لوسائل الإعلام الدولية سجل ضعيف فيما يتعلق بالنشر عن الاحتجاجات والانتفاضات في الشرق الأوسط الأوسع منذ عام 2011. وتم تقديم هذه الصراعات المعقدة كمعارك بسيطة بين الخير والشر، مثل مشهد من رواية تولكين (سيد الخواتم).
وقد تم الإعراب عن الدهشة والمعاناة عندما استبدل البزوغ المفترض لفجر الحرية والديمقراطية في ليبيا وسوريا واليمن بحروب أهلية وحشية في حين أصبحت مصر والبحرين أكثر استبدادا وقمعا من قبل.
وأيا كانت أسباب إخفاق المؤسسات الإخبارية في فهم التطورات في هذه البلدان، فالواضح أنها قد أثارت شيء خاطئ جدا بشأن ما كان يحدث.
إن تذكر هذا الخطأ الشديد في الاتجاه المحتمل للربيع العربي يجب أن يجعل وسائل الإعلام الأجنبية حذرة بشأن الإبلاغ عن المظاهرات في إيران، والتي بدأت في مدينة مشهد يوم 28 ديسمبر وسرعان ما انتشرت في جميع أنحاء البلاد. وتدعي الحكومة الإيرانية أن قواتها الأمنية قد قمعت الاحتجاجات أو تم إخفاقها، ولكن هناك أدلة على اندلاع احتجاجات جديدة، وإن كانت على مستوى أقل.
وقد صاحت الشعارات، وأظهر العدد المحدود من المقابلات مع المتظاهرين أن ما يدفعهم للحراك هو الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار وانخفاض الدعم على الأغذية والوقود، بالإضافة إلى الغضب ضد الجشع والفساد من النخبة الحاكمة.
يذكر أن الكثير من المعلقين يقللون من أهمية الاحتجاجات التي غير مرجح أن يكون لها تأثير طويل الأمد على إيران، وذلك على أساس أنهم لا يملكون قيادة أو تنظيم أو خطة أو مجموعة متماسكة من المطالب. لكن الصحفيين يتجهون إلى المبالغة في تقدير مدى الحاجة إلى مثل هذه الهياكل التنظيمية المتقنة من أجل مواجهة الدولة، حيث إنهم يشعرون بالإحباط بسبب عدم وجود قادة وناطقين يمكن التعرف عليهم ويمكنهم نقل التصريحات عنهم وإجراء مقابلات معهم.
ويقارن البعض المتظاهرين بشكل سلبي، من حيث الحجم والتأثير المحتمل، مع التجمعات والمسيرات الجماهيرية في طهران في عام 2009. وقد يكون هذا صحيحا، ولكن غياب هيكل منظم يجعل القمع أكثر صعوبة على قوات الأمن الحكومية، التي تجد أنه أسهل لها القبض على المعارضين المصنفين بصورة صحيحة وسهل التعرف عليهم.
وعلى العكس من ذلك، يجد البعض نقص التنظيم وطبيعة الانتشار الواسع جغرافيا الذي لا يمكن التنبؤ به بالنسبة لاندلاع الاضطرابات دليلا مقنعا على أنها حقيقية وتعبر عن سخط واسع النطاق. ولو كانوا قد نظموا بالفعل من قبل وكالة الاستخبارات المركزية والموساد باستخدام الأموال السعودية، كما يزعم النائب العام الإيراني محمد جعفر منتظري، ومن المحتمل أن يكون الصحفيون يتعاملون من خلال استغلال علاقاتهم العامة الماكرة لعمل صور بيانية حول وحشية الشرطة والمتظاهرين المصابين.
جدير بالذكر أن هناك العديد من مقاطع الفيديو التي التقطت باستخدام الهواتف الذكية في العشرات من المدن والبلدات الإقليمية تظهر حشودا غاضبة يرددون شعارات مناهضة للحكومة. ولكن هناك في الغالب ضبابية، ومن المستحيل التحديد من خلالها أي نوع من الناس يحتجون، وأعدادهم أو حتى إذا كانوا رجالا أو نساء.
وإذا كان هناك من يبحث عن دلائل على تورط وكالة الاستخبارات المركزية، أو جماعات المعارضة الإيرانية المنفية التي على صلة بأجهزة الاستخبارات الأجنبية، فسيجد بصماتهم في معالجة أكثر مهنية لعملية النشر. وفي طهران في أوائل عام 2011 كانت هناك بعض المظاهرات التي تسعى إلى محاكاة الربيع العربي، لكنها لم تكتسب زخما إطلاقا.
