هذه ليست قطعة للرد على نقد ما، وعلى هذا النحو، فالنية لا تعني بأي حال من الأحوال التقليل من شأن ما يحدث في إيران أو تشويهه من خلال السؤال عن «ماذا عن فلسطين؟».
والشعب الإيراني، شأنه في ذلك شأن معظم نظرائه العرب، يعيشون في ظل نظام قمعي يقيد بشدة حق المعارضة، و”اعتقال وسجن النقاد السلميون وغيرهم بعد إطلاق المحاكمات غير عادلة أمام المحاكم الثورية”، وذلك وفقا لمنظمة العفو الدولية.
وهذا ليس موضع خلاف بين المحللين الجديين نظرا لوفرة وثائق انتهاكات حقوق الإنسان من جانب منظمات حقوق الإنسان والمقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بشؤون إيران.
وبالمثل، فالأمر ينطوي أيضا على التوافق في الآراء بين الأفراد الجادين بشكل أخلاقي حيث كان يعاني الشعب الفلسطيني لعقود في ظل نظام واحتلال صهيوني قمعي لا يكترث للقانون الدولي وحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.
هل ترامب رئيس “جاد أخلاقيا”؟
يذكر أنه من الواضح أن ما يمكن وصفه بأنه “جاد أخلاقيا” يعتمد على النظام الأخلاقي الذي ننسبه إليه. وفي حين أن مفهوم “حقوق الإنسان العالمية” كنظام قيم يجب على النظام العالمي أن يقوده سيبدو زائدا وساذجا وحتى وهميا، إلا أنه مع ذلك يوفر لنا إطارا مساعدا حيث يمكن قياس القرارات السياسية على أساس ما يشار إليه عادة بـ “المعايير الدولية لحقوق الإنسان”، وهي معايير ينبغي أن تحكم، من حيث المبدأ، علاقات الدول الأعضاء في الأمم المتحدة مع مواطنيها.
دعونا إذا نحاول التفكير في هذا الموضوع فيما يتعلق بمواقف ترامب وإعطائه فائدة الشك. هل هو حقا رئيس جاد أخلاقيا؟
“العالم يراقب”
خذ حق الإنسان في حرية التعبير والتجمع كنقطة انطلاق.
منذ بداية الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، عرض ترامب دعمه المطلق لـ “الشعب الإيراني العظيم” ودافع عن حقوق الإنسان الخاصة بهم، بما في ذلك “حقهم في التعبير عن أنفسهم”.
والآن من المنطقي افتراض أن الرئيس الجاد أخلاقيا سيقدم نفس الدعم إلى الشعب الفلسطيني. ورغم ذلك، فقد أظهر ترامب أنه لا يهتم بانتهاكات حقوق الإنسان إذا كان الجاني هو القيادة التي يدعمها.
وعندما يتعلق الأمر بفلسطين، لم يعلن ترامب القدس عاصمة لإسرائيل دون أي اعتبار لوجهة نظر الفلسطينيين بشأن هذه المسألة فحسب، لكنه قام أيضا بتطبيق سياسة البلطجة والابتزاز في الأمم المتحدة، وذلك دون أن يزعج نفسه ولو لمرة بالمظالم المشروعة وخيبة الأمل للمتظاهرين الفلسطينيين.
وحتى القتل المزدوج لم يدفعه لإدانة العنف الإسرائيلي أو إرسال تغريدة لدعم الفلسطينيين المضطهدين. ولا حتى اعتقال 77 طفلا في أعقاب قراره في القدس (بين 6 و 9 ديسمبر) دفعوه لذلك. أو أن “الصحفي” الإسرائيلي، بن كاسبيت، كان يلمح للانتقام العنيف من الطفل، عاهد التميمي، في المعتقل، و “في حالة الفتيات، علينا أن نحدد القيمة في بعض الفرص الأخرى، في الظلام ، بدون شهود وكاميرات “.
ويكاد يكون الأمر كما لو لم يكن الفلسطينيون موجودين في وجهة نظر ترامب العالمية، وذلك بطبيعة الحال، باستثناء، المستفيدين من الأوامر المتعلقة بـ “خطة السلام” التي ينبغي أو لا ينبغي أن يقبلوها، بالإضافة إلى التهديدات بخفض التمويل. وعلى الرغم من ذلك، في حالة الأونروا، فهذا أمر قد يؤدي إلى “كارثة إنسانية”.
وفي حين أن ترامب سرعان ما قال أن “العالم يراقب” الاحتجاجات الإيرانية لأنه يعتبر النظام الإيراني عدو (حفز النقاش بين المعلقين حول ما إذا كان ينبغي أن يتكلم أو أن يبقى هادئا)، لم يهتم ولو قليلا لأم أول مراهق قتل من قبل إسرائيل في عام 2018 والتي قالت، “لا أحد يستمع إلينا، لا أحد يشعر بالألم الذي نمر به. والعالم فقط يشاهد في صمت”.
