يظهر فيديو سيدة مسنة في سرير المستشفى في مدينة مشهد الإيرانية. وتقول إنها فقدت كل أموالها قبل ثلاث سنوات عندما انهارت شركة باديده شانديز القابضة وسط اتهامات موجهة رسميا بالاختلاس.
وتضيف السيدة في الفيديو، الذي نشر مؤخرا عبر رسائل تطبيق تليجرام، الذي يحظى بشعبية واسعة في إيران، “لماذا لم يرد أحد لي أموالي؟”. وتقول، “إنني لا أستطيع الحركة. ولدي نفقات. ولا بد لي من دفع ثمن الرعاية الصحية. لماذا لا يوجد شخص من باديده يرد لي أموالي؟”
يذكر أن المرأة التي لم تكشف عن اسمها تعد واحدة من عدد لا يحصى من الإيرانيين الذين يقولون إنه قد تم القضاء على مدخراتهم بسبب انهيار الأعمال الاحتيالية ومؤسسات الائتمان غير المرخصة في السنوات الأخيرة. ويشير الاقتصاديون الآن إلى الإغلاق المفاجئ لهذه المؤسسات الخاضعة للتنظيم الضعيف، حيث تسبب ذلك في وضع الأساس للاضطرابات التي ضربت إيران ابتداء من أواخر ديسمبر.
وقالت سوزان مالوني، وهي زميل أقدم مختصة بسياسة الشرق الأوسط في مؤسسة بروكينغز، إن “البنوك تغلق دون أي نوع من التنبيه، ويتسبب ذلك في خلق رد فعل سياسي واقتصادي ضخم على المستوى المحلي”.
وجاء الغضب إزاء هذه الخسائر على رأس سنوات من الإحباط المكبوت تجاه الاقتصاد البطيء. وعندما أعلنت الحكومة عن ارتفاع الأسعار مؤخرا وأصدرت قانون ميزانية صارم، أدى ذلك في بعض الأحيان إلى إثارة احتجاجات عنيفة انتشرت بشكل سريع في عشرات المدن بجميع أنحاء البلاد. وسرعان ما حول المتظاهرون غضبهم على المسؤولين الفاسدين والجمهورية الإسلامية ككل.
وذكرت منظمات حقوق الانسان ان ما لا يقل عن 20 شخصا لقوا حدفهم وتم القبض على مئات آخرين خلال الايام العشرة الماضية.
وقالت مالوني “إن معظم الاحتجاجات في إيران تتعلق بالقضايا الاقتصادية”. وأضافت “إن الاختلاف يمكن في أنه يبدو أنها ضربت على وتر الشعور العميق بالعزلة والإحباط وأن الناس لا يتظاهرون فقط لظروف عمل افضل او راتب ولكنهم يصرون على الرفض التام للنظام نفسه”.
وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية يوم السبت أن البرلمان سيعقد قريبا جلسة خاصة للتحقيق فى أسباب الاحتجاجات المناهضة للحكومة، ووفقا لما ذكرته وكالة انباء أسوشييتد برس، فكبار المسئولين الأمنيين قد يكونوا متورطين. وعقدت مسيرات مؤيدة للحكومة فى عدة مدن يوم السبت ردا على ما وصفهم التليفزيون الحكومى بـ “المشاغبين ومؤيدى أعمال الشغب”.
وذكرت دراسة نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية بى بى سي فارسي الشهر الماضى إن متوسط ميزانية العوائل الإيرانية انخفض بنسبة 15 فى المائة عن عام 2007 عندما فرض مجلس الأمن الدولى بعضا من أشد عقوباته على إيران حتى عام 2016.
وقد قام الرئيس الإيراني حسن روحاني، المعتدل نسبيا الذي أعيد انتخابه لولاية ثانية في مايو، بتنفيذ برنامج للتقشف المالي. وقال جواد صالحي أصفهاني، وهو أستاذ الاقتصاد في جامعة فرجينيا للتقنية، إن التقشف أدى إلى انخفاض التضخم ولكنه أضر بالنمو الوظيفي.
كما فرض روحاني ما وصفه صالحي أصفهاني بـ “السياسات التراجعية”، مثل رفع أسعار الطاقة مع تقلص التحويلات النقدية التي يستخدمها الفقراء لدفع ثمن المواد الأساسية. وقال إن السياسات الجديدة الأخرى قد فضلت الأعمال التجارية والطبقة المتوسطة التى يقيم معظم افرادها فى العاصمة طهران.
وأضاف صالحي أصفهاني في تدوينته حول إيران والاقتصاد إن إيران شهدت “تباينا في مستويات المعيشة (مقاسة بنفقات الفرد) بين طهران من جهة وبقية البلاد من جهة اخرى”.
وعندما أصدر الرئيس الشهر الماضي مقترح ميزانيته للسنة المالية الإيرانية اعتبارا من 21 مارس، أثار ذلك نقاشا حادا. وتضع الميزانية تصور بتخفيضات كبيرة للحصول على إعانات نقدية للفقراء، مع زيادة الرسوم على أشياء مثل تسجيل العربات والسفر إلى الخارج.
