في ذِكرى مرور ثلاث سنوات، ونحن في طيات الذكرى الرابعة، بات من الواقع أن نتذكر ريحانة جباري، الفتاة الإيرانية التي صدمت الضمير الإنساني بصفةٍ عامة، وأدمت قصتها الكثيرين، واستنفرت أصواتٍ حقوقية ونداءاتٍ عالمية، يوم أن تم إعدامها في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني / أكتوبر لعام 2014.
ندورُ في تطوافةٍ سريعة، على قضية ريحانة جباري وإيضاحها، منطلقين منه حول وضع المرأة في إيران، وهل بالفعل تقع تحت وطأة التمييز والعُنصُرية، ومامدى تأثيرها في إيران حاليًا.
قضية ريحانة جباري، من الألف إلى الياء
رحلت ريحانة جباري، وهي تبلغ من العمر 26 عامًا، بعد أن مكثت في السجن سبع سنوات، حينما كان عمرها 19 عامًا، في إطار مداولاتٍ وإجراءات قضائية، إلى أن تم تثبيت حكم الإعدام عليها ونُفِّذ فيها في يوم الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني / أكتوبر لعام 2014.
مهندسة الديكور، قامت بقتل ظابط الاستخبارات الإيراني السابق، مرتضي عبد العلي سربندي، على إثر طعنة نافذة وجهتها إليه فأردته مُضرجًا في دمائه، بعد أن استدرجها إلى مكتبه أو عيادته الطبية، بحُجة تصميم ديكوراته فراودها عن نفسها، وحاول الاعتداء عليها جنسيًا، فقامت بقتله دفاعًا عن عرضها. حسبما أكدّت هي نفسها.
طول إجراءات التقاضي كانت تدور حول القرائن التي كان يدفعها القضاء الإيراني في محاولة إثباتها، فقد استندت الرواية الرسمية إلى غياب حُجة ريحانة فيما يثبت تعرضها للاغتصاب حسب تقرير الطبيب الشرعي -رغم تأكيد ريحانة أنه حاول اغتصابها، وأن الفعل ذاته لم يقع-، وحاول القضاء أن يُثبِت أن عملية الاغتيال لم تتم بسبب محاولة الاغتصاب كما ادّعت ريحانة، ولكنها عادت مرةً أخرى إلى بيت سربندي لتقوم بطعنه، وهذا ما اعتبرته المحكمة قتلًا عمدًا مع سبق الإصرار والترصُد.
كما قد أُجِّل حكم الإعدام ستة أشهر قُبيل تنفيذه، على إثر إطلاق منظمة الأمم المتحدة لعريضةٍ تلتمس العفو عن ريحانة لتحصد مائتي ألف توقيع، ليهتز الرأي العام الدولي صبيحة ذلك اليوم بخبر إعدام ريحانة. إذ أن الحُكم قد نُفِّذ في فجر يوم التنفيذ في سجن “إيفين” في طهران.
وقد أشار فربيز جباري، عم ريحانة، في حديثٍ له مع إذاعة دويتشه – فيليه الألمانية في برلين، ونقله موقع العربية، أن إعدام ابنة شقيقه كان بمثابة “اغتيال حكومي”، وأضاف أنها تعرضت للكثير من التعذيب الجسدي والنفسي لمراتٍ عديدة خلال سجنها، وأُرغِمت على الإدلاء باعترافاتٍ قسرية، منها ما كان من مسؤولي السجن طلبوا من ريحانة قُبيل تنفيذ حكم الإعدام بها أن تُصرِّح أمام الكاميرا إن مرتضي سربندي لم يقصد الاعتداء الجنسي عليها، لكنها رفضت ذلك حتى اللحظة الأخيرة.
وعبّر أن ضباط الاستخبارات ضغطوا على ريحانة لتُغيّر أقوالها في موضعين آخرين، وهي أن تعترف بأنها اشترت السكين بنية طعن سربندي وقتله، وأيضًا تقول إن باب المنزل كان مفتوحًا حين وقوع الحادثة ولم يكن مُوصَّدًا.
متوالية حُجج كانت تترى من قِبل القضاء الإيراني، لإدانة ريحانة، كمحاولة إثبات علاقة صداقة بين ريحانة ومرتضي، وفي محاولةٍ أُخرى حاولت المحكمة إثبات أن سربندي كان يُقيم الصلاة أثناء هُجوم ريحانة عليه، وهو ما تم نفيه كذلك من قِبل أُسرتها.
وقد عبّر أحمد شهيد، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعنيّ بحقوق الإنسان في إيران، عن صدمتهِ إزاء إعدام ريحانة جباري، مُبديًا قلقه بشأن كفالة “الحق في الحياة”، مشيرًا إلى زيادة عمليات الإعدام في إيران خلال الأشهر الخمسة عشر الماضية (من أغسطس 2013 إلى أكتوبر 2015).
