كان سعر الفائدة المدفوع على حساب الادخار في مؤسسة كاسبين للتمويل والائتمان في طهران 25 في المائة، والذي كان يعد عائدا أفضل مما يمكن أن يكسبه مهرداد أسغاري يمكن من الاستثمار في أعماله الخاصة كاستئجار معدات البناء. ولذلك في ديسمبر 2016، انتهز الفرصة، وقاك بإيداع 42،000 دولار في حساب للتوفير.
وقبل وقت طويل، توقفت كاسبين عن السماح بعمليات السحب. وبعد ثلاثة أشهر، توقفت عن دفع الفائدة. وأخيرا، في مايو، أغلقت أبوابها إلى الأبد لتصبح واحدة من أكبر المؤسسات في سلسلة طويلة من المؤسسات المالية الإيرانية الفاشلة في السنوات الأخيرة. وقد دمرت عمليات الإغلاق مدخرات الآلاف من الناس، وأدت إلى تعريض النظام المصرفي للخطر، وساعدت على إشعال الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي أفسدت البلاد في أواخر العام الماضي.
يذكر أن المظاهرات التي استمرت أسبوعا في جميع أنحاء إيران، والتي تمركزت في مدن وبلدات الطبقة الدينية المحافظة والعاملة بالإضافة إلى طهران، كانت تمثل أوسع عرض لحالة الاستياء منذ احتجاجات الحركة الخضراء في عام 2009، عقب انتخابات رئاسية متنازع عليها. ولم يكن سيل الغضب موجها الى الرئيس حسن روحاني فحسب، والذي فاز بعد إعادة انتخابه ووعد بتنشيط الاقتصاد، بل كانت موجهة ايضا للمرشد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي. وتم إلقاء القبض على آلاف الأشخاص وقتل 25 شخصا، وبعضهم، كما يقول أسر الضحايا يقولون، في أيدي سجنانيهم.
وقال أسغاري مؤخرا، مشيرا إلى مؤسسة كاسبين، “لقد أصبت بحالة غضب وقمت بسبهم”، مضيفا أنه انضم إلى المودعين الآخرين في المظاهرات التي علم بشأنها في وسائل الإعلام الاجتماعية.
ويقول خبراء الاقتصاد إن سلسلة التعثرات لم تكن فقط نتيجة لممارسات مصرفية محفوفة بالمخاطر، بل تعد أيضا دراسة حالة في الفساد الرسمي، وهو سببا رئيسيا وجده الإيرانيون وراء خسائرهم مما أثار غضبهم بشدة. وقد أثار المسؤولون الإيرانيون سلسلة من التصريحات ألقت باللوم على الضحايا لعدم حرصهم الكافي على أموالهم.
وقد تم السماح للعديد من المؤسسات، بما فيها تلك التي اندمجت في عام 2016 لتشكيل مؤسسة كاسبين، بالمقامرة بإيداع أو إدارة سلاسل بونزي دون عقاب لسنوات، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن ملاكها من نخب ذوي صلات جيدة، وذلك بالمؤسسات الدينية، وفيلق الحرس الثوري الإسلامي و صناديق استثمار أخرى شبه رسمية في الدولة الإيرانية.
وهتف المتظاهرون فى احتجاجات ضد الفشل المالى قائلين، “إذا كان هناك فساد أقل قليلا، ستحل مشاكلنا”.
يذكر أن العديد من المؤسسات الفاشلة أغرقت الأموال في استثمارات تضاربية من خلال وهم العقارات، وأقرضت أصدقاء على صلة جيدة بها أو تقاضي أسعار فوائد ربوية من المقترضين اليائسين. والآن، وجه المنظمون بهدوء العديد من الشركات إلى عمليات اندماج مع بنوك أكبر لمحاولة استيعاب خسائرها، ولكن ذلك أدى إلى تفاقم مشكلة القروض السيئة والمغالاة في الأصول في جميع قطاعات النظام المصرفي.
ويقول الاقتصاديون إن هناك ما يصل إلى 40 فى المائة من القروض المودعة فى دفاتر البنوك الإيرانية قد تكون متأخرة.
وقال بورغان ناراج اباد، الخبير الاقتصادى فى واشنطن والذى درس النظام “إن النظام المالى فى إيران فى حالة هشة للغاية”.
وحذر صندوق النقد الدولي الشهر الماضي من أن البنوك والمقرضين الإيرانيين “بحاجة إلى إعادة هيكلة عاجلة وإعادة رسملة”، ودعا إلى تخفيض قيمة الأصول المغالى في تقييمها والقضاء على القروض المقدمة إلى العالمون ببواطن أمور المؤسسة المالية. وأشار الصندوق إلى أن هذه المشكلة نمت إلى حد كبير، مؤكدا أن الأموال المطلوبة لدعم البنوك ستؤدي إلى زيادة الديون الحكومية ومصروفات الفوائد بشكل ملحوظ”.
