كانت المفارقة في اندلاع الاحتجاجات فب إيران مؤخرا تكمن في أن الحكومة الثيوقراطية في البلاد هي نفسها التي وفرت الأكسجين الذي زاد من انتشارها المفاجئ بشكل مذهل، والاشتعال من مدينة إلى أخرى.
وعلى مدار السنوات الأربع الماضية، شجعت السلطات على الاستخدام المفتوح للإنترنت، مما يسمح لمقدمي الخدمات بتقديم شبكات الجيل الثالث ثري جث و فور جي، الأمر الذي حفز على التوسع الهائل في استخدام الهواتف الذكية. وفي عام 2014، كان لدى حوالي 2 مليون إيراني هواتف ذكية. واليوم، يمتلكها ما يقدر بنحو 48 مليون إيراني. وهذا يعني أن حوالي نصف السكان في جيوبهم جهاز يمكن أن يقوم ببث الصور ومقاطع الفيديو للعالم بأسره والمعلومات التجارية تكون بعيدة عن تحكم ورقابة الدولة.
وقامت الحكومة بإخماد الاحتجاجات جزئيا من خلال إغلاق هذا الأكسجين، ومنع تطبيق الرسائل المشفرة تيليجرام الذي استخدمه المتظاهرون للتواصل. ولكن الحظر كان مؤقتا فقط، حيث اشتكى رجال الأعمال بشكل سريع من إغلاق قنوات تيليجرام التي يستخدمونها لترويج وبيع بضائعهم.
ومع اقتراب الجمهورية الإسلامية من الذكرى الأربعين للثورة التي جلبتها إلى السلطة، تحاول جني فوائد أداة لا غنى عنها في الحياة العصرية، وذلك مع الحفاظ على وضع رقابة مشددة على كيفية استخدام الإيرانيين لها وما هي المعلومات التي يتلقونها. وحل طهران للسيطرة على الإنترنت يأتي من خلال إنشاء ما يسمى “الإنترنت الحلال”، وهي نسخة من الإنترنت تدار محليا بشكل كامل.
وقال سانام فاكيل، وهو زميل مساعد بمعهد شاتام هاوس الذي يقوم بيدرس إيران، “إن الجمهورية الإسلامية ليست أسود وأبيض، فهي تظهر عددا لا يحصى من التناقضات وأعتقد أن سياسة الإنترنت الخاصة بها واحدة من الأمثلة البارزة على تلك التناقضات”.
ومنذ الثورة الاسلامية في عام 1979، تسيطر الحكومة بشكل صارم على المعلومات. ولكن الإنترنت قد هدد تلك السيطرة. وأثناء احتجاجات إيران في عام 2009 بسبب إعادة انتخاب الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد المتنازع عليها، ظلت وسائل الإعلام الاجتماعية الناشئة تنشر كلمة الفاعليات بين الإيرانيين ونقلت مقاطع فيديو عن مقتل ندى آغا سلطان البالغة من العمر 26 عاما إلى العالم.
ومنذ ذلك الاضطراب، منعت إيران مواقع فيسبوك وتويتر وغيرها من المواقع إلى جانب موقع يوتيوب التي كانت قد تم حظرها بالفعل. وقد أدى ذلك إلى استخدام العديد من الإيرانيين لشبكات افتراضية خاصة، أو (في بي إن)، للتملص من الحظر.
جدير بالذكر أن سياسات الرئيس حسن روحاني، المعتدل نسبيا في المؤسسة الدينية الحاكمة، هي التي سمحت بانتشار الهواتف الذكية منذ أن تولى منصبه في عام 2014. وكان هدف روحاني هو توفير أداة للتجارة أثناء محاولته إعادة بناء الاقتصاد المتضرر. وحتى بعد انتهاء الاحتجاجات الأخيرة، قال إنه كان من المستحيل منع الناس من استخدام الإنترنت.
وأضاف “إذا أردت أن يكون الإنترنت مفيدا للمجتمع، تقدموا بحل يستخدم لتعزيز الثقافة بدلا من حجبها”.
وقد جاءت فكرة قيام إيران بإنشاء شبكة “حلال” أو “مسموح بها” للإنترنت لأول مرة في عام 2011 في أعقاب احتجاجات عام 2009. وقد تطورت إلى ما يعرف باسم الشبكة القومية للمعلومات.
إنها في الأساس تمثل كابوسا لمؤيدي الحيادية، حيث أن الشبكة لديها نحو 500 موقع وطني وافقت عليهم الحكومة والتي تبث محتوى أسرع بكثير من تلك المواقع التي تم تأسيسها بالخارج، والتي تم إبطائها عن عمد، وذلك وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن حقوق الإنسان في إيران. ويقدم مزودي الخدمة حزم أرخص للعملاء للوصول إلى مواقع إن آي إن فقط. وكذلك يتم اللعب بنتائج البحث داخل الشبكة، مما يسمح للحكومة بفرض رقابة على ما يجده المستخدمون.
وأحد المصممين الرئيسيين للشبكة هو شركة الاتصالات الإيرانية، التي يملكها وكلاء الحرس الثوري القوي.
وهو يشبه بطريقة ما “جدار الحماية العظيم” في الصين، والذي يمنع الوصول إلى الآلاف من المواقع. كما يجد مستخدمو الإنترنت الصينيون إمكانية الوصول إلى مواقع الويب خارج البلاد أبطأ.
ونقل مركز ستراتفور الاستخباراتي الأمريكي الخاص في تحليل له يوم 17 يناير أن “أداء إيران في خنق عملية الوصول إلى المحتوى الخاص بالمعارضة خلال الاحتجاجات الاخيرة أثبت أن إيران تعمل جاهدة للاقتضاء بالصين من حيث السيطرة على عملية تدفق المعلومات”.
واقترح المتشددون إزالة إيران تماما من الإنترنت وإنشاء شبكة خاصة بها في الداخل.
وفي الوقت نفسه، ووفقا لمسؤولين أمريكيين قاموا بإعطاء موجز حول الاجتماعات، تحاول إدارة ترامب إيجاد سبل لزيادة وصول الإيرانيين إلى الإنترنت. وقد اجتمع المسؤولون مع جوجل وفيسبوك وتويتر وغيرها من شركات التكنولوجيا لطرح ما يمكن القيام به أكثر لمساعدة الناس في إيران وغيرها من الدول التي تديرها سلطات استبدادية على التواصل بحرية.
ولكن الخوف من تجاوز العقوبات الأمريكية جعل الشركات مترددة. وبعض الشركات لا تسمح بأن تستخدم خدماتها في إيران. وهذا يمنع الايرانيين من الوصول إلى العديد من تطبيقات الاتصالات المشفرة أو الشبكات الافتراضية الخاصة. وقال بعض المسؤولون، إنهم ظلوا مترددين حتى عندما نشرت ادارة ترامب عن إمكانية تخفيف بعض العقوبات او تقديم استثناءات.
لذلك يبقى السؤال عما إذا كان الإيرانيون سيحصلون على شبكة إنترنت مفتوحة إذا تسبب الغضب من وضع الاقتصاد في احتجاجات مرة أخرى، كما توقع الكثيرون.
وقد دعت منظمات مثل تحالف الشؤون العامة للأمريكيين والإيرانيين ومقرها واشنطن وآخرين الولايات المتحدة إلى تقديم توجيهات محددة لشركات الإنترنت التي تسمح للإيرانيين بالوصول إلى التطبيقات والخدمات.
وقال مراد جوربان من تحالف الشؤون العامة للأمريكيين والإيرانيين “إن هذه الحركة استمرت على الرغم من الاضطهاد من قبل عناصر متشددة”.