ميرزا محمد محمد إبراهيم اليزدي، اشتهر بتخلصه الشعري «فرخي»، ولُقب بـ «تاج الشعراء»، هو شاعر وصحفي وسياسي إيراني، انضم إلى الليبراليين أثناء الثورة الدستورية، عاصر حقبتين مختلفتين لحكم إيران، حيث نهاية الدولة القاجارية، وبداية تأسيس الدولة البهلوية.
ولد في مدينة يزد عام 1889، لأسرة فقيرة من الطبقة العاملة، وقد عانى الفقر واليتم في صغره، تعلم حتى سن السادسة عشر، ثم فصلته المدرسة لأنه نظم أشعار في هجاء المعلمين، لذا اضطر إلى العمل في مخبز، حيث قام بتوصيل الخبز إلى منازل الأغنياء، أما في وقت فراغه فقد كان يقرأ الكتب والمجالات ويقترب من مشاكل الناس ومعاناتهم؛ لذا دافعت أشعاره عن الفقراء والمظلومين والعمال في المجتمع الإيراني.
وقد قال تاج الشعراء عن حياته ” ولدت في عصر ناصر الدين شاه القاجاري، وكانت إيران تقسم كـ لحم الأضحية، ليأخذ كل أمير نصيبه منها، كنت أنظم الشعر عن الناس، عندما وصلت قصيدة لحاكم المدينة، أمر بسجني وتخيط شفاهي بالخيط والإبرة ”
حادثة تخيط فمه
كان يحكم يزد في تلك الفترة “أحمد ضيغم الدولة”، وقد عُرف بظلمه الشديد، فهجاه فرخي اليزدي في عيد النوروز خلاف ما كان يفعل الشعراء في المناسبات والأعياد من مدح، وعندما سمع الحاكم القصيدة أمر بالقبض عليه، وتقيده ثم ضربه بالعصا، وطلب الحاكم إبرة وخيط ليخيطوا له فمه عقابًا له على ما نظمه من شعر مسيء، ثم سجنه.
ثار الليبراليون لهذا الحادث المؤلم، فقامت الحكومة بتكذيب هذا الخبر، لكن يقال أن آثار الخياطة كانت واضحة على فمه.
بعد خروجه من السجن غادر يزد وذهب إلى طهران ،ثم بدأ في نشر المقالات والأشعار ، وأثناء الحرب العالمية الأولى سافر إلى بغداد وكربلاء ما يقرب من العامين، ثم عاد إلى طهران.
أسلوب اليزدي وآثاره الأدبية
أثناء الثورة الدستورية حدث تغييرًا كبيرًا في البنية السياسية والثقافية والإجتماعية في المجتمع الإيراني، و كان هذا نتاج السفر، و رواج حركة الترجمة، والنشر، و ظهور المدارس الأدبية الجديدة، وبالتالي تغيرت لغة النثر والشعر، وفي هذا الوقت تحديدًا صار فرخي اليزدي من أبرز شعراء تلك الفترة، وتميز أسلوبه بثلاث مستويات:
المستوى اللغوي
حيث اتسم أسلوبه باستخدام كلمات عربية و أجنبية، وكلمات جديدة لم تكن مستخدمة من قبل، وكلمات فارسية قديمة، وعبارات عامية.
كما استخدم المترادفات في الشطر الواحد، وتقديم الفعل رغم أن الجملة الفارسية تبدأ بالفاعل وتنتهي بالفعل. وأكثر من استخدام الاستعارات، والكناية، والتشبيه، والتكرار، والتضاد.
وهنا يكمن سر تميز فرخي اليزدي، إذ اهتم بمشاكل الوطن وطبقاته المهمشة، فكان لكل شاعر حبيبة يتغنى بها، وكان لفرخي حبيبة هي إيران، إذ كانت أكثر الكلمات استخدامًا في قاموسه الشعري كلمات كالحرية، و العدل، والقانون، والجهل في قصائده، و تصوير معاناة العمال والفقراء، ومحاربة العنصرية والطبقية، و ازدياد النفوذ الأجنبي، و سلطة أصحاب رأس المال.
وقد جمعت قصائده في ديوان باسم “ديوان فرخي يزدي”
جريدة الطوفان
أسس فرخي اليزدي جريدة “الطوفان” عام 1922، غير أنها توقفت أكثر من خمسة عشر مرة، ثم كان يعاد إصدارها. ورغم هذه العثرات، إلا أنها تميزت بالمقالات الهامة التي كانت تنشر بها خاصة المقالات الناقدة للسلطة، والشعر، إلى جانب أنه كتب فيها كتاب مهمين مثل ملك الشعراء بهار و أحمد كسروي.
وبعد إغلاقها انتخب اليزدي عضوًا لمجلس الشورى المحلى عن يزد، ولم يخش من توجيه انتقاداته للحكومة والأعضاء حتى أعلن رفضه لقانون يسمح للبنك الانجليزي بشراء الأراضي الإيرانية، إذ كان ذلك في رأيه ستيجعل إيران كشركة الهند الشرقية، واعتبر هذه اللائحة مقدمة لاستعمار إيران وجعلها مستعمرة إنجليزية جديدة.
فمُنع من دخول المجلس حتى انتهاء فترته الإنتخابية، لذا فر إلى موسكو، ثم ألمانيا، وفي النهاية عاد إلى إيران نتيجة لضغوط الحكومة عليه، والفقر.
وفاته
بمجرد عودته إلى طهران، ألقي القبض عليه بتهمة الإساءة إلى الملك، و حكم عليه بالسجن لمدة 24 شهر ثم ارتفع الحكم إلى 30 شهر، فانتقل إلى سجن القصر، وهو الأمر الذي دفعه إلى الانتحار مرة، ولكن تم إنقاذه، ثم جاءت وفاته داخل مستشفى السجن إثر اصابته بمرض الملاريا، لكن عُرف فيما بعد أنه قُتل نتيجة لحقنه بحقنة هواء بواسطة طبيب يدعى أحمدي، ليدفن في مكان غير معلوم، كي لا يصبح قبره معروفًا.
قضى تاج الشعراء آخر أيامه في هذه الزنزانة التي شهدت كتاباته علي جدرانها، رحل وقد قضى عمره كله ما بين السجون والمعاناة والهرب، ولم يتزوج.