أشعلت الشرارة التى أثارت احتجاجات إيران فى جميع أنحاء البلاد يوم 28 ديسمبر فى مدينة مشهد، ولكن خلال أيام قليلة انتشر اللهيب فى العديد من مدنها ومحافظاتها. وفى يوم الثلاثاء، ظهرت تقارير تفيد بأن ما لا يقل عن 21 شخصا لقوا حدفهم فى الاضطرابات وتم القبض على 450 شخصا.
ولكن لمدة ما يقرب من ثلاثة أيام كاملة، كانت إذاعة جمهورية إيران الإسلامية صامتة بشأن الأحداث، وكذلك سلطات الجمهورية الإسلامية أنفسهم. وأحد أسباب هذا الصمت قد يكون، لأن هذه المرة، الشعارات ليست هي نفسها تلك التي صرخ بها من قبل (المتظاهرين) من حين لآخر منذ الانتخابات الرئاسية في عام 2009 المتنازع عليها.
وهذه الموجة الجديدة من المحتجين تختلف جذريا عن تلك التي أطلق عليها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد “قذارة وغبار” خلال اضطرابات عام 2009.
وقال قاسم شعله سعدي، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، وعضو سابق في البرلمان من مدينة شيراز، وأستاذ للقانون الدولي في جامعة طهران، إنه مع احتجاجاتهم الأخيرة، تجاوز الإيرانيون حدود الإصلاح ولم يعد يمكن لمطالبهم أن تتحق من خلال حدود جدول الأعمال السياسي الإصلاحي.
وفي مقابلة جديدة مع إيران وير، شرح شعله سعدي كيف توصل إلى هذا الاستنتاج.
لماذا تعتقد أن الناس قد تجاوزوا حدود الإصلاح؟
يقول سعدي، لاحظوا أنه في هذه الاضطرابات لا يستخدمون حتى شعار “يا حسين، مير حسين!” [وهو الشعار ذو الدلالات الدينية، الذي هتف به من قبل أنصار مير حسين موسوي، المرشح الإصلاحي في الانتخابات الرئاسية لعام 2009]. وأعتقد أن الناس قد تجاوزوا ذلك، ومطالبهم، التي لم تكن واضحة قبل أيام قليلة، أصبحت الآن متماسكة وواسعة النطاق.
والآن لا تستطيع الحكومة نقل قواتها من مدينة إلى أخرى لأن الاحتجاجات انتشرت في كل مكان. وليس لديها وسائل فعالة لقمع [الشعب]، وحتى لو كان ذلك ممكنا، فالقمع لن يحل مشكلتهم.
كيف يمكن أن تقوم الحكومة بالتخلص من هذه الأزمة من وجهة نظرك؟
لقد حان الوقت الآن لخامنئي [المرشد الأعلى الإيراني] لاتخاذ بعض القرارات الجوهرية. ويقول سعدي، ليس لدي أي فكرة حول لماذا ظل صامتا في الأيام القليلة الماضية. وفي رسالة كتبتها إلى خامنئي، حيث كنت قد توقعت مثل هذه الأحداث، وأشرت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي كمثال.
وكتبت في عام 1978، وصف الرئيس الأمريكي جيمي كارتر إيران بأنها “جزيرة الثبات” في البحر غير المستقر في الشرق الأوسط. لكن ثورة 1979 بدأت بعد يوم واحد فقط. ويفترض المرء أن مثل هذا الإعلان من قبل الرئيس الأمريكي يجب أن يستند إلى تحليل ومعلومات دقيقة، ولكنه لم يدوم أكثر من بضعة أيام.
ويضيف، كتبت إلى خامنئي أن الاتحاد السوفياتي انهار لأن حفنة من الحفريات مثل بريجنيف، وآخرين ممن لم يكن لديهم ذرة من الابتكار والمرونة، قد بقوا في السلطة لفترة طويلة جدا. وكتبت أن إيران بحاجة إلى الابتكار.
ماذا تعني “بالابتكار”؟
يقول سعدي، في إيران، يجب أن يموت كثير من موظفينا قبل فصلهم من وظائفهم. لا شيء يتغير وليس هناك مرونة. وليس هناك تقاعد لهؤلاء أيضا. إن أحمد جنتي (رئيس مجلس الخبراء البالغ من العمر 91 عاما، ورئيس مجلس صيانة الدستور، وإمام الجمعة في طهران) قد ظل في منصبه لسنوات وسنوات.
