قبل قرابة الـ 12 عاما وبالتحديد عام 2006 كشفت هيئة الطب الشرعية الايرانية أن أكثر من 6 آلاف سيدة مثلت أمام مركز وازرة الصحة الايرانية تطلب السماح لها بإجراء عملية إجهاض لجنينها، ثم تجددت هذه الإحصائيات خلال العام الماضي، ليتضح أن الرقم قد تضاعف خلال هذه السنوات، إذ وصل الأمر إلى حوالي 15 الف سيدة طالبن باجراء هذة العملية في اطارها المعلن والقانوني.
الكارثة الحقيقية لا تكمن في الأرقام الرسمية والمسجلة من قبل وزارة الصحة الايرانية، الأزمة في ما هو ليس معلن ويقام خلف الستار، فالكثير من الإحصائيات التي خرجت من منظمات مدنية مؤخرًا تشير إلى أن أكثر من 200 الف عملية إجهاض تجرى خلال العام بدولة الملالي في عيادات مجهولة وتحت أنظار وأيدي أطباء غير مؤهلين ولا يسعون وراء شيء سوى الابتزاز والأستغلال المادي للمقدمات على إجراء هذة العملية سرًا وبعيدًا عن أعين الجميع، فما أوصل الحال إلى هذا الوضع وما وقد يترتب عليه مستقبلًا؟ هذا ما نتناوله اليوم.
الإطار القانوني
من الناحية القانونية تجيز الجمهورية الإسلامية الإيرانية عمليات الاجهاض شرط أن تقدم الأم ما يثبت تعرض صحتها لخطر من هذا الحمل وألا يكون قد تعدى عمر الجنين أربعة اشهر، بالإضافة إلى شهادات صحية تثبت إصابة الجنين ومعاناته من تشوهات خلقية ومشاكل صحية، وهو الأمر الذي ظهر في بداية الألفية الثالثة في صورة فتوى من قبل الزعيم الايراني “آية الله الخميني” بعد مطالبات عدة بتقنين هذه العملية الصحية التي كانت إحدى الممنوعات منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979.
رغم ذلك يعاقب القانون الايراني من يثبت تورطه في مثل هذة العمليات بعيدًا عن تصريح وزارة الصحة سواء كانت السيدة الحامل أو الطبيب الذي يجري العملية، بعقوبة تصل إلى السجن بين 3 – 10 سنوات بالإضافة إلى غرامة مالية توازي قيمة دية القتل في التشريعات الإيرانية.
كيف توغلت تلك الظاهرة؟
أغلب الأبحاث التي أجريت عن هذه الظاهرة التي تفشت بدولة الملالي ترجع للفقر السبب الأساسي في ذلك، فالفقر هو سبب في اتجاه الكثير من الفتيات إلى امتهان الدعارة أو زواج المتعة المتفشي بإيران لدرجة وجود إحصائيات تؤكد أن مئات الآلاف من العراقيين يزورن إيران يوميًا من أجل زواج المتعة الذي تتيحه إيران، والنتيجة طفل في أحشاء فتاة قد لا يتخطى عمرها العشرين عامًا، لتبدأ هذه الفتاة رحلة البحث عن طريقة لإجهاضه.
الفقر أيضًا السبب في إقدام عدد من الأزواج على مثل هذة الخطوة خوفًا من المستقبل، وأن يحي طفلهم حياة مادية متعسرة مثلهم، أو يخافون أيضًا من عدم قدرتهم على توفير الاحتياجات المناسبة له، نظرًا لعدم وجود عائد مالي كافي، مما يجلعهم يجهضون زوجاتهم.
شارع ناصر خسرو
تطور تفشي هذه الظاهرة، إلى ظهور شوارع بالجمهورية الاسلايمة معروفة بتواجد الكثير من العيادات التي تقوم بمثل هذة العمليات مثل شارع ناصر خسرو بالعاصمة الايرانية طهران، فالشارع حكاياته متناثرة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الايرانية وتؤكد الكثيرات ممن لهن تجارب مريرة مع هذة العملية، أن الشارع تتوافر به كل الأداوت التي تؤدي إلى نفس النتيجة سواء الأدوية أو الحقن أو الأطباء الذين يوافقون على إجراء تلك العمليات بعيدًا عن الشروط القانونية المنصوص عليها بالتشريع الايراني.
تتذكر سيدة ايرانية تعيش في طهران “منذ فترة ليست بالقليلة اكتشفت أنني حامل في الشهر الخامس، ولكن لأنني عازبة لم يكن في مقدوري الاحتفاظ بالجنين وتحدثت وقتها مع صيقة لي عن الكارثة التي حلت بي وعلمت بها بوجود ثلاث طرق للأجهاض إما بالحقن أو بالتناول الحبوب أو عن طريق عملية، وتكمل “خوفًا من الخيار الثالث ونتيجيته لجأت إلى الخيارين الأولين وعلمت حينها أن الحقن يقتضي شراء دواء باسم Prostaglandin وأنني في احتياج لحقتنين منه سعر الواحدة الطبيعي نحو 12 يورو وفي حالتي ومن هذا الشارع بدون روشتة طبيب تصل لاكثر من 80 يورو، ورغم توافر المال لدي لكني في النهاية عدلت عن هذا الخيار بعد معرفتي أن من الآثار الجانبية لهذة الحقن أنها قد تصيب بأزمة قلبية”.
وتضيف السيدة “اخترت الحبوب نظرًا لأنها الخيار الأضمن و هي تحمل اسم Misoprostol وينبغي تناول عشر حبات منها في ظرف ساعة والسعر الطبيعي للحبة الواحدة 2 يورو لكن في مثل حالتي تباع في الشارع بنحو 60 يورو لذلك اخترت هذا الحل وأحهضت جنيني”.
سيدة أخرى تروي حكايتها موضحة “علمت أنني حامل بجنين واستشرت اصدقائي في كيفية التخلص منه فنصحوني بالذهاب إلى هذا الشارع وشراء الحبوب التي ستساعد على ذلك لكن عند ذهابي وجدت أنه شارع ليس من السهولة أن تتجول به فتاة فعدت أدراجي وتشجعت وذهبت لاستشارة طبيبة نصحتني بمكان آخر جنوب شرق طهران، وأكدت لي أن العملية الأفضل في حالتي لأنه كان حملي الأول وليس من السهل إنزاله من الرحم عن طريق الحبوب وهذا قد يؤدي إلى مضاعفات”.
وتضيف السيدة “فذهبت إلى هناك واكتشفت أنها عيادة لإجراء عمليات ترقيع البكارة والإجهاض وعرفت حينها أن هناك سعرين للعملية التي أريد إجرائها حيث يبلغ سعرها حوالي 400 يورو بدون تخدير و800 يورو بالتخدير”.
شيخوخة المجتمع
أكثر من ثلثي سكان دولة الملالي الآن لا يتخطى سنهم الـ 40 عاما، ولكن مع تفشي ظاهرة عمليات الاجهاض بهذه الأرقام المفزعة خاصة بين المتزوجين بشكل رسمي ومعلن ولا يرغبون في الإنجاب، يؤكد كثير من الباحثين أنه على المدى الطويل سيتسبب هذا الأمر في شيخوخة المجتمع الايراني وبدلًا من أن تكون فئة الشباب الأكثر عدديًا ستسيطر على المجتمع الايراني فئة المتقدمين بالعمر، وهي فئة لن تستطيع العمل بنفس كفاءة وقدرة الشباب، مما قد يتسبب في تدهور اقتصادي بعد أن تفقد الدولة ثروتها الشبابية.