الاختلاف شاسع بين الفنون المختلفة، ما تحتويه الكلمة داخل عبارة معمقة، يختلف تمام الاختلاف عمّا تُعبر عنه النوتة الموسيقية، وانسياب اللحن وجودة كلمته مغاير عمّا تُظهره ريشة الفنان على إحدى اللوحات، وما تُظهره إيماءات وانحناءات الجسد.
ومن بين هذه الفنون، التي اكتسبت وزنًا وثقلاً منذ اليوم الأول الذي ظهرت فيه، واتجهت إليها الأنظار، الصورة البصرية، السينما، الفن السابع، الفن الذي له مفعول السحر، القدرة العظيمة على الغوايةِ، الإفصاح عن الأيدلوجيات المختلفة، التعبير عن البيئة الخارج منها الفنان أو المخرج أو كاتب النص.
السينما الإيرانية خرجت من الحيز الضيق التي كانت ترتكن فيه، تختفي داخله، صارت عالمية، دولية، تنل جوائز في كافة المهرجانات، أوسكار، كان، مهرجان فيينا، وخلافه وخلافه. السينمات تأخذ من بعضها، المخرجون ينظرون للتجارب الأخرى، الكُتاب كذلك.
وهنالك ارتباط وثيق فيم بين السينما الإيرانية والسينما العربية – وخصوصًا المصرية – وعن هذه العلاقة يُقول المترجم عن الفارسية والقاص والروائي غسان حمدان: “تمتاز السينما الإيرانية بالمواضيع الإجتماعية والهموم المحلية،صحيح أن ما من صانع فيلم لا يفكر بالمردود المادي لإنجازه السينمائي، ولكن الأفلام الجادة والرصينة أكثر من التجارية.
ولا ننسى أن أغلب الأفلام العربية وخاصة المصرية، فضلاً عن كونها تجارية أو كوميدية، فهي النسخة العربية لأفلام الدول الأخرى كالولايات المتحدة وفرنسا وحتى الهند.
بعبارة أخرى فإن الأفلام الإيرانية كتبت بأفكار إيرانية وليست مترجمة؛ فمهمتها هي إظهار البيئة الإيرانية على أكمل وجه.
وعلى سبيل المثال فإن أفلام (كيا روستمي) تجري أحداثها في بيئة قروية، إلا أنها لا تندرج في إطار القرية وإنما لها نظرة معرفية على العالم وكأنها نافذة تحاول الإنفتاح على الجميع. ولأفلامه رموزه الخاصة كالطريق والحركة، ولكن في الوقت نفسها تخلو من النظرة المتحمسة والصاخبة. على كل حال، فإن الأمر يختلف من مخرج إلى مخرج آخر، إذ لكل من المخرجين ذهنيته الخاصة وأسلوبه المتميز.
وهنا أود أن أضيف، صحيح أن السينما الإيرانية بدأت منذ أكثر من مئة سنة ولكن، بعد تغيير النظام توقفت لتبدأ من جديد برؤية جديدة، فإهتمام الحكومة قد انصب على الأفلام الحربية ودعمها، في مقابل الأفلام الفنية الجادة التي كان يخرجها شلة من مخرجي النظام السابق، مثل داریوش مهرجویي وناصر تقوایي بود ومسعود کیمیایي، و بهرام بیضایي حيث قدموا رؤية جديدة بإبتكار يناسب البيئة والثقافة تجعل المشاهد يعيش في أجوائها.
وفي الحقيقة إن السينما الإيرانية خليط من السينما الواقعية الإيطالية والسينما الفرنسية الحديثة بمدارسها المتنوعة، ويمكننا إضافة أجواء قصائد الشعراء الحداثيين أيضاً، إذ قام بعض المخرجين وكتاب السيناريوهات بتقديم أفلام عن نصوص شعرية.”
بعد سقوط النظام الملكي القديم، وظهور وبزوغ الجمهورية الإسلامية، تغيرت السينما الإيرانية، وعليه يُخبرنا السيناريست والكاتب والمسرحي تامر عبد الحميد: “بصفتي مهتمًا بالسينما في المقام الأول، فأنا متابع جيد للمنجز السينمائي الإيراني، وأراها دليلاً دامغا على قدرة الفن عموما والسينما تحديدا في تجاوز الحدود وخلق مساحات للتعبير عن الأفكار الخاصة التي ربما كانت ضد السائد والمألوف رغم محاولات القمع والتضييق والأدلجة وفرض السطوة”.
وأضاف: “بزغ نجم السينما الإيرانية مع صعود الجمهورية الإسلامية، وكأن السينما هنا هي سلاح أخير للمقاومة، فرأينا أفلاما تعكس أزمات الإنسان المجردة، وتحوي مستويات عديدة في التلقي، تصطدم في بعضها مع السلطة الإيرانية نفسها دون صوت عالٍ أو ضجيج، فلا تملك السلطات منعها، وتجد فيها أجيال من السينمائيين ضالتهم في البوح والتعبير”.
أما عن أكثر الأسماء البارزة التي تمثل علامة فارقة في السينما الإيرانية، والتي كان لها أكبر التأثير عليه، فيضيف الناقد والروائي والقاص ممدوح رزق: “هناك أسماء تمثل علامات بارزة بالتأكيد في تاريخ السينما مثل (عباس كياروستامي)، و(جعفر بناهي)، و(أصغر فرهادي) وآخرين، كما توجد تجارب مميزة للغاية على مستوى الأفلام القصيرة لمخرجين مثل (فريد حميدي)، و(باباك أنفاري) والعديد من الأسماء الأخرى”.
وعن أهمية السينما الإيرانية فيقول القاص إسلام عشري: “السينما الإيرانية تعتبر من أهم المدارس الشرق أوسطية في ذلك المجال، وأفلامها تساير العصر ولها درجة لا تقل من حيث الجودة وقوة الأفكار ربما أقوى وأعمق كذلك من أي أفكار متواجدة على الساحة العالمية”.
لتظل في النهاية السينما الإيرانية لها ثقل ووزن، ولها تأثير كبير على الأدباء العرب، استفادوا منها على كافة المراحل، كانت لها أثر على الحياة الأدبية والفنية.