وكان من الممكن عرض الكثير من الأفلام المثيرة على يوتيوب للمتظاهرين الذين يلقون الحجارة على قوات الأمن، ولكن عند الخروج للشوارع لم يكن هناك مكان يمكن رؤيتهم به. وقدمت شكاوى حول هذا الأمر للصحفيين الإيرانيين المحليين الذين عملوا في وسائل الإعلام الأجنبية ولكن الحكومة قامت بإيقاف أوراق اعتمادهم الصحفية. وضحكوا وقالوا إن الاحتجاجات قد تضاءلت إلى لا شيء بسبب الوجود الضخم لشرطة مكافحة الشغب، ولكن حتى لو سمح لهم بالنشر عن ذلك، فإنهم لم يصدقوا لأن مقاطع الفيديو التي تم تحريرها بعناية من قبل جماعات المنفى كانت تحدد جدول الأعمال.
لقد كان منتصف فصل الشتاء في طهران، ولكن بعض الأفلام عن أعمال الشغب كان بها أشجار كاملة الأوراق في الخلفية. ولا ينبغي للمرء أن يكون ساذجا حول هذا، ويفترض أن مجموعات المعارضة هي فقط التي تقدم هذه الحيل. إن وكالات الاستخبارات الحكومية في الشرق الأوسط بالتأكيد تحاول بالتأكيد تكذيب الأدلة المصورة للمعارضة من خلال نشر فيلم زائف بشكل واضح عن المظاهرات.
إن الصعوبات الحقيقية تؤدي إلى تثبيط الصحفيين الذين ينشرون عن الاحتجاجات والانتفاضات الشعبية، التي هي بطبيعتها غير متماسكة وتندلع فجأة في أماكن غير متوقعة. ومن الصعب الحصول على تأشيرات للصحفيين للبقاء في إيران، كما أن هناك قيود تفرض على السفر في جميع أنحاء البلاد. وينشأ فراغ في المعلومات، حيث أنه في لحظة من الاهتمام الدولي المكثف، سيتم ملئ هذا الفراغ بقصص غير موثوقة منقولة عن مصادر حزبية. وتزعم الحكومات بحماس أنه يجري تشويهها بشكل غير عادل في الوقت الذي تكون فيه هي نفسها التي خلقت الفراغ الذي يستخدمه أعداؤها.
وقد لا يكون هناك دليل على أن يكون لأمريكا أو السعودية يد خفية وراء المظاهرات في هذه المرحلة، ولكن من المفترض أنهم سيحاولوا الاستفادة منها. ويقول السفير الاميركي السابق لدى الامم المتحدة وأحد المحافظين الجيد جون بولتون بشكل صارم إن “هدفنا يجب ان يكون تغيير النظام في إيران”، وتمت دعوة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الماضي للتدخل داخل ايران.
يذكر أن الرئيس ترامب يقوم بتفريغ الاتفاق النووي مع إيران في عام 2015 من أي فائدة تعود على الإيرانيين وغير مرجح أن يثقوم بإعادة التأكيد في الأسبوع المقبل على أن إيران تمتثل لشروط الاتفاق. إنه يحاول استغلال الاحتجاجات لتبرير رغبته في الإطاحة بالاتفاق، ولكن فجاجة تغريداته المناهضة لإيران قد جعلت من الصعب عليه حشد الدعم عند مناقشة مجلس الأمن الدولي لمسألة الاحتجاجات بعد ظهر يوم الجمعة.
ويعد انتقاد الصحفيون الذين يتجاوزون الأدلة عندما يتعلق الأمر بسوريا أمرا صحيحا، ولكن خطاياهم لا تقارن بـ “الخبراء” في مراكز الأبحاث أو الجامعات الذين كانوا يجمعون بسعادة هذا الأسبوع النقاط التي لا وجود لها حتى الآن، ووضع استنتاجات واسعة حول شعارات قليلة هتف بها بعض الشخصيات المجهولة عبر مقطع فيديو من مصدر غير معروف. على سبيل المثال، هتف أحدهم “لا غزة ولا لبنان حياتنا لإيران”، وآخر هتلف “اتركوا سوريا بحالها، وفكروا بنا”، وعلى الفور ظهرت استنتاجات حول أن الإيرانيين بشكل عام يعارضون التدخل في الخارج.
وهذه الاستنتاجات تشكل خطرا لأنها لا تستند إلى دليل حقيقي، والأخبار التي تفيد بأن القوة العظمى الإقليمية الإيرانية المتزايدة بها ضعف مستور هي بالضبط ما يود الكثيرون في الحكومتين الأمريكية والسعودية سماعه. وهي أخبار مرحب بها بشكل مضاعف لأنها تأتي في اللحظة التي يكون فيها حلفاء إيران في العراق وسوريا ولبنان في وضع السيطرة وقد خرجوا منتصرين من حرب دامت لمدة ست سنوات.
وينبغي على الحكومات أن تسأل، حيث لم تفعل في العراق أو ليبيا أو سوريا, عما إذا كان المتخصص الأكاديمي أو الباحث الواثق مما يحدث في إيران قد زار البلاد مؤخرا أو يعرف الكثير عنها. ويجب عليهم التذكير بأنه قبل بضع سنوات فقط كان هناك خبراء مماثلون يتوقعون تفكك العراق وسقوط الرئيس بشار الأسد.