قِيل بأنّ العوامل التي تعمل على جذب السائح، إغراء عينه، إغوائه، كثيرة، من أول وسائل الراحة، توفيرها على أكمل وجه، أحسن هيئة، المعاملة اللائقة اللطيفة له حتى يتذكر المكان، يحفر بالأزميل الشخصيات التي تعامل معها وكون صداقات طيبة مع نفوسها، ثم قبل هذا وذاك – بالطبع – المزار السياحي والمَعَلَم الذي سيُقبل عليه، يرى أبعاده المختلفة، يلتقط صور فوتوغرافية داخله، يؤرخ لوجوده، تجواله داخل بهو أعمدته، رؤية المنمنمات الصغيرة، التمتع بالأزهار التي ترتع داخل الحدائق الشاسعة، أو التمتع بأحد أقدم المدن والقلاع في العالم، مثل مدينة بَم الإيرانية.
بم مدينة، لها وزن، لها ثقل، لها مكانة عالمية جعلتها تتبوأ وتنحشر داخل قائمة مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو.
مدينة بم القديمة تقع في كرمان جنوب شرق إيران، ونظرًا لمّا تتمتع به من قدم وعراقة عمدت – كرهًا وواجبًا – منظمة اليونسكو على إضافتها كموقع أثري تحت عنوان (بم ومشهدها الثقافي).
المدينة أكتسبت هذه العتاقة من عدة زوايا.
فباديء ذي بدء نصف المباني في المدينة مبنية من الطوب اللبن، المدينة جرى تشيدها في العصور الوسطي خلال فترة حكم الأسرة الصفوية لإيران من عام 1501 إلى 1736م ، ولكن يُقال أنّ هناك بعض الأبنية فيها يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر والثاني عشر، وأنه في عهد الأسرة الصفوية تم إعادة البناء والإعمار، بل العراقة تمتد إلى ما قبل ذلك؛ لأن داخل المدينة بعض الأحياء القديمة تعود بتاريخها إلى عصر البارثيين التي تمتد في الفترة من 250 قبل ميلاد المسيح إلى 224 بعد الميلاد .
تبلغ مساحة المدينة 6 كيلو متر مربع، ونظرًا لهذه المساحة الكبيرة فلقد كانت مركزًا مهمًا على طريق الحرير الرابط ما بين الشرق الأقصى وبين الصين، والحرير يعني خيط، إبر، بَكر الخيط، الصوف، القطن، وكل ذلك من مستلزمات الخياطة، بل صناعة النسيج بأكلمه.
ولكن ككل حضارة، لابد أن يخبو الضوء قليلاً، فتنحسر الأضواء على عدة مراحل، أولاً مع بداية الكسح الأفغاني للأراضي الإيرانية عام 1722م، وأصبحت مدينة بم الأثرية مكان عسكري أفغاني واستمر هذا الوضع بالنسبة للمدينة حتى عام 1932م، ولكن حتى مع فضح إشتباك هذا الكسح، كانت مدينة بم تدريجًا تفقد السيطرة، أختل توازنها.
ضربت ضربة قاضية أوقعتها أرضًا وسلمت بعدها إذن أن طريق الحرير لم يعد له مكانة كما كان عليه قبلاً، ماذا يحدث؟، يحدث أن يُهاجر السكان، يحدث أن يترك الناس بيوتهم، يهيمون إلى مناطق أخرى، يحاولون فيها التكسب، كسب العيش والرخاء، ولم يبق إلا بعض الحرفيين، وبائعي القطع والتحف التذكارية والمدينة القديمة نفسها، والقلعة الضخمة في وسطها.
إنّ مدينة بم (أو بام) بخلاف إكتسابها لشهرتها الواسعة تلك، فإنّ قلعتها – قلعة بم – لا تقل شُهرة عنها.
القلعة هي عبارة أو كانت أكبر بناء من الطوب في العالم، حيث يبلغ مساحتها 180 ألف متر، جُدرانها عمالقة، يتراوح إرتفاعها من 6 إلى 7 متر.
في هيكلها الخارجي تشبه إلى حد كبير القصور على الطراز الأوروبي إلا أنها كانت مبنية بمزيج من الصلصال والقش. البرج في مكان عالِ، البرج على تل أو هضبة، لابد من الحماية، لابد من أبراج يسعى فيها حرس وعساكر للحماية، فلذلك زُودت القلعة بـ 28 برج مراقبة، بخلاف أن المدينة ذاتها كان يُحاوطها سور كبير وأبواب، إذا أغلقت الأبواب أصبحت في مأمن وحماية من أسفل، ومن أعلى بسبب الأبراج.
وفي ضربة موجعة، صفعة من الطبيعة لم يكن لها مثيل، دمرت القلعة، وأجزاء كبيرة من المدينة تصل إلى 80% بسبب زالزال مدمر ضرب المنطقة. دمرت الطبيعة الحضارة، وعلى إثر هذا الحادث تم سحبها من مواقع التراث العالمي المهدد بالخطر.
بالطبع كانت هنالك أعمال ترميم وإعادة هيكلة وبناء من جديد عن طريق فرق يابانية وفرنسية وغيرها، ولكن مهما حدث، ومهما كان لن تعود بم القديمة وقلعتها الحصينة.