وقال إسفنديار باتمانغليدج، مؤسس منتدى الأعمال الأوروبي الإيراني، والذي يضم تحليلات اقتصادية حول إيران، إن “حقيقة الأمر هي أن ميزانية روحاني مصممة بشكل أفضل لتحرير الاقتصاد على المدى الطويل أكثر من خلق فرص العمل على المدى القصير”. وأضاف “لكن القطاع الخاص لا يزال ضعيفا جدا على تحمل الاقتصاد”، مضيفا أن الإيرانيين “يشعرون بالإحباط لعدم رؤية تغيير في التكتيكات التي يمكن أن تساعد في معالجة البطالة بشكل سريع”.
ووفقا للمركز الإحصائي الإيراني، وهو عبارة عن هيئة حكومية، تبلغ نسبة البطالة 11.7 في المئة، على الرغم من أن الاقتصاديين يعتقدون أنها ربما تكون أعلى من ذلك بكثير.
جدير بالذكر أن ميزانية روحاني كانت بارزة أيضا لأنها كانت المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة عن الأموال المخصصة للمؤسسات الدينية الثرية في إيران، فضلا عن قواتها العسكرية وشبه العسكرية القوية. وقال روحاني إن هذه كانت خطوة إلى الامام من اجل تحقيق الشفافية.
وأدى الكشف عن ميزانية بقيمة 8 مليارات دولار لفيلق الحرس الثوري، وهو الهيئة الأمنية الأكثر تأثيرا في إيران، إلى انتقاد حاد من قبل المتظاهرين الذين اعترضوا على إنفاق الحكومة على التدخل الإيراني في الحروب الإقليمية، بما في ذلك العراق وسوريا.
وسأل رجل إيراني زعماء إيران في رسالة صوتية حماسية نشرها أيضا عبر تطبيق تليجرام، الذي يضم 40 مليون مستخدم هناك، “لماذا تستمعون إلى صوت من لا صوت لهم من سوريا ولبنان، ولا تستمعون إلينا داخل حدودنا؟”. وتم حظر التطبيق في إيران وسط الاضطرابات، وألقى المسؤولون منذ ذلك الحين باللوم على الاحتجاجات. وسأل، “لماذا تريدون تصفية حسابات التوفير الخاصة بنا وتقدمون لنا في المقابل وعود بأسهم لا قيمة لها ؟”
كما حصلت المؤسسات الدينية، والتي معظمها معفاة من الضرائب، على دعم من الموازنة الجديدة، منها على سبيل المثال زيادة بنسبة 20 في المائة لممثلي المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، المعينين في الجامعات الإيرانية.
والمنظمات الدينية، التي تخضع للإشراف المباشر من مكتب خامنئي، ترتبط أيضا ببعض مؤسسات الائتمان المعسرة التي استنفدت مدخرات الإيرانيين.
يذكر أن عدد سكان إيران يبلغ 80 مليون نسمة، وتفتخر إيران بسوق استهلاكية واسعة ومثقفة ومتطورة. كما أنها تقود بعض أكبر احتياطيات النفط والغاز في العالم.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد الإيراني بنحو 4.2 في المائة في السنة المالية 2018. ولكن معظم هذا النمو يأتي من ارتفاع صادرات النفط الخام، ولم تصل الفوائد إلى المدن الفقيرة أو الصغيرة، حيث اندلعت معظم المظاهرات الأخيرة.
ومنذ عام 2016، عندما رفعت معظم العقوبات الدولية كجزء من الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية، استثمرت الشركات الأوروبية وغيرها من الشركات متعددة الجنسيات مليارات الدولارات في قطاعات تشمل الطاقة والتعدين وصناعة السيارات والضيافة في إيران. وفي يوليو، وقعت شركة النفط العملاقة الفرنسية توتال صفقة لاستثمار 4.9 مليار دولار لتطوير حقل جنوب فارس للغاز الطبيعي في إيران.
وقال مسؤول تنفيذى كبير فى شركة نفط متعددة الجنسيات فى مقابلة أجريت مؤخرا قبل الاضطرابات، “إن ايران سوقا كبيرا، حيث يمكنك الوصول إلى الأسواق المجاورة من هناك”.
وأضاف المسؤول التنفيذي “أن التجارة والاستثمار في مرحلة التنفيذ”، على الرغم من أنها قد لا تصل إلى القدر الذى ترغب إيران فى رؤيته.
وقد انخفض الاستثمار الأجنبي عن المستويات المتوقعة بسبب العقوبات المتبقية التي لا تزال سارية المفعول، والقلق المستمر بين الشركات بشأن المخاطر الناجمة عن الاستثمار في إيران. كما أثارت إدارة ترامب شكوكا حول مصير الاتفاق النووي.
وباع روحاني الاتفاق النووي إلى الإيرانيين باعتباره أمرا حاسما لإنعاش الاقتصاد الضعيف. وقال استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الدولية والأمنية في ماريلند إن الإيرانيين شعروا بخيبة امل من أن النمو لم يكن أسرع بما في ذلك 74٪ قالوا في يوليو إنه لم يكن هناك تحسن اقتصادي نتيجة الاتفاق.