أشار خبراء ومراقبون إلى صعوبة التكهن بما يمكن أن ينتج عن الأعمال الاحتجاجية في إيران، مع التأكيد على أن «أي اهتزاز للنظام في طهران سيكون حدثاً عالمياً قد يؤدي إلى مواجهات كبرى».
جاء ذلك ندوة عقدت أول أمس الأربعاء، ناقش المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الأعمال الاحتجاجية في إيران، في محاولة لفهم “خلفياتها وآفاقها».
المصير مجهول
وفي السياق، رفض الأستاذ الزائر في معهد الدوحة للدراسات العليا، حميد دباشي، إصدار «أحكام سريعة» على مصير الاحتجاجات التي تشهدها إيران، مشدداً على “أنها مسألة معقدة، بحيث تحتمل سيناريو الإخفاق مثلما حصل مع الحركة الخضراء في 2009، أو سيناريو ارتفاع وتيرة الاحتجاجات المؤدي إلى تغييرات جوهرية كما حصل في الثورة الإسلامية في العام 1979”.
وفي الوقت الذي استبعد فيه التدخلات الخارجية في الاحتجاجات، رأى أن «هناك سيناريوهين متعاكسين، الأول أن «تهدأ الأحداث وتتراجع وتيرتها كما حصل في الاحتجاجات في العام 2009 مع الحركة الخضراء”، والثاني “خروج الحرس الثوري الإيراني عن صمته والتوجه إلى الشوارع من أجل تغيير موازين القوى الداخلية بشكل جذري».
وقال دباشي، الذي كان يتحدث في الندوة التي عُقدت في الدوحة، «إن المتتبع للصيرورة التاريخية لتطور الأحداث منذ الثورة الدستورية التي اندلعت في العام 1906، يلاحظ أن إيران تشهد احتجاجًا كل عشرة أعوام، واستمرت هذه الاحتجاجات منذ الثورة الإسلامية، حيث شهدت البلاد في العام 1988 احتجاجات على التعديلات الدستورية، وفي التسعينيات احتجاجات طلابية، ومن ثم الحركة الخضراء في 2009».
ولفت إلى أن «تكرار الاحتجاجات في إيران لا يمكن فصله عما يحصل في المنطقة العربية التي تشهد ثورات منذ 2011»، وقال إن “المدخل الرئيسي لحالة الاحتجاجات التي تشهدها المنطقة وإيران يكمن في الشرق الأوسط، ويجب فهمها في سياق حالة الفشل الذي تواجهه “الدولة الأمة”، فهذه الدولة «جاءت على أنقاض سقوط ثلاث إمبراطوريات إسلامية، ومتبوعة بتوسع الاستعمار الأوروبي».
وأشار إلى أربعة عوامل رئيسة تساعد في فهم وتحليل الاحتجاجات، الأول أن «عدد المتظاهرين أقل مما هو عليه في احتجاجات الحركة الخضراء»، والثاني أن “الطبقة الفقيرة تتصدر مشهد الاحتجاجات الإيرانية، وهو ما يدعو للقول إن الفقر دافع رئيسي فيها»، والعامل الثالث «غياب الطبقة المتوسطة إلى حد الآن»، فضلًا عن العامل الرابع المتمثل في “تأثير السياق الجيوسياسي والاستراتيجي والتدخلات الإيرانية في المنطقة العربية».
كما اعتبر دباشي أن «هذه العوامل تتشابك مع الشعارات التي انتشرت في الاحتجاجات الأخيرة، وهي شعارات تطالب بتحسين الحالة الاقتصادية للطبقة الفقيرة، وشعارات ضد الفساد الذي يصيب النظام السياسي، فضلًا عن خليط من الشعارات ذات البعد العنصري ضد العرب والرافضة للتورط في الشؤون العربية».
وأضاف أن «الاحتجاجات في هذه المرحلة تفتقر إلى سردية واضحة، ولهذا تستند في الأغلب على كراهية عمياء واحتجاجات غير منظمة، وهذا لا يعني أن الاحتجاجات تفتقر إلى شرعية محقة ومبررة، إلا أنها لغاية اللحظة دون أي اتجاه واضح، فغياب الصحافة الحرة يؤدي إلى الاعتماد على شعارات المحتجين من أجل فهم طبيعة وسياق وبواعث الحالة الاحتجاجية، خصوصًا أن السرديات التي اعتمدت عليها إيران، من أجل تبرير تدخلها في المنطقة، وسردياتها لمواطنيها، قد نفذت وأضحى النظام غير قادر على توظيفها لخدمة مصالحه».
