هدد الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني إذا لم توافق طهران على إعادة التفاوض بشأن شروطها في ربيع هذا العام. ولكن بدلا من خرق الاتفاق النووي، يجب على إدارة ترامب العمل على دعم احتجاجات إيران القادمة، التي من المرجح أن تجلب تغييرا إلى طهران أكثر مما سينتج عن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي.
وعلى مدىار الأسابيع القليلة الماضية، تسبب القمع الإيراني والرقابة على الإنترنت في إعاقة الاحتجاجات الواسعة الانتشار في أواخر الشهر الماضي والتي هزت السياسة الإيرانية وحظيت بدعم عالمي. ولفتت الأحداث المتصاعدة بشكل سريع انتباه الكثيرين في واشنطن على حين غرة حيث كافحوا من أجل إيجاد فرص لمساعدة المتظاهرين، ويعد هذا نمط شائع جدا عندما يتعلق الأمر بإيران. ولكن الضغوط الكامنة التي جلبت المتظاهرين إلى الشوارع، مثل انخفاض الأجور والبطالة والفساد الحكومي، لا تزال قائمة. والآن قد حان الوقت لإدارة ترامب لضمان أن الولايات المتحدة ستكون مستعدة عندما يعود الإيرانيون للمطالبة بالتغيير.
وليس من قبيل الصدفة أن تيليجرام، وسايفون، والعديد من التطبيقات والأدوات الأخرى على الانترنت وذات الشعبية في إيران لم يتم صنعها في الولايات المتحدة، حيث تستمر العقوبات في منع الشركات الأمريكية من إتاحة العديد من التقنيات الأكثر شعبية في العالم في إيران. وفي كثير من الأحيان، يجد أولئك الذين يسعون جاهدين لتحسين عملية الاتصال بالإنترنت في إيران أنفسهم محظورين بموجب اللوائح الأمريكية. ويجب على إدارة ترامب أن تضع حدا لهذه القيود التي تضر بملايين الإيرانيين العاديين والذين تأمل الولايات المتحدة في أن يقودوا جهود الإصلاح في إيران يوما ما.
يذكر أنه كان هناك دعم من مؤيدي الحزبين للوصول إلى الإنترنت في إيران على مدار العقد الماضي. وفى كلمته الاولى أمام الامم المتحدة، أدان ترامب القيود التى تفرضها الحكومة الإيرانية على الوصول إلى الإنترنت والتليفزيون الفضائى. وخلال الاحتجاجات دعت وزارة الخارجية إيران إلى فتح عملية الدخول على شبكة الإنترنت، وبعد أن قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن الايرانيين يجب أن يكونوا قادرين على الوصول إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حث مسؤول كبير في وزارة الخارجية طهران على أن تحذو حذوه.
ومنذ عام 2013، أصدرت الحكومة الأمريكية تراخيص تسمح للشركات الأمريكية بتوفير أنواع معينة من تكنولوجيا الاتصالات الشخصية في إيران. على سبيل المثال، تسمح التراخيص للشركات الأمريكية بتوفير بعض تطبيقات وأجهزة الاتصالات الشخصية داخل إيران. وهذا يسمح للشركات بتوفير برامج مكافحة الفيروسات وغيرها من أدوات الرسائل الآمنة التي قد تحد من قدرة الحكومة الإيرانية على التجسس على شعبها.
ورغم ذلك، فهذه التراخيص القائمة تحتوي على ثغرات تنقض من فائدتها بالنسبة للشركات الأمريكية التي تسعى إلى الانفتاح على المستخدمين الإيرانيين. وعلى سبيل المثال، يبدو أن عنصرا مهما في إشارة تطبيق المراسلة الشهير في الولايات المتحدة قد تم حظره لأنه يعتمد على منتج من منتجات جوجل، وهو محرك تطبيقات جوجل، والذي يعتبر غير متوفر بسبب مخاوف متعلقة بالعقوبات.
