لاشك أن الاحتجاجات التي شهدتها إيران مؤخرا ترتبط بشكل كبير باقتصاد تلك الدولة، حيث كشف هتافات المتظاهرين الأوضاع المالية والاقتصادية للشعب من غلاء أسعار وبطالة و غياب العدالة الاجتماعي، ما يعكس الصورة السلبية للاقتصاد الإيراني، فرغم رفع العقوبات على طهران من 2015 إلا أن الأوضاع المعيشية لم تتحسن.
وكل من خرجوا في الاحتجاجات، طالبوا أساساً بتحصيل حقوقهم بعد أن خسروا أموالاً قرروا استثمارها في مؤسسات مالية من المفترض أن الحكومة كانت قد رخصت عملها، كما رفعوا شعارات تنتقد تصرفات الرئيس حسن روحاني وسياساته الاقتصادية، لا سيما أنه قدّم موازنة للبرلمان أكد فيها رفع أسعار المحروقات، وهو ما تزامن مع ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية الرئيسة.
وحدد خبراء الاقتصاد أسباب عدم تحسن الأوضاع الاقتصادية للشعب الإيراني رغم رفع العقوبات الدولية عن إيران
فترة العقوبات
يقول الدكتور فخري الففي، الخبير الاقتصادي ومستشار صندوق النقد الدولي، إن «ما آلت إليه أوضاع الاقتصاد الإيراني منذ تشديد العقوبات عليها في عام 2011، أجبر القوى الدولية على حظر استثمارات الشركات العالمية في قطاع النفط والغاز الطبيعي الإيراني، بالإضافة لحظر استيراد المنتجات النفطية، ويستثنى من استيراد النفط والغاز الطبيعي بعض الدول الأوربية والآسيوية».
وأضاف الفقي، في تصريح لـ«إيران خانة» :إن «الاقتصاد الإيراني تعرض لاستنزاف حاد، وأثقل بأعباء مالية كبيرة، لم يستطع التكيف معها لاحقاً، وكان التدهور الاقتصادي أحد الأسباب الرئيسية الدافع الملح للمفاوضات التي بدأتها إيران مع القوى الدولية.
تكيف على التقشف
وأضاف الفقي، أنه بعد إتمام الاتفاق النووي النهائي، شهد الاقتصاد الإيراني تحسن بطئ لكنه لم يصب في مصلحة المواطن الإيراني ولم يشعر به، بسبب تكيف السلطات الإيرانية على سياسة التقشف وأصبح الانفاق على الشعب محدود كما كان في فترة العقوبات».
تمويل الميليشيات
وأشار الفقي إلى أن إيران تمول نحو 15 ميليشيا عسكرية في منطقة الشرق الأوسط، على رأسهم الحوثيين في اليمن، وحزب الله في لبنان، فضلا عن الدعم العسكري المقدم لهم من أسلحة ونفط وغيره من البعثات السرية لتقديم الدعم اللوجيستي، كل ذلك يأتي على حساب الاقتصاد الإيراني.
وهناك عدة أشكال للتدهور الاقتصادي في إيران
ملايين جائع في البلاد
كشفت تقارير للمعارضة الإيرانية، أن مشاكل قطاعات واسعة من الإيرانيين لاعلاقة لها بالأزمات السياسية مع العالم الخارجي، أو صواريخها وبرامج التسلح، بقدر علاقتها بالقوت وتأمين الخبز يومياً في ظل معاناة 6 ملايين جائع في البلاد، وفق ما نقل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية.
دخول ضعيفة
وكشف المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، أنه اعتمد على ً على تصريحات النائب في البرلمان الإيراني، محمد إسماعيل سعيدي، الذي أكد أن «6 ملايين إيراني على الأقل يعانون الأمرين، لتأمين الغذاء يومياً في بيوتهم، ويُهدّدهم الجوع كل يوم، في الوقت الذي لا يتجاوز فيه دخل المتقاعدين شهرياً 6 ملايين ريال، أي 198 دولاراً».
تفاوت في توزيع الثروات
وكان وزير التعاونيات والعمل والترفيه علي ربيعي، أكد في كلمة له في مؤتمر للأطباء في طهران، أن«جدول توزيع الثروات في إيران يكشف تفاوتاً حاداً بين السكان، وأن ما بين 4 و5 ملايين شخص، يعانون من سوء التغذية».
وكشف البنك الدولي، في نوفمبر الماضي، أن الهوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء في كثير من دول شرق آسيا النامية تهدد أسس نجاح المنطقة اقتصاديا.
وقال سدير شتي، كبير خبراء الاقتصاد في البنك لمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، ان «الأساس الشامل لنجاح شرق آسيا كان الشعور بأن كل شيء كان عادلا — تعمل بجد فتتقدم. لكن ذلك بدأ يتلاشى قليلا».
10 مليون في العشوائيان
علن وكيل وزارة الداخلية الإيرانية، مرتضى مير باقري، أن «ما يقارب 10 ملايين إيراني يعيشون في العشوائيات بضواحي المدن»، وهي المناطق الفقيرة التي تقطنها الفئات الفقيرة من المجتمع ذات الدخل المعدود أو العاطلة عن العمل.