وأشار المتحدث إلى مجموعة من المؤشرات الاقتصادية، من بينها البطالة والفقر والتضخم، وقال إن «هذه المسائل غير منفصلة في الاحتجاجات الأخيرة عن مسائل التوسع العسكري الإيراني في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وأن ذلك أضحى أكبر من قدرة وطاقة الدولة، فإيران تستغل الأزمات التي تندلع في المنطقة ولا تصنعها. وذلك ما حصل في أفغانستان والعراق ولبنان وسورية واليمن، على الرغم من أن الأطماع التوسعية في الأخيرة يتم المبالغة فيها في بعض الأحيان».
واتفق أستاذ التاريخ في جامعة قطر، محجوب الزويري، مع دباشي في القول إن «إيران تشهد في كل عقد ظاهرة احتجاجية شعبية بدأت منذ الثورة الدستورية في العام 1906، وصولًا إلى الثورة الإسلامية عام 1979».
وأوضح أن «تراكم الاحتجاجات الشعبية يمكن أن يقود إلى تحقيق التغيير»، ويستدل على ذلك بالاحتجاجات الدستورية في الثمانينيات والاحتجاجات الطلابية في التسعينيات والحركة الخضراء في العقد الثاني من الألفية.
تحقيق التغيير
وقال الزويري«إن ما يحصل في إيران يعود لعوامل وبواعث داخلية وليست خارجية، والتدخل الخارجي من شأنه أن يقتل الحراك الداخلي، كما حصل في العام 2009»، مضيفاً أن «الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وخلال العقدين الأولين للثورة، قامت على أكتاف الطبقة الفقيرة التي صنعت منهم طبقة متوسطة، ثم ما لبثت أن حولت الطبقة المتوسطة إلى طبقة فقيرة في العقدين الأخيرين».
وأشار إلى أن «أكثر من أربعين مليون إيراني يعيشون اليوم تحت خط الفقر، في المقابل حافظ النظام في سياساته على جزء من الطبقة المتوسطة المرتبطة بالنظام السياسي، التي تسعى إلى خدمة أهدافه ومصالحه».
ولفت إلى أن «النظام الإيراني بركائزه الاجتماعية والاقتصادية بات أمام خطر حقيقي، فالاستثمار في الطبقة الوسطى على مدار الأعوام الماضية أضحى غير مفيد لحماية النظام السياسي. ومن جهة أخرى، فإن ارتفاع معدلات عدم التدين في المجتمع تشير إلى فشل الخطاب الديني، الذي تقوم عليه شرعية الجمهورية الإسلامية، فضلًا عن ارتفاع معدلات التضخم الاقتصادي خلال الشهر الأخير من 8.3% إلى 9.7%، عدا عن ارتفاع معدلات البطالة، خصوصًا لدى النساء».
و تشير مؤشرات البطالة غير الرسمية إلى 24% وليس 12.3% كما يدعي النظام الإيراني.
أسباب فشل الدولة
وبيّن أن «فشل الدولة الريعية بسبب الاعتماد على النفط، وفشل إقرار تشريعات جديدة لتحقيق التنويع الاقتصادي، كانا الضربة القاصمة لتوسع معدلات الفقر والبطالة».
وفسر غياب القيادة السياسية والدينية والإعلامية عن اتخاذ موقف من الاحتجاجات بطريقتين، أن «هذه الطبقة ليست متضررة من السياسات الاقتصادية للدولة، أو أنها تتابع تطور الأحداث قبل اتخاذ موقف محدد».
وشدد على ضرورة البحث في أسباب غياب قيادات الحرس الثوري الإيراني، وعدم تدخلها في الاحتجاجات الأخيرة، مشيراً إلى أن «المؤسسة العسكرية منذ انتهاء الفترة الرئاسية للرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، بدأت تخشى على مكانتها في المشهد السياسي الإيراني»، معتبراً أن «الحرس الثوري سيتدخل حالما تبدأ الأمور بالخروج عن نطاق السيطرة».