وإذا كانت هذه هي الجدية الأخلاقية الرئاسية، فقد يكون من الأفضل لنا نسيان مفهوم الأخلاق برمته.
ترامب يحب أيضا حظر الإيرانيين
تحدث ترامب أيضا في دعم الشعب الإيراني الذي أشاد بشجاعته والذي ادعى أن مصالحهم في قلبه.
ومع ذلك، ومن خلال حرمان المواطنين الإيرانيين من حق الدخول إلى الولايات المتحدة، يقوم ترامب في نفس الوقت “بالتلاعب” بحياة البشر. وندد على نطاق واسع بحظر ترامب للمسلمين باعتباره تذكير يومي لعنصريته وتحامله وتعصبه.
وعلق الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية قائلا، إنه “يلغي إمكانية أن يعيش المواطنين الأمريكيين وأصحاب البطاقة الخضراء مع، أو حتى أن يتم زيارتهم، من قبل الأزواج والآباء والأطفال والأجداد، وأفراد الأسرة الآخرين. وسيقوم القرار باستبعاد الأصدقاء والعائلة من حفلات الزفاف، والتخرج، والجنازات، ومنع الأجداد والأعمام والعمات من حمل ورعاية المواليد الجدد، ومنع الزيارات الأخيرة للأقارب المرضى”
وهناك نقطة مهمة أخرى وهي أن بعض الإيرانيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة غير قادرين على العودة إلى ديارهم لأسباب مختلفة، بما في ذلك خطر الاعتقال أو السجن عند عودتهم. ويمنع الحظر دخول أفراد أسرهم إلى الولايات المتحدة، ويضيف المزيد من العقبات والتكاليف في حياتهم غير المستقرة بالفعل.
ترامب هو “عدو خامنئي المفيد”
يذكر أن معايير ترامب المزدوجة والنفاق في التعامل مع قضايا السياسة الداخلية والخارجية، تتركه في حالة فشل بشكل يائس عندما يتعلق الأمر بهدفه المعلن المتمثل في استعادة القيادة الأمريكية والاحترام على الساحة العالمية.
وفي الواقع، يعتبر ترامب من نواح كثيرة هو عدو المثالي لآية الله خامنئي.
إنه “عدو مفيد” لأنه يقدم للقادة الإيرانيين طريقة سهلة للخروج من المظالم المشروعة، ومن الاضطرار إلى الرد على انتهاكات حقوق الإنسان. على سبيل المثال، أشار رئيس مكتب الرئيس الإيراني، محمود واعظي، إلى سياسات ترامب كدليل على دعم الولايات المتحدة غير الصادق للشعب الإيراني.
وعلاوة على ذلك، تتعرض إيران لضغوط متزايدة منذ تولي ترامب منصبه، وذلك بزيادة العقوبات والجهود الرامية إلى إلغاء الاتفاق النووي، وهو اتفاق رحب به الشعب الإيراني ورأى أنه بادرة لتحسن الأحوال الاقتصادية.
إن استئثار ترامب لإسرائيل وهوس السعودية إيران يخلق بيئة إقليمية تزيد من حالة الاستقطاب والتوتر، كما رأينا خلال أزمة قطر، وفي لبنان من خلال استقالة الحريري “استقالة الرياض”. وقد تم تفسير تعيين “أمير الظلام” أو “آية الله مايك” (مايكل داندريا) لإدارة عمليات إيران بكالة الاستخبارات المركزية الإيرانية بأنه بداية “نهج أكثر قوة” من قبل الولايات المتحدة.
وقد خلق كل هذا أو عزز حالة من الترقب للحرب، التي تلائم الأنظمة القمعية التي تستغل التهديدات الخارجية لتجنب مناقشة الشؤون الداخلية وتبرير سياساتها وخياراتها المتعلقة بالسياسة الخارجية.
وإذا كان “قوس الكون الأخلاقي طويلا، ولكنه يميل نحو العدالة” بالفعل، فسيكون هناك سببا كبير للتفاؤل بمستقبل أفضل لفلسطين، وللشعب الإيراني، وللعالم العربي بشكل عام.
ورغم ذلك، فسياسات ترامب في الولايات المتحدة والشرق الأوسط جعلت الطريق أطول وأصعب، حيث أنه “يتلاعب” بحياة الناس.
وإذا كان ترامب جادا في دعم نضالات الشعوب من أجل الحرية وإقامة مجتمعات تقوم على “سيادة القانون” (وفهم المعنى الصحيح لتعزيز قيم الحرية والديمقراطية والمساواة وعدم التمييز)، فيجب أن يتذكر هذه الكلمات في الوقت المناسب ، “كل دولة تعلن سيادة القانون في الداخل يجب أن تحترمها في الخارج، ويجب على كل أمة تصر عليها في الخارج أن تفرضها في الداخل”.