تقع قرية زاراس في واد تحيط به جبال زاغروس في مقاطعة بختياري جنوب غرب إيران. وعلى بعد ساعة من إيذه، وهي أقرب مدينة، تعد زاراس موطن لحوالي 60 عائلة، والذين يعيشون على الزراعة، والبدوية الرعوية والعمل كعمال مهاجرين في المدن الإيرانية.
ويقول كاتب المقال شهرام خسروي، في ظهيرة يوم من أيام سبتمبر من عام 2014، جلست بجانب جدار من الطين في حديقة بندق مع دراب، وهو مزارع يبلغ من العمر 50 عاما يعيش بقرية زاراس. ودراب، رجل ذو وجه ساحر وخشن، وأيدي مشدودة، ويمتلك بطاطا مزروعة، وحبوب وبصل على قطعة أرض أكبر قليلا من فدان. ومع ذلك لم يكن الحصاد كافيا لإطعام أسرته، المكونة من زوجته وأطفاله الستة ووالديه المسنين. وقامت إيران باستيراد الحبوب والبطاطس على نطاق هائل، وانخفضت الأسعار في كل عام.
واستكمل دراب أرباحه الضئيلة من خلال حفر الآبار والعمل لبضعة أشهر في مواقع البناء في المدن القريبة. وقال إنه قد يحصل على أقل من ما يعادل حوالي 20 دولارا أمريكيا مقابل عمل لمدة 10 ساعات في موقع البناء، وهو عمل لم يقدم شبكة الأمان للتأمين ضد الحوادث أو المرض.
وقد عانت قرية زاراس، مثل بقية إيران، من الجفاف في العقد الماضي. وقد تم استنزاف الأرض والحصاد. وتحدث درب بحزن حول وقت كان فيه ما يكفي من المياه للحدائق والحقول في القرية. وقال “إن الأمر يزداد سوءا كل عام”. ويضيف، “في الوقت الحاضر يصبون بعض الماء حول الأشجار. ولا تصل إلى الجذور”. والعديد من أشجار البندق حولنا كانت ميتة بالفعل.
وفي 31 ديسمبر، شهدت بلدة إيذه، الواقعة بالقرب من قرية دراب، واحدة من أكثر الاحتجاجات عنفا والناجمة عن المصاعب الاقتصادية في جميع أنحاء إيران. واستولى الشباب في إيذه على المدينة لعدة ساعات. وقتل العديد من الشبان. وأصيب العديد منهم. وقد واجهوا رجال الشرطة الإيرانيين وهم عزل.
يذكر أن الأهداف الأولى لغضب المتظاهرين كانت المباني التي يوجد بها البنوك. وقد أجبر الجفاف عددا متزايدا من الناس في المنطقة على طلب القروض. ومع عدم المقدرة على سداد قروضهم، تزداد ديونهم، وتصادر البنك ما تبقى لديهم، سواء أرض أو منزل أو جرار.
ويضيف الكاتب قائلا، لقد سمعت مرارا وتكرارا الإيرانيين في القرى والمدن يرددون هذا التصريح اليائس “حياة الناس لا قيمة لها!”. ويستخدم علماء الاجتماع مصطلح “بريكاريتي” لوصف هذا الخذلان، وهذا يحرم الناس من حياة صالحة للعيش. وقال دراب ” لقد قام العالم بمقاطعتنا”. وقبل فرض العقوبات على إيران، سافر دراب والعمال الآخرون إلى منطقة الخليج الفارسي الإيرانية للعمل في شركات النفط والغاز. وانتقلت الشركات الأجنبية بعد العقوبات وضعفت فرص الحصول على الوظائف.
يذكر أن جميع الشباب تقريبا في قرية دراب انتقلوا إلى المدن للانضمام إلى بريكاريا الحضرية المتنامية، والذين يتم استغلالهم في سوق العمل غير الرسمي كعمال منخفضي الأجور ومطيعين. وقد أدى غياب الفرص إلى تكثيف الهجرة من القرى إلى المناطق الحضرية التي أخذت تنمو بمعدل بخمس مرات أسرع. ووفقا لبيانات البرلمان الإيراني، فقد زاد عدد الإيرانيين الذين يعيشون في الأحياء الفقيرة بمعدل 17 مرة منذ الثورة في عام 1979 إلى ما يقرب من 10 مليون نسمة.