وذكر أستاذ التاريخ في جامعة قطر أن «البروباغندا الإعلامية للنظام الإيراني لتبرير سياساته في سورية ولبنان وغزة واليمن بأنها مصلحة إيرانية، أضحت بلا آذانٍ صاغية في الداخل الإيراني، وذلك سينعكس على سياسات النظام بالتراجع عن التدخل بشؤون دول المنطقة العربية في حال استمرار هذه الاحتجاجات».
وكان مدير وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، مروان قبلان، قد استهل الندوة بالإشارة إلى عشرة ملاحظات أساسية تساعد في فهم الأعمال الاحتجاجية في إيران، يتمثل أولها في أن «ما يجري في إيران ليس ثورة بعد، لكنه قد يصبح كذلك إذا انخرطت فيها شرائح اجتماعية أوسع، خاصة من الطبقات الوسطى».
ثانيًا أن «انتشار الاحتجاجات أوسع مقارنة باحتجاجات عام 2009، لكن عدد المشاركين فيها أقل»,
وثالثًا، يتركز جمهور هذه الاحتجاجات على الطبقات المهمشة والفقيرة، في حين تغيب مشاركة واسعة من قبل الطبقة الوسطى حتى الآن، وذلك على عكس احتجاجات عام 2009. ورابعًا، تتسم الاحتجاجات بأنها «بلا قيادة سياسية وبلا دعم من أي تيارٍ سياسي حتى الآن، رغم أنها بدأت بتحريض من صقور المحافظين، الذين تبرأوا منها بعدما بدأت تخرج عن الإطار المرسوم لها في إضعاف روحاني وحكومته».
أما خامس ملاحظة فهي أن الاحتجاجات عكست «انقسامًا شديدًا بين التيارات السياسية في إيران، حول قضايا سياسية واقتصادية مختلفة».
غياب الإصلاحيين
الملاحظة السادسة، التي أشار إليها قبلان، تتمثل في «غياب الإصلاحيين تمامًا عن المشهد الاحتجاجي، ولهذا يبدو أن الصراع حاليًا يدور داخل المعسكر المحافظ».
سابعًا، يشارك في الاحتجاجات الراهنة قوى من خارج النظام، إذ يلاحظ وجود شعارات لأنصار الملكية، ومجاهدي خلق، كما لوحظ وصول الاحتجاجات الى المناطق الطرفية ذات الأغلبية غير الفارسية من عرب وكرد وبلوش وأذريين، وذلك على عكس احتجاجات العام 2009.
كما سجل ملاحظته الثامنة وهي«اختلاف الشعارات الاحتجاجية بحسب المناطق التي يخرج منها المحتجون، ما يعني أن ثمّة اختلافاً واضحاً في الأولويات والاهتمامات والأهداف لدى المحتجين، وعدم وجود إطار ناظم ومحرك للاحتجاجات، وبعبارة أخرى، ليس هناك تنظيم يقود الاحتجاجات، ولا يوجد ما يؤشر إلى وجود تحالفات تعكس وحدة الأهداف بين المحتجين».
وفي الملاحظة التاسعة، بيّن مدير وحدة تحليل السياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن «البيئة الإقليمية والدولية باتت أكثر استعدادًا لدعم الاحتجاجات، فأعداء النظام اليوم أكثر بسبب تعاظم تدخلات إيران في المنطقة، وهذا يحفز بعض الدول لخوض معركة تهدف إلى تغيير النظام، وخاصة لدى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وهذا على عكس توجه إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما».
وأخيراً، لاحظ قبلان أن «حجم الاهتمام العالمي بالاحتجاجات كبير جدًا، ما يؤكد على أهمية إيران، فأي تغيير هنا سيكون له تأثير على كامل المشهد الجيو-سياسي الإقليمي، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة التحالفات التي تربط روسيا بإيران، وتعاونهما في أكثر من ملف، خاصة في سورية وأفغانستان، والتقارب الكبير في العلاقات الصينية-الإيرانية، بحكم موقع إيران الكبير في مشروع الحزام والطريق، والتقارب أيضاً بين إيران وباكستان نتيجة العداء الأميركي للطرفين، فضلاً عن تأثير ذلك على تركيا والموضوع الكردي وغيرها. اهتزاز النظام في إيران سيكون حدثاً عالمياً بامتياز لجهة التأثير والتداعيات، وقد يؤدي إلى تصدعات ومواجهات كبرى».