إيران لا تزال وستظل تحفل بالعديدِ من الأدباء، الذين إلى اللحظة الحالية لم يتم تسليط الضوء عليهم بالقدرِ الذي يليق بما فعلوه في حياتهم، بما كتبوه، بمنجزاتهم الثقافية المختلفة في كُل الميادين، فالحضارة الإيرانية مثلها مثل الحضارة العربية، لها تراث قديم وكبير، الجيل الجديد لهو إمتداد لصبغة القديم.
ولكن طمس هوية بعض الأدباء، بعض المثقفين راجع لعدة عوامل كثيرة ومختلفة، وبسببها تنطلق النظريات والتحليلات الكثيرة، حيث من الممكن أن يكون ذلك بسبب القاريء نفسه، وسلطته القوية التي يستخدمها في الجري وراء المشهور، المعروف، الذي تحفل به رفوف المكتبات، يتناقل اسمه بين الأسماع بلا داعِ- أحيانًا-، وهذا الرسوخ المجتمعي قد أكتسب بسبب دزينة من القُراء، العاملين داخل دار النشر ذاتها التي تعمل على تسويق العمل بشكل لائق، إحتفاء كبير، فهي تعرف جيدًا معني التسويق لأي منتج كان.
ومن بين الأدباء الغير محتفى بهم على القدر الذي يليق بما فعله، هو الإيراني المشهور نادر إبراهيمي.
وُلد إبراهيمي في إبريل عام 1936م في طهران، أبوه هو عطاء الفلك إبراهيمي الذي ينحدر من سلسال إبراهيم خان حاكم كرمان في العصر القاجاري، وهذا السلسال القوي، والكبير الذي لا يزال معروفًا إلى الآن في كرمان، قد أثر على الطفل الصغير وهو ابن الثالثة عشرة، حيث في هذه السن الصغيرة بدأ نشاطه السياسي ونضاله ضد نظام الشاه، وعلى إثر ذلك تم إعتقاله.
بدأ نادر إبراهيمي دراسته الجامعية في كُلية الحقوق ولكن سُرعان ما طُرد منها بسبب نشاطه السياسي الذي كان يميل به في شبابه إلى التيار اليساري للحكم البلهوي والذي يُنصر المظلومين ويدافع عن العمال، فيدخل كُلية الآداب ويستطيع فيها أن يحصل على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي، ليكون هذا التعليم، وهذا الأدب الإنجليزي متكأ يستند عليه فيم هو قادم من حياته.
من المؤكد أن الإنغماس داخل عِدة أعمال تُكسب الإنسان فضيلة رؤية العالم من منظورات مُختلفة، وبالتالي عند كِتابة الإبداع، يظهر ويتجلى هذا الإنغماس، وهذا ما حدث مع إبراهيمي حيث أنّه بعدما تخرج عمل في العديد من المجالات المُختلفة عن بعضها البعض، لا تمت إلى بعضها بصلة، ولكن داخل مُنجز الإنسان الفرد، تعني الكثير، عمل في الصحراء، في المجلات، عامل طباعة، كمحاسب ومصرفي، كمترجم، محرر، بائع كُتب، خطاط، رسام، كاتب مقالات، … وغيره وغيره، كل هذا الأمور، كل هذه خبرات قد عمل على ترسيخها داخل نفسه، واستخدام المُرسخ عندما يحين الوقت المناسب له.
بالرغم من الإنخراط في السياسة وتمكنها من كُل فترات حياته – تقريبًا- إلا أن الكتابات الأولى التي ظهرت له كانت في ميدان الكتابة للأطفال، التي تتطلب أن تكون طفلاً من الداخل، أن تفكر بروح الطفل، لا تفكر في الأيديولوجيا أو الماركسية الجدلية ونحو ذلك من أمور.
ومثلما كان مُجربًا في حياته العملية، اشتغل في عِدة أماكن، كذلك كان الحال في حياته الإبداعية، مُتنوع، مُحب للتجريب، يدخل بعنف وبقوة وبقلم قوي داخل الميادين المختلفة، لا يهاب شيء، لا يخاف، يُقبل بشغف الحالة التي يكتب عنها.
حيث أنّه نشر أو كِتاب وكان عبارة عن مجموعة قصصية (منزل لليل) الذي نٌشر عام 1963م وهو ابن السابعة والعشرين من عمره.
كتب الروايات الطويلة الملحمية، ومن أشهر رواياته ، والتي اكتسبت شهرتها بعدما تحولت إلى مسلسل تلفزيوني وهي رواية (نار بدون دخان) والتي تقع في سبعة مجلدات، أما الرواية نفسها فهي تقص عن معاناة التركمان والنضال الطويل، وكان الهدف الرئيسي من كتابة الرواية هو إظهار تاريخ الأكراد كما هو، وبسبب هذه الرواية أُطِلق عليه لقب ” أفضل كاتب خيال في الـ 20 سنة بعد الثورة”.
كتب للأطفال كذلك عِدة كُتب منها على سبيل المثال ( بعيدًا عن المنزل) و(قصة زهور السجادة)، كتب للمسرح، كتب حوالي خمسة أفلام والتي أخرج بعضها بنفسه، بل إنّه كتب الشعر كذلك.
يبدو عليه أنّه كان يُحب الأطفال جدًا للدرجة التي بسببها أسس مؤسسة تهدف لدراسة القضايا الخاصة بالأطفال والشباب تحت مسمى “همكام با كودكان ونوجوانان ” أي ( مسايرة الأطفال والشباب). حاضر في علم الفن والسينما وتحليل الأفلام وعلم الجمال وخلافه من العلوم الجمالية والفنية المختلفة.
طبيعي أن يحصل على العديد من الجوائز في مختلف الميادين، فلقد حصل على شهادات تقدير من هيئة اليونسكو، جائزة كُتاب السنة في إيران، جائزة براتيسلافا الأولى .
عانى نادر إبراهيمي في حياته كثيرًا، تنقل في الكثير من ميادين الإبداع، ليأتي وهو في الثانية والسبعين من عمره، في 5 يونيو 2008م يطوي صفحة حياته بعد صراع طويل من المرض استمر لتسع سنوات.