يمهد الانقسام والتدهور في إيران الطريق لزعزعة استقرار تركيا وتشجيع دول الشرق الأوسط التي ترغب في تغيير الأنظمة أو الحكومات من أجل مصالحها الخاصة.
وهذا هو السبب في أن نفس القوى الأجنبية التي حاولت زيادة هذا الوقود في دول الشرق الأوسط، آخرها في إيران، تحاول مقاضاة تركيا في المحاكم الدولية، معلنة أنها بلد غير آمن. إن تصرفات البنوك التركية وتعليق خدمات التأشيرات هي نفس الجهود التي تبذلها القوى لسحب تركيا إلى حالة من الفوضى السياسية والانهيار.
يذكر أن تركيا وإيران يشبهان بعضها البعض بشكل كبير من حيث تاريخهما والتطورات الأخيرة. وهم متشابهان أيضا بشكل كبير في وقفتهما ضد المجتمع الدولي. وقد كانت هناك جهود لدمجهما في النظام الدولي خلال العقد الماضي. وبوجه خاص، حاولوا إقناع تركيا بتبني مفهوم الإسلام المعتدل الذي اخترعه ريتشارد هولبروك على هامش التخطيط لمشروع الشرق الأوسط الكبير في أعقاب الغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق. ووفقا لهولبروك، لا بد أن يتحول الإسلام بما يتماشى مع المصالح الغربية. وهذا هو السبب في أن تركيا يجب أن تعتمد رؤيته للإسلام المعتدل. ورغم ذلك، رفضت تركيا بشكل طبيعي التصرف وفقا لهذه الخطة غير العقلانية وغير المنطقية. وفي الواقع، يستخدم مصطلح الإسلام المعتدل من قبل القوى الغربية لخلق الهيمنة فيما يتعلق ببلدان الشرق الأوسط وتركيا.
وفي الفترة التي كان لتركيا فيها مهمة للعمل نيابة عن الغرب تحت رعاية الناتو، كانت لإيران علاقات قوية جدا مع الغرب. وتقريبا جميع الموارد النفطية نقلت عن طريق شركات النفط الغربية.
معارضة ومواجهة الضغط
كلما بدأت تركيا في تغيير سياستها الخارجية الموجهة نحو الغرب، حاولت القوى المذكورة أعلاه إعادة مواءمتها من خلال الانقلابات والتدخلات العسكرية. وبالإضافة إلى الأزمات المحلية، حاولوا أيضا زعزعة استقرار السياسات الخارجية التركية مثل الصراع بين جورجيا وأوكرانيا في عام 2005 والربيع العربي. وتعرضت تركيا للهجوم في 15 يوليو من عام 2016 من قبل جماعة غولن في محاولة مهلكة للقيام بانقلاب.
ومن قبيل الصدفة، كانت إيران تكافح الإمبريالية البريطانية والأمريكية والروسية خلال هذه الفترة. واتبعت إيران سياسة خارجية مستقلة عن الولايات المتحدة وقد تم اتهامها لأول مرة بأنها دولة مارقة ثم تعرضوا لعقوبات دولية قاسية جدا. وفي الآونة الأخيرة، شهدت محاولة زعزعة للاستقرار خلال احتجاجات مشهد التي انتشرت في أكثر من 40 مدينة على غرار احتجاجات منتزه غيزي بتركيا.
عام 2017 كان عاما مليئا بالتحديات
يذكر أن آخر عامين اتسموا بالمشقة بالنسبة لتركيا من حيث الأمن والسياسة الخارجية. ومع ذلك، انتهى عام 2017 بتوصل تركيا إلى بعض النتائج الهامة فيما يتعلق بالنقاط الأكثر أهمية، والتي تظهر نهجا حكيمة للغاية وذلك وفقا للنظام العالمي المنشأ حديثا. ولعبت رؤية السياسة الخارجية الجديدة التي اعتمدتها أنقرة دورا كبيرا فيها، مما أدى إلى تحقيق مكاسب جديدة وذلك لأنها كانت تتسم بالعقلانية والواقعية بشكل حقيقي وليس بالحديث فقط.
