وضع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون مؤخرا نهجا أمريكيا جديدا للصراع في سوريا، وأصبح هناك أمرين واضحين على الفور، وهما أن الولايات المتحدة مقيمة في سوريا ويمكن أن يكون هناك صراعا مقبلا مع إيران.
وحتى هذه اللحظة، ركز الوجود الأمريكي في سوريا على محاربة تنظيم الدولة (داعش)، وهم الجماعة الإرهابية التي استولت على مساحات واسعة من العراق وسوريا في عام 2014. ولكن مع التراجع السريع لداعش في الانخفاض السريع ومع انتزاع إقليمها الذي كان في السابق بحجم المملكة المتحدة بالكامل، وصف تيلرسون إيران بأنها التهديد الرئيسي الجديد لمصالح الولايات المتحدة في سوريا.
وقال تيلرسون في وقت سابق من هذا الشهر “إن التهديدات الاستراتيجية المستمرة للولايات المتحدة ليس فقط من داعش والقاعدة، ولكن من آخرين، لا تزال قائمة”. وأضاف “هذا التهديد الذي أشير إليه هو إيران بشكل خاص”.
وقال تيلرسون إن إيران “في وضع يمكنها من الاستمرار في مهاجمة المصالح الاميركية وحلفائها ومجموعة العاملين التابعين لها في المنطقة” وذلك من خلال وضعها في سوريا.
وأضاف تيلرسون إن إيران تحلم بشريط بري يربطهم بحليفهم، لبنان، عبر سوريا، حيث يمكنها توفير دعم الأسلحة للجماعات الإرهابية المناهضة للولايات المتحدة وإسرائيل. وأشار إلى أن أحد النتائج النهائية المرجوة من قبل الولايات المتحدة هو أن “يتضاءل النفوذ الإيرانى فى سوريا ويتم رفض احلامهم المتعلقة بإنشاء شريط شمالي وتأمين جيران سوريا من جميع التهديدات التى تصدر من داخلها”.
وفي حين أن الاستراتيجية الجديدة لا تضمن قتالا صريحا بين الولايات المتحدة وإيران، فإنها تضع قوات الولايات المتحدة البالغ عددها ألفي أو نحو ذلك في سوريا في منافسة استراتيجية مباشرة مع ما يقدر بعدد 70 ألفا من القوات التابعة لإيران.
الأرقام يمكن أن تكون خادعة
وقال طوني بدران، وهو خبير سوري بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنه على الرغم من وجود ما يتراوح بين من 35 إلى 1 ميزة لصالح القوات الإيرانية والقوات المنحازة لها في سوريا، فالقوات الإيرانية ضعيفة ومكشوفة، ومن المؤكد أنها ستحقق نجاحا ضعيفا في منافسة مباشرة مع الولايات المتحدة.
وقد دخلت القوات الأمريكية والقوات المدعومة من الولايات المتحدة بالفعل في احتكاك مع القوات الإيرانية والقوات المدعومة من إيران في سوريا، وأثبتت الاشتباكات القصيرة انتصارات حاسمة بالنسبة للولايات المتحدة، التي تتمتع بمزايا كبيرة من ناحية القوة الجوية والحرب القتالية المتطورة.
يذكر أن هذه المناوشات ركزت فقط على إبعاد القوات الإيرانية عن القوات الأمريكية المصطفة، في حين ركزت الولايات المتحدة على هزيمة داعش. ووفقا لما ذكره بدران، ففى حملة الولايات المتحدة الجديدة لاغلاق الجسر البري الذى تأمل ايران في أن يصلها بلبنان، من المحتمل أن يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل مع الحلفاء المحليين.
وقال بدران، “سيتعين على الولايات المتحدة تطوير قوات قتالية عربية محلية”، وأضاف، “لكن يمكنكم إحداث الكثير من الضرر بشكل أسرع بكثير من خلال توسيع أو تضخيم الحملة الإسرائيلية القائمة وذلك من خلال ملاحقة المنشآت والأهداف المتنقلة أو الكوادر العليا”.
