ارتفعت موجة من الاحتجاجات في أنحاء إيران بدءا من 28 ديسمبر الماضي، حيث أفادت التقارير أن 75 مدينة على الأقل كانت تواجه مظاهرة واحدة أو أكثر خلال الأسبوع الأول. وبعد فترة وجيزة من بدءها، هرع المعلقون إلى إسناد الاحتجاجات إلى مظالم مختلفة، بداية من انهيار خطط مصرفية مثل بونزي ومزاعم حول فساد الميزانية وصولا لارتفاع أسعار البيض والبنزين. ومع ذلك، تشير أبحاث إلى أنه بدلا من المظالم وحدها، كان النذير الذي تم التقليل من شأنه فيما يتعلق بالاحتجاجات هو تعزيز المظاهرات والتجمعات من قبل المعلمين والعمال والنقابات العمالية وجمعيات المجتمع المدني.
وقبل الاحتجاجات الأخيرة، تم انشاء مجموعة بيانات مفصلة عن الاضطرابات العمالية في إيران من عام 2012 حتى عام 2016. وباستخدام الصحف المحلية الموثوقة التي تضمنت معلومات عن هذه المظاهرات، تمت ملاحظة الموقع والتاريخ والجهات الفاعلة ذات الصلة واستجابة الشرطة لأي حدث فيه 10 مشاركين أو أكثر من الناس. وتشمل قاعدة البيانات احتجاجات من قبل المعلمات والمحالين للتقاعد والعمال العاطلين عن العمل، وذلك على سبيل المثال لا الحصر. ومن خلال دراسة هذه السنوات من الاحتجاجات في ضوء موجة الاحتجاج الأخيرة، تظهر بعض الأنماط الرائعة.
ما الذي حرك هذه الاحتجاجات؟
يذكر أنه كثيرا ماذكرت التحليلات الإعلامية الأخيرة لإيران المظالم الاقتصادية للاحتجاجات من 2017 حتى 2018. ورغم ذلك، لاحظ باحثو الحركات الاجتماعية منذ فترة طويلة أنه لا يوجد مسار مباشر يؤدي إلى التدهور الاقتصادي والتعرض العام للاضطرابات السياسية والحشد الجماعي. والواقع أن الاحتجاج لا يحدث بالضرورة، أو حتى عادة، عندما تكون الاقتصادات في أسوأ حالاتها. إن ثورة إيران في عام 1979، والانتفاضات العربية في عام 2011، واحتجاجات منتزه غيزي بتركيا في عام 2013، تبعها جميعا طفرة في النمو الاقتصادي. وفي الفترة من 2016 إلى 2017، ارتفع إجمالي الناتج المحلي من القطاعات غير النفطية في إيران بنسبة تصل إلى حوالي 6 في المائة، على الرغم من أن هذا النمو يبدو أنه كان يتم التمتع به بشكل غير متساو من قبل مجموعات الدخل المتوسطة والعليا في إيران.
وقد كان هناك تحليلات آخرى تقلل من شأن موجة الاحتجاج الأخيرة، مشيرة إلى معالمها غير المنظمة والقروية وعدم وجود قيادة لها. وعندما تم الوصول إلى بعض الأشخاص في طهران، قالوا إنهم لا يستطيعون فهم المعنى الكامل للمظاهرات أيضا. ولكن هذا لا يعني أن موجة الاحتجاج الإيرانية الأخيرة ليس لها أهمية. وبعيد عن ذلك. وكما قال باحثون بارزون، فإن الاحتجاجات لا تزال تؤثر بشكل قوي حتى عندما تفتقر إلى شبكات كانت موجودة مسبقا أو تحظى بموافقة جماعية حول المظالم. وتنبع قوة الاحتجاج المعرقلة للنظام من كيفية تغير الصراعات الشعبية ما هو مسموح به أو مقبول، متحدية القوانين أو الممارسات السائدة التي تسمح بها السلطات عادة. ولم يكن كل من شارك في احتجاجات الأسبوع متشددا ويسعى للإطاحة بالدولة، ولكن معظمهم ربما رأوا أو سمعوا أن القيود على الاحتجاجات العامة قد تغيرت في المدن والبلدات القريبة.
لماذا نرى الاحتجاجات الآن؟
جدير بالذكر أنه من بين 75 بلدة ومدينة حيث تم الإبلاغ عن احتجاج واحد أو أكثر بها في التاريخ بين 28 ديسمبر و 3 يناير، قد شهد جميعهم قدرا من الاضطرابات العمالية في الفترة من 2013 إلى 2016.
