فى المؤتمر الدولى الأخير لمكافحة تصحر الأراضى والعواصف الترابية فى إيران، أدان بشدة إقامة تركيا للسدود.
أزمة الأهوار
بادئ ذي بدء، فقد يكون هناك تلبس اصطلاحي في معرفة معنى الأهوار، والأهوار هي أراضٍ رطبة منخفضة، وتسهم التربة وطبيعة الأرض والمناخ في تكوين الهور. هذه العوامل في حالة توافرها يتكون الهور أيا كانت البيئة، فقد تتكون الأهوار في الصحاري نفسها. وغالبا ما تنمو فيها الأعشاب، والحشائش، وغيرها من الزروع التي قد تتكون فيها وتلائم طبيعة نموها هذه الأراضي كالقصب أو البردي وغيرها.
لدى إيران العديد من الأهوار التي تنتشر في محافظاتها، حتى هذه الأهوار لم تصبح بمنأى عن شبح الجفاف الذي يحوم على كل نقطة مياه في إيران ولا يدعها حتى يسحبها، ويترك شبحا آخر أكثر رعبا ألا وهو الظمأ.
فيهدد الجفاف هذه الأهوار في جنوبي إيران؛ لقلة الأمطار ، وبناء السدود والمنال الزراعية، ومخلفات المعامل، وهذا ألقى بآثاره شديدة الضرر على الحزام الأخضر الذي يحوي كما ذكرنا نباتات القصب والبردي، و أضر أيضا بالتنوع البيئي والثروة السمكية فضلا عن اختفائها، وذلك بعدما مثلت حواجز طبيعية تصد العواصف الرملية.
في احتفالية اليوم العالمي للأرض الرطبة في إيران، الحكومة أقرت أن 56 % من مساحة أهوارها قد ذهبت أدراج الرياح في ظلٍ تأزم بيئي تعانيه البلاد.
ولكن الحكومة تحاول، فقد قالت معصومة ابتكار أن الحكومة تمكنت هذه السنةَ (2016/2017)، من أن تضيف 120 مليون متر مكعب من المياه العذبة، وأن هناك قناة في طور البناء؛ وأنها مخصصة لاستدرار كمية من المياه إلى الأهوار، بالإضافة إلى وضع الحكومة خطة رقابية لأعمال بناء السدود للحد من تدهور الأهوار.
في تقريرٍ لموقع “أخبار الآن”، أدرج التقرير تصريح لأحد سكان منطقة الأهوار يدعى، تقي آل بوخنفر والذي قال: “إن استمرت الأملاح في أرضنا، فلن يبقى النخل ولا الزراعة ولا الحياة، بل سينتهي الاقتصاد برمته، وفضلا عن زيادة الملوحة فتح هذا الجفاف الباب واسعا للعواصف الترابية، التي زادت بأكثر من الخمس في السنوات الثلاث الأخيرة، في منطقة تعادل قيمتها الاقتصادية عشَرة أضعاف قيمة الغابات اقتصاديا، ومئتي ضعف الأرض الزراعية.
ويضيف سكان هذه الأهوار إنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى لتلحق ببحيرة أرومية شبه الجافة.
برنامج بيئة الأمم المتحدة UOIP ، حذر أن الأهوار، الواقعة جنوب غربي إيران، تواجه ما يكون وضعا مشابها للكوارث البيئية التي أثرت على بحر آرال، والأمازون. وخلص في دراسته عن الأهوار في العراق وإيران، إلى أن التأثيرات التراكمية لبناء السدود، وتجفيف الأهوار، وحولها كانت مدمرة وكارثية. في أقل من عشر سنوات فقط.
حتى أنه ذكر تصريحا: “واحدة من أكبر، وأهم النظم الإيكولوجية في العالم، قد انهارت تماما”، كما إن انحراف وتحويل المياه يدمر الأهوار والأنهار ، ويؤدي إلى تدمير البيئة بأكملها، وفي نهاية المطاف سيؤدي للقضاء على إنتاج الموارد الغذائية والمحاصيل الزراعية.
يذكر د. كريم عبديان بني سعيد،في مقاله “أزمات المياه والبيئة والتصحر في إيران” على جريدة الشرق الأوسط، في فبراير 2017، أن علي محمد شيري، نائب رئيس منظمة البيئة الإيرانية، قال إن: “500 ألف هكتار من الأهوار قد جفت، وإن هذا هو السبب الرئيسي للعواصف الرملية في المنطقة”.
وكانت قد بدأت شركات النفط الإيرانية استكشاف هور العظيم للنفط منذ عام 2000، بعد الموافقات البيئية المثيرة للجدل من مجلس الشورى. كما قامت حكومة الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد (2005 – 2013)، بمصادرة 7600 هكتار من أراضي الأهوار من أجل امتياز التنقيب عن النفط الممنوح لشركات النفط التي تنتمي إلى شركائه.
فجففت مواقع الحفر قبل بدء عمليات الاستكشاف؛ ما أدى إلى أضرار دائمة. ومنذ بدء عمليات الحفر، تسببت صناعة النفط بزيادة الطلب على إمدادات المياه، واستنزفت الأهوار؛ ما تسبب في ارتفاع مستويات التلوث.
يذكر رئيس قسم البيئة في منطقة الحويزة، موسى محجي: “إن النظام البيئي الفريد لهور العظيم مهدد بتلوث شديد من مياه الصرف الصحي، من شركات الحفر العاملة هناك. وبسبب التلوث المفرط للأنهار، فإن حجم المواد الصلبة الذائبة في الماء قد زادت بشكل كبير”.
وقد أشار عالم الحكومة الإيرانية، الدكتور بختياري نيا، إلى أن الأمراض الناتجة من المياه والغذاء تزداد سوء نتيجة شح المياه النظيفة، وعدم اتباع نظام غذائي صحي. ووصف الرمال التي تعصف بالمنطقة بشكلٍ روتيني بأنها نتيجة تدهور في الرطوبة، حيث تتلاشى الأراضي الرطبة.