يذكر أن إسرائيل، في الوقت الذي ظلت فيه بعيدة عن أغلبية الحرب الأهلية لجارتها سوريا، لم تعرب عن اعتذارها عن شن ضربات جوية عندما تشعر أن إيران تقترب من لبنان، حيث تتعهد ميليشيات حزب الله بشن حرب ضد الدولة اليهودية.
وقال بدران، “مع احتمال وجود إسرائيل في ظهرها، تمتلك الولايات المتحدة أصولا تتجاوز 2000 رجلا في الصحراء في مكان ما”. ويمكن للولايات المتحدة استدعاء القوة البحرية، وحاملات الطائرات، والقواعد الجوية القريبة، والقوات الجوية المتحالفة، والأسلحة المواجهة مثل صواريخ كروز وأسلحة المدفعية.
إيران تضحي بميزة غير متكافئة
في حين أن إيران عادة ما تتمتع بما يطلق عليه المحللون العسكريون “ميزة غير متكافئة” على القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، أو قدرتها على محاربة المصالح الأمريكية باستخدام الجيوش الوكيلة وقوة أقل من المميتة، فإن هذه الميزة تختفي عندما يأتي الأمر إلى مواجهة مباشرة. وأضاف بدران أنه إذا شنت ايران هجوما واسع النطاق على القوات الأمريكية فى سوريا فالقواعد والمستودعات والمخططين الذين شاركوا فى الهجوم سيتحولون سريعا إلى أنقاض.
ولهذا السبب، قد تتطلع إيران إلى تجنب التدخل العسكري المباشر مع الولايات المتحدة، ومواصلة دعم أعداء الولايات المتحدة في الوقت الذي تلعب فيه اللعبة الطويلة التي تؤدي إلى إزعاج الولايات المتحدة، وذلك أملا في إضعاف إرادة واشنطن قبل إرادة طهران.
جدير بالذكر أن هناك شق آخر في استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا وهو عزل نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وقال بدران، “سنقوم بمعاملة سوريا مثل كوريا الشمالية كدولة منبوذة اقتصاديا وليس سياسيا فحسب”.
ومع الضغط الأمريكي على الحلفاء بعدم القيام بأعمال تجارية مع نظام الأسد وعدم توفير أموال لإعادة الإعمار، قد تضعف الحكومة السورية، الحليفة لإيران، مما يفسح الطريق أمام إدارة أقل توددا لإيران في المستقبل، الأمر الذي سيحرم طهران من جسرها البري دون إطلاق نار.
الولايات المتحدة لن تكون بمفردها
يذكر أن طهران لديها مشاكلها الخاصة التي تقلق بشأنها. وقد هددت الاحتجاجات التي انتشرت على مستوى البلاد، بسبب عدم المساواة الحاد وإنفاق المليارات على مغامرة خارجية، نسيج قيادتها. وقد يثبت السوريون المحليون أيضا، وهم حزمة متنوعة، وسنية بشكل أساسي، مقاومتهم لإيران، صاحبة السلطة الشيعية المهيمنة في المنطقة.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وتركيا تصطدمان في كثير من الأحيان بسبب الخلافات في رؤيتهما بشأن سوريا، يقول السفير الأمريكي السابق لدى تركيا والخبير بمعهد واشنطن جيمس جيفري إن واشنطن وأنقرة توافقان بشكل أساسي حول الأهداف العريضة.
وقال جيفري، “في الوقت الحالي، هناك حوالي 40٪ من سوريا تحت سيطرة الولايات المتحدة أو تركيا، وفي حين أن الولايات المتحدة وتركيا ليسوا منسقين تنسيقا جيدا بشكل كامل، فكلاهما يرى هدف الانتقال إلى نظام لن يفعل ما قام [الرئيس السوري بشار] الأسد به”.
وأضاف جيفري أن تركيا ترغب أيضا في تقليص دور إيران في سوريا، حيث أن طهران لديها “ميل إلى التسلط على السكان العرب السنة” مما قد يؤدي إلى حرب أهلية أخرى.
وليس لدى بدران شك في أن الولايات المتحدة يمكن أن تقهر القوات الإيرانية في سوريا بسهولة أو تدمرها، ويعتقد بدلا من ذلك أن التحدي الحقيقي يكمن في تحديد من سيتولى السيطرة على جنوب سوريا في المستقبل.