وقد اعترف المرشد الأعلى الإيراني، السيد خامنئي، بالمسؤولية عن العدد المتزايد من ضحايا “المؤسسات المالية المشكوك فيها”.
وقال إنه “يجب التعامل مع هذه المناشدات وسماعها”. وأضاف”أنا شخصيا مسؤول، ويجب علينا جميعا اتباع هذا النهج”.
جدير بالذكر أن الفساد الكامن وراء إخفاقات البنك كان سرا مكشوفا منذ فترة طويلة. وفي ديسمبر، أصدر أحد المشرعين، وهو محمود صادقي، وثيقة تتضمن قائمة بأعلى 20 من المدينين الذين لم يتمكنوا من الوفاء بالمواعيد النهائية لتسديد مدفوعات مصرف سرماية الشريك في صندوق للمعاشات التقاعدية للمعلمين. وبلغ مجموع القروض 1،9 بليون دولار، ويبدو أن جميعهم تقريبا يحتجزهم عاملون معروفون.
وكان من بينهم حسين هدايتي، وهو رجل أعمال وعضو سابق في الحرس الثوري، الذي كان صعوده السريع واضحا جدا حيث تكهنت المواقع الإلكترونية حول مصادر ثروته المفاجئة. وأظهرت الوثيقة التي أصدرها المشرع أن السيد هدايتي مدين بـ 285 مليون دولار، وفي برنامج تلفزيوني يناقش القرض، اتهم عضو آخر في البرلمان، يدعى محمد حسن نيجاد، السيد هدايتي باستخدام سلسلة من الشركات التي في الصدارة لتأجيل القروض وإخفاء دوره.
وبعد الثورة الإيرانية في عام 1979، قامت الجمهورية الإسلامية الجديدة بتأميم جميع البنوك في البداية، من بين صناعات أخرى. كما أنشأت مجموعة متنوعة من الشركات القابضة شبه الرسمية التي يسيطر عليها المرشد الأعلى، وكبار رجال الدين أو كبار القادة العسكريين. وعلى مر السنين، تطورت العديد من الشركات إلى تكتلات ممتدة ذات أدوار رئيسية في الاقتصاد الخاص ظاهريا.
كان رجال الدين يسيطرون على المؤسسات الدينية، التي تسمى بنياد، والتي حصلت على أعمالا تجارية. وقال هوشانغ أميرحمادي الخبير الاقتصادي في جامعة روتجرز والذي يدرس شؤون إيران، إن أكبر هذه المؤسسات في عهد المرشد الاعلى، تشكل حاليا ما بين 15 و 20 في المئة من الاقتصاد الإيراني. ويسيطر فيلق الحرس الثوري النخبة على إمبراطورية تجارية منفصلة.
وتتمتع جميع الشركات القابضة شبه الرسمية بمزايا كبيرة عن الشركات الخاصة في الحصول على رأس المال، والإعفاءات الضريبية والروابط السياسية. وقد عانى معظمهم أو جميعهم من اتهامات بعدم الكفاءة وسوء الإدارة، بالإضافة إلى تعامل المطلعين وغيره من أشكال الفساد.
وتحت قيادة الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد، الذي جاء إلى السلطة في عام 2005، سيطرت هيئات شبه رسمية يسيطر عليها رجال الدين، والحرس الثوري أو حلفاؤهم على القطاع المالي الخاص الجديد. وأظهرت دراسة داخلية صدرت في عام 2013 أن هيئات الدولة شبه الرسمية تملك سبعة من أصل 17 مصرفا خاصا. ومن بين هؤلاء، كان الحرس الثوري يسيطر على اثنين على الأقل، في حين سيطر الجيش والشرطة وبلدية طهران ومؤسسة دينية عملاقة قريبة من الحرس على الآخرين.
وقال السير سيمون غاس، الذي كان يعمل سفيرا لبريطانيا لدى طهران في الفترة من 2009 إلى 2011، في مقابلة أجريت مؤخرا “إن مشاركة مؤسسات حكومية غامضة مثل الحرس الثوري تتعارض مع الشفافية، وانعدام الشفافية يعد وسيلة للممارسات المصرفية السيئة”. وأضاف، “يحاول البنك المركزي الإيراني إدخال الانضباط في النظام ولكن بنجاح محدود”.