وكل عام يصنف الإيرانيون على أنهم فقراء. وذكرت مصادر رسمية في عام 2015 أن 40 في المئة من الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر. وارتفع معدل البطالة بين الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 24 عاما، إلى 30 في المائة في عام 2016. وهذا ما يوضح سبب أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين اعتقلوا خلال الاحتجاجات الأخيرة تقل أعمارهم عن 25 عاما.
وذكرت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الإيرانية أن حوالى 11 مليون إيرانى، أى حوالى 50 فى المائة من قوة العمل، يعملون فى وظائف غير نظامية. ويقول الكاتب، تقريبا جميع العمال الشباب الذين التقيت بهم خلال عملي الميداني الممتد في السنوات الـ 15 الماضية كانوا في يعملون بوظائف غير نظامية، ونادرا ما يتم دفع أجورهم في الوقت المحدد، بالإضافة إلى القليل من الحماية من أرباب العمل الاستغلاليين. ويستبعد ما بين 10 ملايين و 13 مليون إيراني تماما من التأمين على الصحة والعمل أو البطالة.
ويرى الفقراء الإيرانيين الثروات الضخمة للنخبة الإيرانية. ومنذ أوائل عام 2010، شهدت إيران تطورا في ثقافة الاستهلاكيين وارتفاع نسبة عدم المساواة. وقد ظهر عدد متزايد من السيارات الفاخرة المستوردة على الطرق. وانتشرت المباني، التي يساوي سعر المتر المربع الواحد بها أجر ثلاث سنوات لعامل، في جميع أنحاء المدن. وظهر الآيس كريم المغطى بالذهب الصالح للأكل، التي تصل قيمته إلى راتب شهري لعامل، على قوائم المطاعم الفاخرة.
ويقول شهرام خسروي بعد يوم من العمل، أسير مع عمال من قرية دراب من مواقع البناء في الأحياء الغنية في طهران الشمالية إلى غرفهم المستأجرة المتواضعة في جنوب طهران الأفقر. وعندما كنا نسير في الماضي كان هناك سيارات بورش و مازيراتي تقف خارج المحلات الفاخرة والمطاعم، حيث قال العمال حينها ذاكرين الله ساخرين، “إذا كان هؤلاء الناس مخلوقاتك، فماذا أنا إذا؟”
وإلى جانب انعدام الأمن المالي وحالة القحط، يعاني الإيرانيون من التلوث الشديد في المدن. وقد أدى عقد من العقوبات إلى زيادة كبيرة في أسعار البقالة والأدوية والوقود. واستبعدت العقوبات الإيرانيين من النظام المصرفي الدولي الرسمي وأجبرتهم على التعاملات التجارية غير الرسمية القائمة على النقد، مما جعلهم عرضة للاحتيال وأسعار السوق السوداء. وانخفضت قيمة التومان الإيراني أكثر من النصف مقابل الدولار منذ عام 2012، مما أثر على جميع التكاليف الأخرى داخل البلاد.
ولم تترك خطب الرئيس ترامب المناهضة لإيران أية أمل في رفع أو تخفيف العقوبات المفروضة على إيران. والخوف من حدوث هجوم عسكري من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة قد أضيف إلى حالة القلق الشعبي.
جدير بالذكر أن الأمل في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في إيران الحديثة قد تم مضاعفته مرارا وتكرارا من خلال الصراعات السياسية، بداية من الثورة الدستورية في عام 1911، وحركة تأميم النفط في عام 1950، والثورة في عام 1979، والحركة الخضراء في عام 2009، والاحتجاجات الأحدث التي قادها الفقراء.
ويختم الكاتب قائلا، عندما ظهرت صور الاحتجاجات في إيران على الشاشات في جميع أنحاء العالم، فكرت في حديثي مع دراب في قريته. لقد كنا نحدق بإمعان في الجبال البعيدة صعودا نحو السماء الزرقاء الصافية في صمت. وقال دراب، “أنظر إلى كل هذه الأراضي التي لا يمكننا الحصول على تومان واحد منها. ليس لدينا مياه. اكتب عن ذلك”. وأضاف، “واكتب أن أولئك الذين يعشيون في طهران قد كانوا يأخذون جميع الأموال لأنفسهم ونسوا أننا أيضا بشر”.