وبالمثل، في أغسطس الماضي قامت أبل بإزالة مئات التطبيقات الإيرانية المتقدمة من المتجر، وذلك على ما يبدو بعد تحديد أن التراخيص القائمة لم تغطي توزيعهم للتطبيقات المتقدمة الإيرانية. وينبغي لسياسات الترخيص في الولايات المتحدة أن تدعم عملية الاتصال بالإنترنت، وأن تعزز الاستراتيجيات الإبداعية لدعم حرية التعبير، وتمكين أصحاب المشاريع الإيرانيين، بدلا من فرض عقبات لا تفيد سوى النظام.
جدير بالذكر أن التراخيص الموسعة ليست سوى جزء من الإجابة، حيث يتطلب الوضع كذلك تعاونا أفضل بين الحكومة الأمريكية وشركات التكنولوجيا التى تصارع قضايا العقوبات الصارمة. والعديد من الشركات الأمريكية تتوخى الحذر في مسألة توفير المنتجات في إيران، لأنه حتى لو كانت التراخيص القائمة تسمح للشركات بتوفير منتجات معينة هناك، فإنها تخشى من تداعيات إذا وجد الأشخاص الخطأ وسيلة تمكنهم من استخدام هذه المنتجات.
ويتوقع منظمو العقوبات بشكل عام من البنوك والشركات الأمريكية عدم القيام بأعمال تجارية مع الحكومة الإيرانية أو الأفراد الموقع عليهم العقوبات تحديدا في إيران. ولكن شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة التي تقدم تطبيقات مجانية أو منخفضة التكلفة ليس لديها طريقة عملية لتمييز المستخدمين الفرديين بشكل موثوق وغربلة أولئك الممنوعون من استخدامها.
ونتيجة لذلك، تجد العديد من الشركات الأمريكية أنه من السهل منع جميع المستخدمين في إيران بدلا من مخاطرة التعرض للغرامات والعقوبات الأخرى المكلفة. وتحتاج السلطات الأمريكية إلى إعطاء القطاع الفني توجيهات واضحة وعملية بشأن مستوى العناية الواجبة الذي يجب أن تتخذه شركات التقنية في إيران، وأن تمتنع عن مقاضاة الشركات إذا تمكن عدد قليل من الكيانات الموقع عليها عقوبات من استخدام منتجاتهم على الرغم من اتخاذ الشركة خطوات العناية الواجبة والمناسبة.
وفي النهاية، لا سيما في ضوء المطالب الاقتصادية التي دفعت العديد من المحتجين، يجب على إدارة ترامب توسيع التراخيص للسماح لشركات التكنولوجيا الأمريكية بالتدريب والقيام بأعمال أخرى مع أصحاب المشاريع التكنولوجية الإيرانيين والشركات الصغيرة، وهو عمل لا تسمح به التراخيص القائمة. وكثير من الشباب الإيرانيين ذوي خبرة في مجال التكنولوجيا ويرحبون بفرصة إقامة علاقات أكبر مع قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة.
وكثيرا جدا ما تحظى نوافذ الاحتجاج والتغيير السياسي في إيران بالاهتمام الدولي، إلا أنها تتلاشى فقط بعد أن تقوم الحكومة الإيرانية بقمعها. ومن شأن تمكين شركات التكنولوجيا في الولايات المتحدة من المساعدة في حماية الإنترنت أن يبعث برسالة قوية تفيد بأن إدارة ترامب تقف بحزم مع الشعب الإيراني وضد النظام الإيراني. وبشكل أعم، فالسعي إلى بذل جهود جسورة لضمان أن العقوبات الأمريكية لا تعرقل الوصول إلى الإنترنت والتطبيقات وغيرها من الأدوات الرقمية في إيران يمكن أن يخلق نموذجا لضمان أن العقوبات التي تفرضها الحكومة الأمريكية على الأنظمة القمعية في أماكن أخرى لا تتدخل في قدرة الناس على التواصل عبر الانترنت. ويجب على وزارة الخارجية والخزانة تعزيز الوصول المفتوح والاتصالات الآمنة في جميع أنحاء العالم كجزء من التزامها العالمي بحماية الإنترنت المفتوح.