والنظام بالتالي حاول أن يدافع عن سجله في مجال حُقُوق الإنسان، عقب التنفيذ بأسبوع، إذ أنه في يوم 31 أكتوبر عام 2014، إذا رد الأمين العام للمجلس الأعلى لحقوق الإنسان في إيران، محمد جواد لاريجاني، خلال مناقشة في الأمم المتحدة، على ما وجهته دول غربية بينها الولايات المتحدة من دعواتٍ الى إيران، للسماح بحرية التعبير، وحرية الاعتقاد، بالإضافة إلى زيادة أحكام الإعدام.
معبرًا عن أنهم كانوا يتمنون الإفراج عن ريحانة -مع الإقرار بجُرمها وبسلامة الحُكم- عبر الطلب من أقارب القتيل العفو عنها في مدةٍ زمنية أقصاها عشرة أيام ولكن أقاربه رفضوا ذلك، واعتبر لاريجاني عقوبة الإعدام،أو القصاص، هي خاصيةٌ فريدة في النظام الإيراني الجدير بالدول الغربية أن تحذوها، وانتهج لاريجاني المنهج الدبلوماسي الإيراني المعروف في قلب الحالة الدفاعية إلى هُجُوم على الخصوم، فعبّر أن الأشياء الطيبة موجودة فقط في المجتمع الغربي، هي فكرة مدمرة للغاية لقضية حقوق الإنسان.
وفي إمعان القمع، دُفِنت ريحانة في إجراءاتٍ أمنيةٍ مُشدَّدة، وسُمِح لأمها فقط برؤيتها عقب التنفيذ، وقد تركت ريحانة رسالةً مؤثرة لأمها “شُعلة باكروان”، مُدوَّنة بتاريخ 1 أبريل لعام 2014، عبرت فيها عن مشاعرها، وما تعرضت له من انتهاكاتٍ، وما تعرضت له من عمليات تعذيب نفسية وجسدية، وحجم الضُغُوط الواقعة عليها لتغيير إدلاءاتها طيلة سنواتها السبع في السجن، ومدى جور العدالة والقضاء الإيراني وأظهرت لها لِما قامت بفعلتها تلك، كما حثّتها على الصبر وعدم الحزن والرضا بقضاء الله.
وضع المرأة في إيران
تتواتر النداءات الدولية والحُقُوقية من أصقاع الأرض، على مدى حالة السوء التي تُعانِي منها المرأة في إيران، فحسبما يُشير تقرير Euro News، فالمرأة في إيران تُمثِّل نصف الرجل بحسب القوانين الإيرانية التي تُفرِق بين الجنسين، كما أن التشريع الإيراني لا يتسامح مع ما يسميه تمردًا للنساء الإيرانيات، هذا التمرُد الذي يكون ذُو ضريبة باهظة، فنرجس محمدي تدهورت صحتها وراء القضبان، وناسرين سوتودي قضت إحدى عشرة سنة في السجن، وشيفا نازاهاري وجيلا باني يعقوب، الللتين حُكِمَ عليهما بأحكام سجنٍ متعددة.
تذكر الناشطة في مجال حقوق المرأة في إيران والعضو في نادي القلم الدولي بلندن، مانصوري شوجايي، أن هُناك تمييز قانوني يمنع المرأة من تحقيق حقوقها، ولتفادي هذه العقبات القانونية حاولت الناشطات الإيرانيات الاعتراض عليها بصورةٍ سِلمية. واستطعن تحقيق بعض الأهداف لكن هناك خلافات دائمة بين الناشطات من جهة، والمشرّعين والسلطة التنفيذية من جهةٍ أُخرى.
جدير بالذكر: أنه في ظِل هذه الحالة المتشددة فتتمتع النساء الإيرانيات بحرياتٍ أكبر من نظيراتهن في منطقة الشرق الأوسط، وتحظى المرأة الإيرانية بحق التصويت، والكثيرات منهن عضوات في البرلمان. وبخِلاف المرأة السعودية، يُسمَح لهن بقيادة السيارات، وحرية العمل، والمشاركة في الحياة الاقتصادية، كما تُشكِّل المرأة الإيرانية أكثر من 70 في المئة من عدد الإجمالي للطلبة في البلد.
سنجد على سبيل المثال، أن قانون العقوبات الإيراني يُحدد عقوبة المرأة الإيرانية التي لا تلتزم بالحجاب الرسمي، والزى المُحتشِم أيضًا بالسجن مدة تتراوح فيما بين 10 أيام وتصل إلى شهرين، أو تدفع المرأة غير المُلتزمة بالحجاب مبلغًا نقديًا يتراوح فيما بين 50 : 500 ألف ريال إيراني كغرامةٍ نقديةٍ لعدم الالتزام بالحجاب. حتى أن النظام الإيراني قام باعتقال ما لا يقل عن 22 ألف امرأة إيرانية، في العام المنصرم منذ عدة أيام، في إقليم تنكابن الإيراني فقط.
وفتّحت قضية ريحانة أيضًا الأعيُن على الدور الذي تقومُ به وحدات الباسيچ -وحدات التعبئة الشعبية الإيرانية- التي تكونت جنبًا بجنب مع قوات الحرس الثوري، عقب عام 1979 حمايةً لمكتسبات الثورة الإسلامية، ومعاونة الأجهزة الأمنية في تأمين الثورة في مراحلها الأولى، وردع أي خروج أو خروق للقواعد العامة للثورة الإسلامية الإيرانية.
