إن الصعود الجيوسياسي الإيراني يعد أهم وأخطر التطورات في الشرق الأوسط خلال هذا القرن. ولكن في حين أن الاستراتيجية الجديدة لإدارة ترامب للأمن الوطني تعرف إيران بصورة صحيحة باعتبارها أحد التحديات الهامة التي تواجه المصالح الأمنية الأمريكية، فهذا لا يقدم استراتيجية ملموسة حول كيفية مواجهة القوة الإقليمية المتزايدة لإيران.
ويجب على الرئيس ترامب أن يحذو حذو الرئيس ريغان الذي اتبع استراتيجية هجومية لتقويض الاتحاد السوفياتي الذي شمل دعم المتمردين المناهضين للشيوعية في جميع أنحاء العالم. واليوم، يجب على أميركا دعم القوى الأصلية التي تعارض الهيمنة الإيرانية وتسعى للاستقلال عنها.
وسيتطلب التغلب على التهديد الاستراتيجي الذي تشكله إيران استمرار الوجود العسكري الأمريكي والمساعدة العسكرية للقوات المحلية في سوريا والعراق. وكذلك سيتطلب دعما أكبر للحلفاء الإقليميين، مثل إسرائيل والأردن، حيث يجب كبح الأعمال الاستفزازية التي تقوم بها إيران ووكلائها. ولكن هذا الموقف الدفاعي لن يكفي حتى لاحتواء إيران، ناهيك عن تحويل مسارها.
وتحتاج الولايات المتحدة أيضا إلى أن تدرك وضع سوريا والعراق ولبنان واليمن على حقيقته، حيث الفشل، والمنشآت الصناعية التي تسيطر عليها إيران حاليا. وقد استفادت إيران من الخلافة المتدهورة لتنظيم داعش لتعزيز السيطرة على هذه الدول الأربع بشكل متزايد.
يذكر أن الهيكل السياسي الحالي للشرق الأوسط يخدم مصالح إيران، وقد حان الوقت لتغيير ذلك.
إن الحفاظ على سوريا والعراق ولبنان واليمن في أشكالها الحالية يعد أمر غير طبيعي ويخدم مصالح إيران. ولا يوجد شيء مقدس حول حدود هذه الدول، التي يبدو أنها رسمت من قبل صانع خرائط في حالة سكر ومعصوب العينين. في الواقع، وفي تجاهل كامل لهذه الحدود، قد أثبتت داعش وإيران بالفعل على حد سواء المفارقة التاريخية وعدم أهمية الحدود.
جدير بالذكر أن سوريا والعراق ولبنان واليمن ليست دولا قومية كما يفهمها الأميركيون، بل إنها منشآت صناعية تأسست بعد الحرب العالمية الأولى، ونشأت في معظمها من رماد الإمبراطورية العثمانية في تجربة فاشلة من قبل القادة الدوليين.
وبسبب الانشقاقات العرقية الطائفية العميقة، فهذه البلدان الأربعة إما كانت مكبلة من قبل يد سلطوية قوية أو عانت من مذبحة طائفية.
والواقع أن نقطة الضعف الرئيسية للاستراتيجية الإقليمية لإيران تتمثل في اعتمادها على الأنظمة الوحشية للسيطرة على الأراضي الممزقة بسبب الصراعات العرقية الطائفية. ويجب على الولايات المتحدة استغلال هذا الضعف من خلال دعم تلك القوات التي تعارض سيطرة إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن وتسعى إلى المزيد من تقرير المصير أو الاستقلال عن عواصمها.
والنتيجة يمكن أن تحول هذه الدول الفاشلة إلى اتحادات حرة أو بلدان جديدة ذات حدود أكثر تتفق بشكل طبيعي حول الأمور الطائفية.
يذكر أن إعادة رسم العلاقات السياسية أو الحدود مسألة معقدة للغاية، ولا يمكن للولايات المتحدة أن تملي النتائج. ولكن يمكن التأثير عليها. ويجب دراسة كل بلد بعمق من حيث صفاته الفريدة وتاريخه، والتشاور عن قرب مع الحلفاء الإقليميين قبل اتخاذ قرارا بشأن سياسة العامة.
وفي ما يلي بعض الأمثلة على استنتاجات السياسة العامة التي قد تستخلصها الحكومة الأمريكية:
* قد يتم إيقاف توريد الأسلحة للعراق وإعلان دعم أمريكا ومساعدتها العسكرية القوية لدولة كردية عراقية في نهاية المطاف، وذلك بمجرد توحيد الفصائل المتناحرة وتحسين الحكم. ويمكنهاا أن تدعم اتحادا لبقية العراق.
* بالنسبة لسوريا، يمكن أن تسعى أمريكا إلى إقامة اتحاد حر متماسك عرقيا أو ولايات منفصلة يمكن أن توازن بعضها البعض، حيث العلويون الذين تهيمن عليهم إيران على طول الساحل، والأكراد في الشمال الشرقي، والعرب السنة في قلب البلاد. ويمكنهاا أيضا أن تظهر أنها ليست مناهضة للمسلمين الشيعة من خلال تحسين العلاقات مع أذربيجان، وهي دولة شيعية علمانية متاخمة لإيران تسعى إلى إقامة علاقة أوثق مع الولايات المتحدة.
ويمكن أن تكون الفائدة المحتملة الإضافية لهذا النهج بمثابة إثارة للتوترات داخل إيران، التي تضم عددا كبيرا من السكان الأكراد والأذربيجانيين، مما يؤدي إلى إضعاف النظام المتشدد في طهران.
وقد يجادل البعض حول أن هذا النهج غير عملي، ويزعزع الاستقرار، ويوفر لإيران فرصا جديدة. ربما، ولكن مسار المنطقة الحالي يعد أكثر خطورة. ويقع العبء على الولايات المتحدة في سياستها في إلغاء الحدود والرد على العدوان الإيراني.
جدير بالذكر أن إيران ليست راضية عن قوة الوضع الراهن لتعزيز مكاسبها. إن نظامها الراديكالي الجريء يعتزم السيطرة على المنطقة وتدمير إسرائيل. والصراع الإيراني الإسرائيلي يلوح في الأفق أكثر فأكثر مع قيام إيران بإنشاء قواعد ومصانع للصواريخ في سوريا، مما يشكل جبهة ثانية في شمال إسرائيل.
وبالإضافة إلى ذلك، يجب على الأمريكيين التركيز على تطوير إيران المستمر للقذائف الباليستية ذات القدرة النووية التي يمكن أن تصل في النهاية إلى موطن الولايات المتحدة.
وقد انقسمت الدول الصناعية أو ضعفت بعد تحقيق بعض النجاح، مثل الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، والتي جميعها تشكيلات ما بعد الحرب العالمية الأولى. وقد تمت إدارة البوسنة والهرسك أيضا ككونفدرالية.
ويرى البعض أنه يجب على الرئيس ترامب الهجوم على إيران. وأن الهيكل السياسي الحالي للشرق الأوسط يخدم مصالح إيران، وقد حان الوقت لتغيير ذلك.