بصفته كان قائدا عسكريا كبيرا للرئيس السابق باراك أوباما في الشرق الأوسط، قام حينها الجنرال جيمس ماتيس بالدفع نحو ضربات عسكرية لمعاقبة إيران لتسليح الميليشيات المناهضة للولايات المتحدة في العراق.
ولكن كوزير للدفاع في إدارة دونالد ترامب، خفف ماتيس من حدة موقفه وبرز كأحد أصوات الإدارة العليا في الاعتدال تجاه طهران.
يذكر أن موقف ماتيس قد لا يستمر لفترة أطول، وذلك لأن الحرب الأمريكية ضد تنظيم الدولة تتحول إلى صراع من أجل الأرض والنفوذ بين حلفاء أمريكا وإيران. ولكن في الوقت الحاضر، هناك تغيير مدهشا طرأ على القائد العسكري السابق الذي اشتبك مرارا مع النهج الدبلوماسي الذي اتبعته إدارة أوباما، والذي وصف ذات مرة التهديدات الثلاثة الأكبر في الشرق الأوسط بأنها “إيران وإيران وإيران”.
وفي العام الماضي، تعارض ماتيس علنا مع ترامب من خلال الإدلاء بشهادته بأن اتفاق أوباما النووي مع إيران “هو أمر ينبغي للرئيس أن ينظر في البقاء معه”. (ورفض ترامب مرة أخرى إلغاء الاتفاق يوم الجمعة على الرغم من التعهدات المتكررة للقيام بذلك). ومع القوات الأميركية ونظرائها الإيرانيين في كثير من الأحيان في أماكن قريبة في العراق وسوريا، قد رفض ماتيس حتى الآن اتخاذ نهج المواجهة للحد من أو التراجع عن تأثير طهران ووكلائها.
وقد فاجأ هذا التحول بعض المطلعين ببواطن الأمور.
وقال أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية في إشارة إلى جنرال إيراني متهم بالتدخل في المصالح الأميركية في الشرق الاوسط “بالنسبة لأولئك الذين كانوا يترقبون قاسم سليماني لإرسال السنة الأولى من ولاية الوزير ماتيس إلى الجحيم، فهذا لم يحدث بالطبع”.
ووفقا لمسؤولين إداريين حاليين وسابقين لديهم خبرة في السياسة الإيرانية والذين يعرفون ماتيس جيدا، فأحد أسباب موقف ماتيس الجديد هو أنه بصفته الزعيم المدني للبنتاغون، يجب عليه أن يوازن بين قائمة أكبر بكثير من التحديات العالمية وذلك بشكل أكثر مما كان عليه عندما كان يقود القيادة المركزية للجيش الأمريكي بين عامي 2010 و 2013.
وهناك عامل آخر وهو التغيير بين الرؤساء، فبدلا من العمل مع قائد كبير يعتبره ضعيفا فيما يتعلق بإيران، يعمل الآن مع من يبدو في بعض الأحيان أن يختلق عراكا .
وقال جيمس جيفري الذي كان سفير أوباما لدى العراق عندما ترأس ماتيس القيادة المركزية “يجب أن يكون حساسا جدا إلى حيث يكون الرئيس”. وأضاف “مع أوباما، كان لديه رئيسا متحفظا جدا من ناحية تحدي إيران عسكريا، لذلك كان متطلعا، وربما تسبب ذلك في الإضرار بعلاقته مع أوباما”.
وأضاف جيفري، حاليا “يتعامل ماتيس مع رئيس عدواني للغاية فيما يتعلق بإيران ويتصف بأنه متقلب جدا. لذلك يجب أن يكون هو الناصح، وصاحب العقل المتوازن. ولوحظ أنه قام بذلك مع كوريا الشمالية ومع إيران”.
يذكر أن ماتيس لم يكن وديعا أيضا. لقد وصف إيران بأنها “أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم” وسمح في العام الماضي بضربة استثنائية لحليف إيران بشار الأسد في سوريا لاستخدامه أسلحة كيميائية ضد المدنيين. وقد أشرف على إسقاط الطائرات بدون طيار الإيرانية عندما ضلو طريقهم في اتجاه قريب جدا من القوات الأمريكية.
ولكنه قد سعى أيضا إلى تقليل فرص مواجهة أكبر مع القوات الإيرانية ووكلائها في المنطقة.
وأحد المجالات التي تم عرضها هو المعركة ضد تنظيم الدولة في العراق وسوريا. وكان هو من بين المحللين الذين قالوا إن الحرب قد وسعت من نفوذ إيران فى البلدين، والخوف المشترك هو إقامة “جسر بري” أو طريق متواصل للإمدادات القادمة من إيران من خلال العراق إلى الأراضى الخاضعة لسيطرة النظام فى سوريا.