مواجهة الإرهابيين
من المؤكد أن عملية درع الفرات التركية ضد الجماعات الإرهابية كانت هي العامل الأساسي الذي يدل على أن البلاد قادرة على التغلب على داعش ووحدات حماية الشعب التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي المرتبط بحزب العمال الكردستاني. وأظهرت العملية أيضا أن أنقرة قادرة على التفاوض مع روسيا. ومع حملة مكافحة الإرهاب، أغلقت تركيا ممر الإرهاب التابع لوحدات حماية الشعب بالقرب من حدودها مع سوريا. وعلاوة على ذلك، منعت أيضا خطة تهدف إلى تعطيل دورها في البلدان المجاورة في الشرق الأوسط وتغيير خط أنابيب نقل الطاقة.
وعلى الساحة الدبلوماسية، كانت محادثات أستانا من أهم الخطوات التي اتخذها التحالف الاستراتيجي لتركيا وإيران وروسيا كبديل ومكمل لمحادثات جنيف فيما يتعلق بالمفاوضة الدبلوماسية. وفي أزمة قطر، تواجدت أنقرة مرة أخرى على الساحة بنهج متوازن لمنع زيادة الأزمة وذلك من خلال عدم الصراع مع المملكة العربية السعودية. وفي الوقت نفسه، أعلنت حكومة إقليم كردستان برئاسة مسعود برزاني حينها أن كردستان العراق ستتجه إلى صناديق الاقتراع لإجراء استفتاء حول الاستقلال.
جدير بالذكر أنه قد تم إبطال هذه السياسة التمييزية والانفصالية بالتعاون مع العراق وإيران. وقد تم إنقاذ السياسات العراقية من الرؤية ضيقة الأفق لبرزاني. وفيما يتعلق بقضية القدس، حققت أنقرة نجاحا دبلوماسيا وحشدت العالم الإسلامي ضد غطرسة الولايات المتحدة. وكانت الولايات المتحدة معزولة في الأمم المتحدة، ووجهت تركيا رسالة إلى بقية العالم حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وكان أحد أكثر التطورات الإيجابية بالنسبة للدبلوماسية التركية، في أفريقيا. وأظهرت زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان للبلدان الأفريقية مدى أهمية تركيا بالنسبة لهم.
كيف حدث ذلك؟
الجواب بسيط جدا. غيرت تركيا نموذجها القديم واعتمدت سياسة أكثر عقلانية للتعامل مع واقع العصر الجديد للعالم. وبهذه الدبلوماسية الجديدة، أوضحت أنقرة أولوياتها ووضعت استراتيجيات قوية ومتسقة.
وخلال هذه الفترة، كان للسياسة الخارجية الإيرانية العديد من الدوافع المشتركة مع تركيا، خاصة في سعيها نحو انفتاح استراتيجي كقوة محورية ولها طابع مستقل.
والواقع أن أوجه الشبه بين البلدين ليست شيئا جديدا. ومن بين السمات المشتركة، اشتمال المجتمعين على طوائف وأديان ومذاهب ولغات متنوعة، وتجربة عملية التحديث التي تجبرهم على إقامة دول قومية من خلال معارضة إمبراطورياتهم. ولعل أكثر القواسم المشتركة أهمية هو أن النخب الحاكمة كانت من الأتراك. وكانت إيران تحت حكم الحكام أو السلالات الأذربيجانية لحوالي 1000 سنة. ومن ناحية أخرى، اقتبس الشعب التركي جميع المصطلحات تقريبا المتعلقة بالممارسات الدينية من اللغة الفارسية.
وفي النصف الأول من القرن العشرين، أنشأت إيران دولة علمانية حديثة، واعتمدت اقتصادا رأسماليا وحولت الطبقة الاجتماعية إلى الإنتاج والاستهلاك الرأسمالي. وفي الوقت نفسه، شهدت هذه الفترة عملية التغريب السريع في تركيا. واتخذت جمهورية تركيا التي أنشئت حديثا خطوات من أجل الإصلاحات والتحسينات والثورة. وفي السنوات التالية، حارب كل من تركيا وإيران ضد الإمبريالية، وسعى كلا منهما إلى تحقيق الاستقلال الكامل ورأوا أن الإرادة الوطنية ستنهض من خلال صراعاتهما الوطنية. واستمرت أوجه التشابه حتى اليوم. وهكذا، يمكن القول إن تركيا وإيران لديهما طرق متشابهة جدا فيما يتعلق بتأسيس دولهما الحديثة.