تحت شعار «الموت للديكتاتور» تشهد إيران احتجاجات الأولى من نوعها منذ الثورة الإيرانية حيث خرج المئات في الشوارع وامتدوا إلى العاصمة طهران، كما واجهت الحشود قوات الشرطة وهاجمت بعض المباني الحكومية، وقتل متظاهرين بالرصاص في إحدى المدن، ما يفتح الباب حول الاحتمال الوشيك بسقوط نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وحكم الملالي في طهران، و لقي حتى الآن 15 شخصًا مصرعه، في تلك الاحتجاجات، حسبما أعلن التلفزيون الرسمى مساء أمس الاثنين.
وعبر هذا التحقيق نستعرض عوامل قد تساهم بالتعجيل في سقوط نظام الملالي، في ظل معطيات على الأرض في عدد من العواصم العربية مثل اليمن وسوري، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن طهران باتت المحرك الرئيسي لكافة النشاطات ، وهو انعكس على ردة الفعل الدولية التي أدانت تلك المنهجية من جانب الدولة الإيرانية، خاصة بسبب تدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية لدول الجوار.
وهناك تساؤلات أخرى تتمحور حول الهدف من تلك التظاهرات التي تطالب بإسقاط النظام من أجل تصحيح الأوضاع أم سيكون هدفها الوصول لخلافة المرشد «خامنئي».
في البداية نستعرض العوامل التي تحفز سقوط نظام الملالي
الأزمات الداخلية
الدكتور مصطفى اللباد أستاذ الدراسات الايرانية، رأى أن هناك عوامل سياسية واقتصادية داخلية تحفز عملية سقوط النظام الإيراني، مشيرا إلى أن الانقسامات الداخلية العميقة الأخيرة بين أقطاب النظام، والأوضاع الاقتصادية المتردية باستمرار، والمشكلات الاجتماعية الناتجة عن مصادرة الحريات جراء القوانين التي تتحكم بالحريات الشخصية لمعظم فئات الشعب خصوصاً الشباب والنساء.
الفساد المستشري
وفي حديث لـ«إيران خانة» أضاف اللباد، إن الفساد المستشري في أجهزة السلطة وقمع الشعوب الإيرانية غير الفارسية ومصادرة حقوقها بالكامل، كعوامل تجعل النظام الإيراني يعوم وسط بحر من مشكلات، ليس فقط لا يستطيع أن يجد لنفسه مخرجاً منها؛ بل لم يعد مجدياً له أن يعالجها بالوصفات السريعة، كما كان يفعل سابقاً؛ حيث يحقن البلد بالمهدئات لبعض الوقت دون أن يعالج أساس المشكلة.
وأوضح أن الضغوط الأميركية على إيران تساهم في إسقاط هذا النظام الذي شكل عليها إزعاج وقلق منذ سنوات، وذلك خلال الدعم السياسي السري للاحتجاجات وقياداته تقوى عندنا احتمالية سقوط هذا النظام بشكل كبير، وذلك يدفعنا إلى التفكير فيما هو أهمّ؛ أي ما سيحصل في مرحلة ما بعد سقوط نظام ولاية الفقيه.
أزمات اقتصادية
ومن ضمن المحفزات على اسقاط ولاية الفقيه، هو رغبة الشعب الإيراني في إنهاء سياسات النظام في قطاع الاقتصاد، التي أدت إلى التضخم، وارتفاع معدل البطالة، وتدهور سعر العملة الإيرانية بصورة غير مسبوقة.
ومنذ إقرار الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع القوى العالمية في 2015 لكبح برنامجها النووي مقابل رفع أغلب العقوبات الدولية المفروضة عليها، لم يتم تحقيق أية نتائج اقتصادية للقاعدة العريضة من الناس تقول الحكومة إنها ستتحقق.
ويعتبر الرئيس حسن روحاني أن هذا الاتفاق هو أبرز إنجازاته. ويقول مركز الإحصاءات الإيراني إن نسبة البطالة بلغت 12.4 في المئة في السنة المالية الجارية بارتفاع 1.4 نقطة مئوية عن العام الماضي. وهناك نحو 3.2 مليون عاطل عن العمل في إيران التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة.
