إن المسيحيين الذين وصفوا شمال العراق بأنه وطنهم منذ القرن الأول يتعافون من مذبحة داعش فقط لمواجهة تهديد ناشئ ويخشون من التحدي المتمثل في التأثير المتزايد من قبل إيران.
وهذا التأثير يأتي في مجموعة من الأشكال والأنواع، بل والتسلل داخل المجتمع المسيحي نفسه.
والأمر الأكثر وحشية، أن هذا التأثير يشمل التسليح المباشر والتمويل لميليشيا معروفة من المسيحيين العراقيين. والنوايا الحقيقية للميليشيات، المعروفة باسم كتائب بابليون، تقلق هؤلاء المسيحيين الذين لا يزالون هناك أو يريدون العودة إلى وطنهم القديم، والمعروف باسم سهول نينوى.
وقال د. سالم هنا، وهو طبيب أسنان مسيحي عراقي يبلغ من العمر 33 عاما، “لقد كان لدينا داعش، والآن نكافح مع هذا الحكم الإيراني المتزايد، والديمغرافيات المتغيرة”. وأَضاف، “إن سهول نينوى تعد جزءا هاما من الهلال الخاص بهم لربط إيران بسوريا، ولكن سيكون لهذا تأثير سلبي على بقاء المسيحيين العراقيين في مناطقهم الأصلية”.
يذكر أن كتائب بابليون الذى يقودها ريان الكيلداني البالغ من العمر 32 عاما، يصطف بشكل وثيق مع منظمة بدر وهى حزب سياسى وميليشيا تأسست فى طهران برئاسة وزير النقل العراقى السابق هادى العامري. وتعهدت بدر رسميا بأن “أي انتهاك ضد بابليون يعني انتهاكا لبدر”.
وفي حين أن بعض المسيحيين ممتنون حقا للعمل والتضحية من قبل الميليشيات للتخلص من داعش، قال العديد من المسيحيين العراقيين إنهم يشعرون بالقلق من أن إيران، موطن الإسلام الشيعي، لا تقوم بتمويل وتجهيز كتائب بابليون فقط بدافع ديني.
وقال آنو جوهر عبدوكا الناشط المسيحي في أربيل ومحلل العلاقات الدولية، “إن إيران تمول بشكل مباشر ميليشيات مسيحية حتى تتمكن من توسيع نفوذها في سهول نينوى”.
وليس المسيحيين العراقيين فقط هم من يشعرون بالقلق إزاء سخاء إيران للميليشيات المسيحية.
وقال عضو الكونجرس السابق فرانك وولف، الذى قام بتتبع القضية فى العراق بشكل شخصي، لوكالة انباء فوكس نيوز، “هذه مشكلة حقيقية والعالم ينظر في اتجاه آخر”. وأَضاف، “إن الجسر البري مكن الشاحنات والأسلحة الإيرانية من الذهاب إلى مناطق البحر الأبيض المتوسط. وإيران في الطريق”.
ولكي يتحقق هذا الجسر البري، المعروف أيضا باسم الهلال الشيعي، الذي يمتد من طهران عبر شمالي العراق وسوريا ومن ثم إلى لبنان، فإيران تحتاج إلى أراضي من الطائفة المسيحية المتناقصة بشكل سريع في سهول نينوى. ولا يزال العديد من أفراد هذه المجتمعات مشردين بسبب داعش وبالتالي لا يستطيعون حماية منازلهم. وعلى مدار الشهرين الماضيين، أصبح هذا الطريق البري يقترب بشكل سريع من الاكتمال.
يذكر أن أحد الأسباب المثيرة للقلق هو الصداقة الوثيقة بين الكيلداني، قائد كتائب بابليون، وأقوى شخصية عسكرية في إيران، وهو اللواء قاسم سليماني.
وقال كيلداني لـ “فوكس نيوز” من مكتبه في بغداد، “بدون سوليماني، لكان الكثير من مناطق العراق قد سقطت في يد داعش”.
وأَضاف قائد الميليشيات المسيحية أيضا إن سليماني الآن “مستشارا كبيرا في الحكومة العراقية”، وأنه قدم نصائح بشأن معارك لاستعادة المناطق المسيحية من داعش في العراق، بل إنه حتى أخذ الأمور نحو خطوة أخرى على الحدود مع سوريا حيث “قاد شخصيا المعارك لتحرير المناطق المسيحية. وأراد أن يلعب دورا قياديا في تحرير هذه الأراضي، وأراد حماية الأماكن المقدسة”.
وبصرف النظر عن الروابط المقلقة بين كتائب بابليون والجيش الإيراني، يجد المدنيون المسيحيون أن التأثير الإسلامي الإيراني يزحف داخل حياتهم اليومية.
إن هذا التأثير داخل سهول نينوى، والذي يندب بسببه العديد من المسيحيين على الأرض، يزداد وضوحا مع كل يوم يمر.
وقال المواطنون إن انتشار الملصقات التي تظهر المرشد الأعلى الإيراني السابق آية الله الخميني ليست أمرا غير مألوفا. وعند نقطة تفتيش بالقرب من مدخل بلدة السريانية المسيحية في بارتيلا، تم تمزيق ملصق مريم العذراء الشهر الماضي واستبداله بصورة خميني جنبا إلى جنب مع خليفته آية الله خامنئي. وفي أواخر سبتمبر،سميت مدرسة باسم الخميني، وعلق اسمه على لافتة كبيرة على أطول مبنى، حتى يوم الافتتاح هناك، ومراسم قطع الشريط حضرها القنصل العام الإيراني في أربيل مرتضى عبادي.
وقال روميو هكاري، الذي يرأس حزب بيت النهرين، وهو حزب سياسي مسيحي آشوري في العراق، إنه يتلقي شكاوى بصورة روتينية من المسيحيين في جميع أنحاء سهول نينوى حول بناء منازل من غرباء، يفترض أنهم من طوائف شيعية، وضمنهم أقلية من شيعة شبك الذين يلتزمون بالعديد من ركائز الإسلام الشيعي الإيراني.
وقال هكاري، “من الواضح أن هناك خطة أكبر لإحداث تغيير ديموغرافي”، مؤكدا على أن المسيحيين يشعرون بضغوط متزايدة لبيع أراضيهم جراء اليأس المالي وفقدان كل شيء بعد داعش، وخوفا من أن تأخذ أراضيهم في النهاية بأي حال من الأحوال بسبب التسلط الإيراني.
وفي مدينة قرقوش المسيحية في العراق في منطقة الحمدانية بمحافظة نينوى، تحسر الناشطون المسيحيون على أن جامعتهم الصغيرة، جامعة الحمدانية، تم توجيهها مؤخرا، وفقا لوزارة التعليم بالحكومة الاتحادية، لقبول ما يزيد على 180 معظمهم من الطلبة الشيعة من وسط وجنوبي العراق، مما دفع إلى الاحتجاج من السكان المحليين الذين كانوا يخشون من إعطاء ممتلكاتهم إلى التدفق الجديد.