إن إيران بلد تتكون من مختلف الأعراق والمعتقدات، وهي مثال للتعايش السلمي. لماذا يجب أن تكون سجينة هذه الحدود الضيقة؟ يقولون إن لدينا انتخابات، ولكن الشعب ليس لديه الحق في التصويت لمن يريد. ويجب عليه التصويت لصالح شخص اختارته حفنة من الناس مثل جنتي في مجلس صيانة الدستور. ويتعين على بلد يبلغ عدد سكانه 80 مليونا أن يصوت لصالح الخيارات التي اختارها جنتي وعدد قليل من الآخرين.
وفي هذه الأثناء، تحدث الأمور وتتغير تقريبا من لحظة للحظة في القرية العالمية. وحتى السعودية، بكل تقاليدها الرجعية، قد رأت ما يحتاجونه اليوم وبدأت في تنفيذ الإصلاحات. ولكن في إيران، لا تستطيع النساء الذهاب إلى الملاعب. أو الناس لا يمكنهم الاستماع إلى الموسيقى التي يرغبون بها. ويجب أن يشتريوا تذاكر الطيران والسفر إلى دبي أو العراق أو بعض البلدان المجاورة الأخرى لرؤية الفنانين المفضلين لديهم. وهذه السياسات قديمة ولم تعد مقبولة.
إلى أين تعتقد أن تتجه هذه الاحتجاجات؟
للأسف، أدت الاحتجاجات في عدة مدن إلى العنف. وفي مدينة كراج، اشتعلت النيران في مبنى وزارة العدل. وفي مدينة أراك، تم احتلال مكتب الحاكم. وفى مدن اخرى مثل ملاير، تم اشعال النار فى مكاتب أئمة صلاة الجمعة. والأمور تخرج عن السيطرة. ويقول سعدي، أعتقد أن هذا سيستمر لأن الحكومة لا تستطيع أن تلبي مطالب الشعب، في وجود الهيكل الحالي، وحكامنا غير مستعدين للتغيير. وفي الوقت الراهن، نحن في مأزق سياسي.
هل كان ارتفاع الأسعار هو فقط ما أثار هذه الاحتجاجات؟
تحاول إذاعة الجمهورية الإسلامية والهيئات غير المنتخبة الأخرى عرض المشاكل الاقتصادية كسبب لهذه الاحتجاجات. وتتحدث الإذاعة عن “المطالب المشروعة للشعب من أجل كسب رزقهم”، ولكن ما يقصدون قوله هو أن أوجه القصور هي خطأ حكومة الرئيس حسن روحاني، وأنه من واجب الحكومة توفير الخدمات للشعب، وهذا ما لم يحدث.
ويضيف سعدي قائلا، في رأيي، لا صحة لهذه الادعاءات. هناك تراكم لمطالب، سياسية واقتصادية أو مهنية لا أمل في إصلاحها بين الناس. لقد تجمدت مؤسسات الائتمان وأوقفت الأصول التي تخص بعض الناس. وكثير منهم غاضبون بشكل خاص من نظام العدالة.
وفي عام 2009 أيضا، في مرحلة معينة، تطورت مطالب الناس إلى تحديات للنظام نفسه. وفي البداية، هتفوا بشعارات حول الأصوات المفقودة والتزوير في نتيجة الانتخابات وكان الناس يخطبون أحمدي نجاد. ولكن بعد ثلاثة أشهر، تحولت شعاراتها إلى الدعوة إلى “الاستقلال وإلى جمهورية إيرانية” ودعوا إلى “الموت للديكتاتور”.
وهنا قام مير حسين موسوي ومهدي كروبي بتهدئة الوضع لأنهم لم يكن لديهم أي مشاكل مع النظام نفسه. وكان لديهم مشاكل مع خامنئي شخصيا، ولكن ليس مع النظام ككل. وحتى ذلك الحين، لم يكن لديهم مشاكل مع جميع مواقفه ولكن مع بعض منها فقط.
والآن أدى تراكم المطالب التي لم يتم تلبيتها والقضايا الاقتصادية المعقدة والأجواء الأمنية أن تجري الأمور في ثلاثة أيام فقط وبسرعة لا تصدق، وتحولت الشعارات بشكل جذري لتعبر عن معارضة مكشوفة لخامنئي وروحاني. إن المتظاهرين حليا يلقون بالإهانات على قادتهم بشكل واضح. واليوم، كان الطلاب يرددون “أيها الاصلاحيين والمتشددين، انتهى الأمر!”.
وختم سعدي قائلا، كل هذا، في رأيي، يظهر أن الناس تركوا الإصلاحيين وراءهم.