وبعد أن قامت الميليشيات المدعومة من الولايات المتحدة بتحرير مدينة الرقة السورية في الخريف الماضي، قامت القوات المدعومة من إيران بالاندفاع نحو الحدود العراقية السورية التي رأى البعض أنها الخطوة الأخيرة في بناء الجسر البري. وقد انتقد المتشددون الإيرانيون البنتاغون بسبب إغلاق أحد مواقعها الحدودية النائية قبل هذه الخطوة، قائلين إن إبقائها مفتوحة قد يمنع الجسر البري من أن يؤتي ثماره.
ولكن ماتيس قلل من شأن هذا الخوف في مؤتمر صحفي عقد مؤخرا. وقال للصحفيين “لا أعتقد أن هناك جسرا بريا في الوقت الراهن”، موضحا أن القوات المدعومة من إيران لا تملك هذا النوع من الوصول غير المقيد عبر الحدود التي أشارت إليه العبارة.
وقال المسؤولون الحاليون والسابقون، مع انتهاء الحرب ضد تنظيم الدولة هذا العام، واستقرار البنتاغون على دور جديد للقوات الأمريكية في العراق، وخاصة في سوريا، قد يوافق ماتيس على المواجهة الأكثر صرامة ضد التدخل الإيراني.
وهذا يعني أنه سيعود إلى صراعه القديم إذا رأى أن الوضع يستدعي ذلك.
و وفقا لما ذكره مسؤول كبير بالإدارة، لا يزال ماتيس قلق إزاء وصول إيران البري إلى سوريا رغم إنكاره ذلك على العام.
وقال المسؤول “لقد أعطى توجيهات إلى مركز سينتكوم للتأكد من إنه قد تم تهيئتنا لعرقلة ذلك الأمر” دون “أن نكون قلقين بشأن ما يحاول الايرانيون القيام به”. وأضاف، “عندما ننتقل من”هزيمة داعش”، سيستمر وضعنا العسكري هناك، ومكافحة النفوذ الإيراني جزء كبير من هذه الحسابات”.
واتفق أندرو إكسوم، الذى أشرف على قضايا الشرق الأوسط كمسؤول بالبنتاغون تحت إدارة أوباما، على ان نهج ماتيس المقيد تجاه إيران خلال عامه الأول فى البنتاغون قد يفسح الطريق أمام هجوم أكثر عدوانية خلال العامين.
وفي عام 2017، قال إكسوم، إن ماتيس ركز على إنهاء القتال ضد تنظيم الدولة الذي ورثه من إدارة أوباما. وهذا العام، وعلى الرغم من ذلك، “تتحرك إدارة ترامب الآن بشكل مناسب نحو بعض الأعمال غير المنتهية التي تركناها لهم”، بما في ذلك البدء في الحد من النفوذ الإيراني الآن بعد إبعاد داعش عن الطريق.
وخلال زيارة إلى أوروبا فى نوفمبر الماضى قال ماتيس علنا للمرة الأولى إنه يؤيد العملية الدبلوماسية فى جنيف. وبالنسبة لمراقبي سوريا، كان هذا هو أول تلميح قد أعطاه لبعثة عسكرية أمريكية محتملة في سوريا بأهداف أوسع من مجرد هزيمة داعش، وهي مهمة البنتاغون المعلنة في البلاد.
وقال جيفري إن تصريحات ماتيس تشير إلى أنه يرى دورا للقوات الأمريكية في دعم المتمردين الأكراد والعرب الذين ساعدوا ضد تنظيم الدولة، ومنع حلفاء المعركة أولئك من أن يتم تصنيفهم من النظام ورعاة إيران. وقال جيفري “إنها وسيلة للضغط على السوريين والإيرانيين والروس في النهاية لقبول عملية سياسية ستخلق شيئا آخر غير فظائع نظام الاسد”.
لكن الشكل الذي يمكن أن يتخذه الضغط غير واضح.
وقال جيفرى إنه مع انتشار آلاف الجنود الأمريكيين وقوات التحالف فى العراق، حيث يتعرضون للانتقام من جانب الميليشيات الضخمة التى تقوم برعايتها إيران وتسليحها، تزداد مخاطر أى عمل عسكرى تدعمه الولايات المتحدة للحد من المكاسب الايرانية فى سوريا.
ولكن البديل لن يكون جذابا بالنسبة لوزير الدفاع الذي لا يزال يعتبر إيران أكبر تهديد إقليمي أيضا.
وأضاف جيفري، “تخيلوا إذا خرجنا من العراق وروسيا وورثت إيران النصر في سوريا. قد تكون ذلك هزيمة أميركية كبيرة”. وقال “لذلك، فهذا يعد موقف مؤقت تماما يديره ماتيس”.