إن العائدات الضخمة التي وعدت بها المصارف والمؤسسات المالية ذات رأس المال المخادع، والتي قد يكون أفضل لو وضعت في استخدامات أكثر إنتاجية، تسهم في حدوث انكماش اقتصادي ناجم جزئيا عن العقوبات الدولية المفروضة بسبب البرنامج النووي الإيراني. ويقول الاقتصاديون إن ذلك يساعد على تفسير سبب جني معظم قطاعات الاقتصاد الإيراني خارج صناعة النفط الفوائد من إلغاء العقوبات بعد الاتفاق النووي مع الغرب.
وعندما بدأ المقرضون يفشلون على مدار السنوات القليلة الماضية، حاول بعض كبار المسئولين الإيرانيين إلقاء اللوم على المقترضين، مشيرين إلى أن العديد من المؤسسات غير مرخصة رسميا أو مضمونة من قبل البنك المركزي.
وقال المتحدث باسم الحكومة محمد باقر نوبخت في مقابلة مع وكالة الانباء الرسمية “إيلنا”، “كم مرة تريدون أن يلدغكم ثعبان من نفس الحفرة؟ وأضاف أن “المسؤولين أخبروا الناس عدة مرات لكنهم ظلوا يستثمرون”.
وقال محمد باقر ألفت، وهو رجل دين مسلم ونائب رئيس السلطة القضائية، إن المدينين يتقاسمون اللوم مع الدائنون والجهات المنظمة.
وأضاف في تصريح لنفس وكالة الانباء “نعم، قد ضاعت أموالهم، ولكن لا ينبغي أن يتوقعوا من الدولة أن تدفع ثمن خسارتهم”.
ولم يكن رد المسؤولين الحذر في غياب الرقابة والشفافية هو الذي أثار غضب الضحايا فحسب. وفي عام 2016، صُدم الإيرانيون من تسريبات حول المرتبات المرتفعة للمدراء التنفيذيين في الشركات التي تديرها الدولة، بما في ذلك 50 ألف دولار مكافآت مدفوعة لثمانية مدراء لشركة تأمين مملوكة للدولة (عندما يكسب عامل إيراني 200 دولار شهريا).
وفي هذا السياق، كان إصدار مشروع الموازنة التي اقترحت رفع مصروفات رجال الدين وأسرهم في الوقت الذي ألغيت فيه الإعانات النقدية التي تقدر بـ 12 دولار شهريا والمقدمة إلى 30 مليون دولار إلى 30 مليون إيراني، ورفع أسعار الوقود بنسبة 50 في المائة، بمثابة الشرارة التي أشعلت الاحتجاجات.
جدير بالذكر أنهم كانوا مستاءين من قراءة رقم مليوني دولار، أي زيادة بنسبة 9 في المئة، ذهبت إلى ابن الراحل آية الله شهاب الدين محمد حسين المرعشي للانفاق على مكتبة والده، و 15 مليون دولار قدمت لحفيد آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، لنشر أعمال الزعيم الراحل.
ولكن بعض الإيرانيين كان لديهم بالفعل ما يكفي. وعندما قيل للسيد أسغاري في مايو أن مؤسسة كاسبين كانت تغلق دون أن تسدد مبلغ 000 42 دولار، خرج وقام بالاطلاع على تطبيق تيليجرام المشفر، حيث وجد العديد من مجموعات “الخاسرين” الذين تعرضوا لاحتيال كاسبين وغيرها.
وقال “لقد نظمنا مظاهرات أمام مكتبهم الرئيسي”. وفي ظل الضغط، قامت الحكومة في النهاية برد معظم ودائعه الأصلية، ولكنها قامت بخصم مدفوعات الفوائد الثلاث التي تلقاها. (وحاولت الحكومة منذ ذلك الحين حظر استخدام تيليجرام في إيران).
وأضاف آراش تاجالو، 42 عاما، وهو مهندس مدني في طهران، أنه أودع ما يصل إلى إجمالي 414،000 دولار مع مؤسسة كاسبين في ربيع عام 2016، عندما كانت المؤسسة قد اعطته وعودا بمدفوعات فائدة تصل إلى 30 في المئة سنويا. وبدأت كاسبين بتقييد عمليات السحب الخاصة به بعد ستة أشهر، بحجة مشاكل فنية مؤقتة.
وقال في مقابلة عبر “تيليجرام”، “لقد ظلوا يشترون الوقت، أسبوعا بعد أسبوع”.
وأضاف أن الدعوى التي رفعها تم دمجها في دعوى جماعية “نظرا للعدد الكبير من القضايا”. وقال إنه انضم إلى الاحتجاجات أمام البرلمان والقصر الرئاسي ومقر المرشد الأعلى، وشارك في اعتصام لمدة 33 يوما خارج سراي المحكمة.
وقد وعدت كاسبين بسداد نحو ثمن ودائعه الأصلية، لكنه لم يرى أي شيء منها.
وقال “ما زلنا لم نتلق ودائعنا او الفائدة عليها لمدة 13 شهرا”.