دورٌ قائم في جانبٍ هام، على تعبيد الأوضاع الاجتماعية وتسويتها للنظام الإيراني، مهما كانت الكُلفة، إذ يُناَطُ لهذه الوحدات القيام بحملات الاعتقال للنسوة الإيرانيات بحجة الحجاب، وذريعة عدم توافق الملابس النسائية الإيرانية مع الشريعة والقانون في إيران، كما قدمنا.
كما تقوم قوات الباسيچ أيضًا باقتحاماتٍ متعددة في الكثير من المناسبات التي تخص المرأة، وعمليات التفتيش والملاحقة الشرطية لهُن بحُجة إقرار الزى الشرعي، بالإضافة إلى مهاجمة حفلات العُرس والحفلات الموسيقية لمنع الاختلاط، أُمورٌ تتم بمباركة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، علي خامنئي.
جديرٌ بالذكر أن قائد شرطة طهران، أعلن أن ما يسمى بشرطة الأخلاق التي تقوم بدوريات في العاصمة لن تقوم تلقائيًا باحتجاز ومعاقبة النساء اللواتي يرونهم دون الحجاب المناسب في الأماكن العامة، وسيتم تقديم النصيحة لهم بدلًا من عقوبة الجلد أو الغرامات المالية التي كانت مُخصَّصة لذلك لفعل من قبل.
وأشارت جريدة نيويورك تايمز في تقريرها، أن هذا الفعل كان أحد تجليات التنافس إيران والمملكة العربية السعودية، وهما المتنافسان الرئيسيان في الشرق الأوسط، في مستوىٍ جديد مثير للدهشة، وهو المساواة بين الجنسين.
لم يقتصر انعكاسات إعدام ريحانة على أمر كشف الدور السالف لقوات الباسيچ أو الحرس الثوري في السيطرة على الوضع الاجتماعي والإمساك بزِمام الأمور وتهيئته لنظام الثورة وإلزام الجماهير بالوضع الجديد، بل تعدى الأمر إلى إماطة اللثام أكثر عن ملف الإعدامات في إيران، فقد صرّح الأمين العام للأمم المتحدة،أنطونيو غوتيريش، خلال كلمة ألقاها بمناسبة اليوم العالمي لرفض عقوبة الإعدام، والموافق للعاشر من أكتوبر الماضي 2017، إن: “4 دول فقط تنفذ 87 بالمائة من كافة أحكام الإعدام المسجلة”.
وأشار إلى أن هذه الدول هي، العراق وإيران والصين والسعودية، حسب معطيات المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. مضيفًا: “أرجوكم أوقفوا عمليات الإعدام”. وتُنظم المعارضة الإيرانية، بالتعاون مع جهاتٍ حقوقية واجتماعية، مظاهرات في مختلف الدول الأوروبية، للمطالبة بإيقاف عقوبة الإعدام في إيران.
واشتكت منظمات غير حكومية من عدم تسجيل أي تقدم منذ مُثُول ايران أمام مجلس حقوق الإنسان قبل أربع سنوات.
ذكر الكاتب الإنجليزي، ماثيو كامبيل في مقالٍ يحمل عنوان “إيران تتحدى العالم لشنق امرأة”، نشره على صحيفة “سنداي تايمز”، أنه وبالرغم من كل النداء ات الدولية والحقوقية، فقد تم تنفيذ حكم الإعدام على ريحانة.
رأينا أن مَفاد الفعل الإيراني، وتنفيذه لحكم الإعدام فيها، رغم الضغط الدولي الهائل عليها، كان على رأيين، إحداها، أن إيران كانت تقصد تعميق حالة الممانعة والصلف مع العالم الغربي وعدم الرُضُوخ لمطالبه والتدخُل في سيادتهِ وتأجّج هذا في ظِل حالة العداء بين الطرفين في ظل الصِراع الدائر حول برنامج إيران النووي.
الثاني، هو الرغبة الإيرانية الچمة في استتباب الوضع الاجتماعي في أراضيها، بالإضافة إلى شيءٍ هام وهو ما نعتقده، وهو حفظ وضع طبقة الحرس الثوري، ورجال الاستخبارات وقوات الباسيچ، وإلى من غيرهم في هذه الطبقة المتوسعة بصُورةٍ أُفقية ورأسية، وهذا يتأتى عبر تحصينها ومنع الوُصُول إليها وزجر من يُحاددها أو يواجهها، لتظل هذه الطبقة مُتمتعة بمزاياها في ربوةٍ عالية وبالتالي تظل هذه الطبقة في يد النظام مُطوَّعةً للبطش بأعدائه.
وهذا ما حدث لريحانة والتي خلفت ضجيجًا أزاح الستار عن الوضع الحُقُوقي الدامي، لمشنقة لا تكاد أن تنفك عن العمل، ونساء يُصارِعن لتحقيق حُقُوقٍ أكبر والانطلاق لوضعٍ اجتماعيٍ جديد.