وبالإضافة إلى ذلك، وكما يظهر في الشكل 1، فالعدد النسبي للاحتجاجات العمالية يتزايد كل عام. وكان عام 2015 يشهد ارتفاعا ملحوظا في نسبة الاضطرابات العمالية المسجلة، وذلك بسبب مظاهرات المعلمين على مستوى البلاد، والتي امتدت بشكل لم يسبق له مثيل إلى 60 مدينة.
الاحتجاجات تنتقل بعيدا عن العاصمة
يذكر أن هذه الأرقام لا تشمل احتجاجات إضافية بسبب مشاريع الأراضي أو الإسكان أو المياه أو البلديات. ومع ذلك، يظهر نموذج آخر مذهل في البيانات. وكما هو مبين في الشكل 2، انخفضت نسبة الاحتجاجات في طهران بالمقارنة مع بقية البلاد. وبعبارة أخرى، قد كان الاحتجاج الاجتماعي في إيران آخذ في الازدياد منذ سنوات، وانتشر خارج طهران وشمل محيط البلاد.
قدرة إيران على المساومة محليا مع المتظاهرين
من خلال دراسة هذه الاحتجاجات بالتفصيل، نجد أيضا أن الاضطرابات العمالية نادرا ما تنتهي بالعنف. وفي معظم الحالات، حاولت الشرطة المحلية توجيه المحتجين خارج الشوارع وفي التفاوض مع مسؤولي الدولة بشأن قضايا محددة. وقد تم تدريب الشرطة في جميع أنحاء البلاد بشكل متزايد على التكتيكات الروتينية للسيطرة على الحشود منذ معارك الشوارع الدامية في عام 2009، بعد الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في ذلك العام.
وعلى سبيل المثال، في أغسطس من عام 2016، تجمعت مجموعة واسعة من الجماعات الاحتجاجية المختلفة، بما في ذلك ضحايا احتيال البنوك وخريجي الجامعات التقنية ومعلمي رياض الأطفال، أمام مبنى البرلمان في طهران حيث انكسر الباب الأمامي عندما حاول الناس الاندفاع إلى الداخل. وتدخلت الشرطة لكنها لم تهاجم. وبدلا من ذلك، تم إعطاء المتظاهرين مواقع محددة للتجمع حول البرلمان، حيث استمر البعض في الاعتصام حتى يتم السماع إلى مطالبهم.
وقد لوحظ هذا النوع من المساومة المحلية في أماكن أخرى، على سبيل المثال، كما هو الحال بالنسبة للحكومة الصينية وقدرتها على استيعاب آلاف الاحتجاجات سنويا.
وبطبيعة الحال، قامت الشرطة المحلية في إيران بقمع التجمعات العامة في الأسابيع الأخيرة، حيث قتل ما لا يقل عن 25 شخصا وآلاف من الشباب الإيرانيين، الذين كان الكثير منهم على الأرجح من المتفرجين ، قد احتجزوا لعدة أيام أو أكثر. وقد حدث ذلك مع الاحتجاجات العمالية السابقة أيضا، كما حدث في سبتمبر عندما قامت الشرطة بقمع العمال المضربين في المصانع المحلية في مدينة أراك الصناعية. وربما لم يكن من قبيل المصادفة أنه قد تم إلقاء القبض على المتظاهرين في آراك خلال الأسابيع الماضية بأعداد غير متكافئة. ورغم ذلك، فحجم الاحتجاج السلمي الهائل في جميع أنحاء إيران يمثل تحديا خطيرا للاستراتيجيات العلنية لاستخدام منهجي للعنف من قبل القوات الحكومية.
وسواء كان بالإكراه أو التفاوض، لم تتمكن الفصائل السياسية الإيرانية من كبح موجة الاحتجاج الاجتماعي التي ارتفعت على مدار السنوات القليلة الماضية. وكما هو الحال بالنسبة للطفرات السابقة في إيران ما بعد الثورة، فإن هذه التعبئة الشعبية تميل إلى توسيع الشقوق في المنافسة الجارية بين النخبة داخل المؤسسة السياسية في البلاد. وبما أن هذه الفصائل السياسية تتنافس ضد بعضها البعض، وتضع خطوط جديدة للمنافسة، وتحاول تعبئة الدعم الشعبي في السباقات السياسية المقبلة، فقد يؤدي الاضطراب الشعبي من الأسفل إلى خلق مساحات تضطر فيها المؤسسة السياسية الإيرانية إلى الرد بطرق مباغتة مرة أخرى.