سيناريوهات ما بعد سقوط نظام الملالي
نظام علماني في الطريق
«النظام القادم علماني» هكذا كانت رؤية الدكتور محمد سعيد عبد المؤمن استاذ الدراسات الايرانية جامعة عين شمس ، الذي اعتبر أن سقوط نظام الملالي الديني المتشدد سيخلف عنه نظاما علمانيا من الدرجة الاولى، معللا بذلك الضغوط التي تمارس على الشعب الإيراني بفرض سياسة دينية يحكمها المرشد الإيراني.
وقال سعيد في تصريح لـ«إيران خانة»:«إن النظام المقبل في إيران سوف سيكون علمانيا؛ فأولى مبادئه هو إنهاء ولاء المرشد الإيراني وإسقاطها، وسيتم فصل الدين عن الدولة، فبعد المعاناة التي ذاقتها الشعوب الإيرانية، لم يبقَ مجال لطرح فكرة الإسلام السياسي مرة أخرى، خصوصاً على شاكلة أطروحة ولاية الفقيه.
انهيار ولاية الفقية بلا رجعة
وتابع«إن نجاح الاحتجاجات تعني انهيار ولاية الفقيه إلى الأبد وبلا رجعهة، خاصة وأن محصلة نظام ولاية الفقيه خلال أربعة عقود حكم فيها البلاد كانت سيئة للغاية؛ حيث بدأ النظام حياته بالإعدامات وتصفية المعارضين ومصادرة الحريات العامة على الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية، وعمد إلى إطالة أمد الحرب مع العراق لثماني سنوات، وممارسة التدخلات السافرة في شؤون دول الجوار بهدف إثارة الفتن، وذلك عبر تصدير الثورة على صعيد السياسة الخارجية.
ورأى سعيد أن «الثورة الإسلامية»، في إيران كان بمثابة قاعدة للأنظمة والتجمعات الشيعية في العالم كله خاصة الدول العربية، ومنها انتشر الفكر الشيعي، وفي حالة سقوط نظام الملالي ، وسوف يتجه المواطنين أكثر نحو الأفكار العلمانية، أو حتى تغيير المذهب نحو السنة على، وهذا ما نشهده الآن أيضاً؛ حيث هناك ظاهرة التَسَنُّن في الأحواز التي تمثل اليوم مشكلة للنظام الإيراني يسعى لمكافحتها بشتى السبل.
وتابع: «كل الروايات الإيرانية عن المذهب الشيعي التي تزعم أن أبناء الحسين بن علي متحدرين من أصول فارسية زرادشتية، والتي تروج لربط المذهب الشيعي بالعرق الفارسي، ستدفن، فهي لم تعد تجد من يهتم بأمرها من الإيرانيين».
ضعف الميليشيات الشيعية في العالم
وعن مصير الجماعات الموالية عقائدياً وسياسياً لنظام ولاية الفقيه، مثل «حزب الله» والأحزاب الشيعية الموالية لإيران في العراق وفي اليمن وسوريا وغيرها، يقول سعيد: « في حال انهيار نظام ولاية الفقيه، فسوف تواجه هذه الجماعات مشكلة كبيرة لكي تستمر ، لأن خطابها الفكري أثبت عقمه وعدم كفاءته في تحقيق أهداف هذه الجماعات المزعومة على مستوى كبير، كما أن انقطاع الدعم المادي والسياسي الإيراني عنها سيشكل بلا أدنى شك ضربة قاضية لها».
شكوك حول محاولة انتقال السلطة
ورأى مراقبون أن هناك بعض رجال الدين، يقفون وراء هذه الاحتجاجات ، وذلك بهدف إثارة البلبلة حول الرئيس روحاني وتقويض سلطته، مشيرين إلى أن الأمور يبدو أنها سارت على عكس ما يكون، خاصة إبان نزول المتظاهرين إلى الشوارع للتعبير عن تعرضهم للعديد من المظالم.
وتلك الشكوك أثارها النائب الأول للرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري لا يستبعد وقوع مثل هذا السيناريو، وذلك وفقا لما صرح به في خطاب ألقاه يوم الجمعة.
و أفاد جهانغيري، أن «المسؤول عن اندلاع تلك الاحتجاجات السياسية في الشوارع ربما لن يتمكن من إخمادها، لأن غيرهم من الذين يصطادون في الماء العكر قد يستغلون الأمر لصالحهم. وبالتالي، يجب أن يدركوا جيدا أن عملهم سيعود عليهم بالوبال»وذلك وفقا لما ذكرته وكالة أنباء الطلبة الإيرانية.