ووفقا لوكالة «إيسنا» للطلبة الإيرانيين، فقد أكد مير باقري أن «العشوائيات منتشرة بشكل واسع في العاصمة ومراكز المحافظات أو المدن ذات الكثافة السكانية».
وعبر وكيل وزارة الداخلية الإيرانية عن قلقه مما وصفه بـ«استغلال الأعداء لسكان المناطق العشوائية التي تنتشر فيها المشاكل والمعضلات الاجتماعية والثقافية” على حد تعبيره.
وينتقد ناشطون إيرانيون دوما انتشار الفقر والحرمان وعدم التنمية في البلاد في وقت ينفق النظام الإيراني مليارات الدولارات على دعم حلفائه في المنطقة كنظام الأسد ودعم الميليشيات المسلحة التابعة لطهران في المنطقة والعالم.
وما يلي نرصد خريطة الثروات الإيرانية
اقتصاد إيران يعتمد بصفة أساسية على الصادرات من النفط والغاز الطبيعي حيث شكل نسبة 70% من عائدات الحكومة في عام 2008، ولدى إيران قطاع عام قوي حيث يشكل نسبة 60% من الاقتصاد ويدار بطريقة مباشرة ومخطط مركزياً عن طريق الدولة.
ويتميز الاقتصاد الإيراني بعدد كبير من المؤسسات الدينية, والتي جمعت ميزانياتها لتشكل نصف الحكومة المركزية، مزيج من الرقابة على الأسعار والدعم ، وخاصة على المواد الغذائية والطاقة، التي لاتزال تشكل عبئاً على الاقتصاد، والضوابط الإدارية، تفشي الفساد، وغيرها مما يقود نمو القطاع الخاص إلى الجمود.
القطاع النفطي
و تمتلك إيران رابع أكبر احتياطي عالمي من النفط الخام، وثاني احتياطي عالمي من الغاز الطبيعي.،وعلى الرغم من احتياطيات البلاد الوفيرة، إلا أن إنتاج إيران من النفط والغاز الطبيعي، تباطأ بشكل كبير على مدار السنوات الماضية، بفعل تشديد العقوبات المفروضة عليها من القوى الدولية منذ أوائل عام 2011.
وتطل إيران على مضيق هرمز من الشمال عبر محافظة بندر عباس، وللممر المائي أهمية عالمية لتجارة النفط العالمية، إذ يمر به نحو 17 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات المكررة (2013)، أي ما يقارب ثلث تجارة النفط المنقولة بحراً، وحوالي 20% من إجمالي إنتاج النفط العالمي، وعلاوة على ذلك، يمر به قرابة 3.7 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يمثل أكثر من 30% من تجارة الغاز الطبيعي المسال العالم.
صناعة السيارات
كانت صناعة السيارات ثاني أكثر الصناعات نمواً في البلاد، قبيل تشديد العقوبات الدولية عليها في 2012، ووصلت الصناعة ذورتها التاريخية في عام 2009، عندما استحوذت على إنتاج 46% من جميع السيارات المنتجة في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتعتبر إيران حاضنة تاريخية لصناعة السيارات منذ ستنيات القرن الماضي، عندما تأسست شركة إيران خوردو الصناعية “آيكو” عام 1962 في طهران، والأخيرة تعد أكبر منتج للسيارات في إيران، وتوفر مجموعة سايبا للسيارات، بجانب آيكو 96% من مبيعات السيارات المحلية.
قطاع الزراعة
تعتبر إيران من كبار المصدرين للكافيار والفستق والمكسرات، ويدعم مناخ البلاد والتضاريس أيضا زراعة التبغ والشاي والقمح والشعير، ولكن، يواجه الإنتاج الزراعي في إيران مشكلة دائمة من دورات مستمرة من الجفاف وشح المياه.
وتتفوق قيمة صادرات الفستق الإيراني قيمة الأسمنت والمعادن الثمينة المصدرة، وتقدر الصادرات السنوية الإيرانية من الفستق نحو 1.5 مليار دولار، ويأتي إنتاجها في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة بقيمة 375 ألف طن متري خلال عام 2013.
قطاع الصلب
تعد إيران أكبر منتج للصلب في الشرقالأوسط، ومن بين كبار المنتجين على الصعيد العالمي. وعلى الرغم من ارتفاع مستويات الإنتاج المحلي، لازالت إيران مستوردا صافياًللصلب، وذلك جراء نمو الطلب على الصلب في الشرق الأوسط من ناحية، وارتفاع الاستهلاك المحلي بسبب الاستثمارات في البنية الأساسية في مشروعات الطاقة والتوسع في نشاط البناء، من ناحية أخرى .
وتنتج إيران 16.3مليون طن إنتاج الصلب الخام في عام 2014، لتحتل المرتبة 14 عالمياً، وتتخطى كلا من مصر والسعودية التي احتلتا المرتبة 24 و25 عالمياً على التوالي.