عام 2009، سُئِل رجل الدين الحوثي، عصام العماد، عن الروابط بين إيران والمتمردين، فقال إن حُسين الحوثي، زعيم الجماعة، هو أشبه بحسن نصر الله، زعيم “حزب الله اللُبناني”. توطئةً لمدى متانة الروابط بين الجانبين اللذين تجمعهما مصالح مشتركة وثوابت مُوحَّدة.
فالحوثيون لا يخفون ولاءهم لطهران ظاهرًا وباطنًا، علنًا وسرًا، وإن اختلفوا في المذهبية التي يضطلع كل طرفٍ منهما بها، فالحوثيون مذهبهم الزيدية، والإيرانيون مذهبهم الاثنا عشرية، أي أنهم لا يتوافقون في الجِنس المذهبي، واضعين في الاعتبار أن إيران وإن كانت مُتزمِتة بمبادئها وثوابتها العقدية الشيعية ولا ترضى يومًا التفريط فيها أو التزحزح عنها بل وتُجبِر من يجلسون معها يومًا أن يُقدِموا هُم الباع والصاع والشبر والذراع، حتى وأن توافقوا مع الحوثيين في الأصل الشيعي الواحد، لكن إيران تسمح لهم بالعمل أسفل رابتها هي، وأن ينضووا تحت لوائها. وهذه واحدة من السياسات الدبلوماسية الناجعة التي تنتهجها إيران في التعامل مع الفاعلين من الأحزاب والجماعات والمنظمات في منطقة الشرق الأوسط، كما أفاد تحليل موقع THE INTERCEPT.
لإيران تاريخٌ طويل مع الحوثيين، بُذِلت في تدوينه أوقاتٌ طِوال، ودراسات لمراكز بحثية، وتحليلات لوكالات أنباء، تعمل على سرد قصة التعاون المُوثَق بين الجانبين. أحمدي نجاد أثناء فترة حكمه لإيران، في مطلع يناير عام 2010، عنّف من لهجته تجاه المملكة السعودية لحربها ضد الحوثيين، وأن حل الأزمة لن يتأّتى بالحرب بل بالمفاوضات بين الطرفين، ولا أن تُوجِّه المملكة أسلحتها إلى صُدُور المسلمين. وقال نجاد أيضًا ذات مرة، في عام 2009، أن المتضررين من الحرب مع الحوثيين في اليمن هم ثلاثة اليمن والسعودية وطهران، تأكيدًا على مدى نُفُوذ الدور الإيراني في اليمن، كلمات متواترة من رأس النظام التنفيذي في إيران آنذاك.
في 21 كانون الثاني/يناير لعام 2010، قال قائد القوات الأمريكية في المنطقة، الجنرال ديفيد بتريوس، أن هناك بعض المؤشرات التي يمكن أن تُشير إلى تورط إيران في الصراع. أعقب ذلك، في 31 كانون الثاني/يناير لعام 2010، صرّح مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى، چيفري فيلتمان لصحيفة “الحياة اللندنية” بأنه في حين تأخذ واشنطن هذه الاتهامات على محمل الجد، فأنه ليس لدينا أدلة بأن التدخل الإيراني بقضية الحوثيين عميق بقدر ما هو مع حزب الله. إن فيلتمان هو من بين أفضل الدبلوماسيين الأمريكيين وأكثرهم صراحةً. ولذلك فمن الجدير بالملاحظة، أنه لا ينكر كليًا التورط الإيراني. وفي الواقع، يبدو أن المقارنة التي طرحها تؤكد ذلك. وهذا ما أكّده ديفيد شنيكر. -بالطبع هذا الموقف انقلب رأسًا على عقب، وتشكل لدى الولايات المتحدة الأمريكية يقينًا جازمًا، ونحن على مشارف عام 2018 بأن إيران تدعم الحوثيين في اليمن-.
عرّج ديفيد شنيكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، في ورقته “من يقف وراء الحوثيين؟”، والتي نُشِرت في فبراير 2010، على أن الصحافة السُعودية ممثلةٌ في صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية المملوكة لسعوديين، أفادت في كانون الأول/ديسمبر 2009، أن كبار المسؤولين من “فيلق الحرس الثوري الإيراني” و “حزب الله اللبناني” اجتمعوا مع متمردين حوثيين لتنسيق العمليات العسكرية ضد المملكة العربية السعودية.
تأييدٌ معنوي تواتر وتتالى من رؤوس النظام الإيراني، إذ أن مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية والخارجية، علي أكبر ولايتي، أعلن في أكتوبر 2014، صراحةً أن إيران تقف مع جماعة أنصار الله في اليمن وتُدعِم موقفها، واعتبر تحركاتهم جزءً من الصحوة الإسلامية. وأتى هذا خلال اجتماعٍ له في طهران، مع رجالٍ دينيين يمنيين ينتمون للطائفة الزيدية، وأشاد بعبد الملك الحوثي وسياساته الناجحة في إدارة الثورة في اليمن، وأن لجماعته شعبية واسعة، على حد قوله. بل طوّر ولايتي من خطابهِ هذا في هذا الاجتماع، عندما صرّح أنه يرغب أن تلعب جماعة أنصار الله في اليمن الدور الذي لعبه حزب الله في لبنان، حين وقف إلى جانب الجيش اللبناني في محاربة أعداء هذا البلد، بحسب تعبيره أيضًا.
وكذلك في لقاءٍ صحافي في طهران نُقِلَ عن التليفزيون الإيراني الرسمي، تم في 23 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، صرّح قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، إن إيران تُقدِم المشورة والدعم المعنوي لليمن، وهذه المساعدة ستستمر. كما أثنى الجعفري على حلفاء إيران في المنطقة، وأشاد بما سماه جبهة المقاومة التي تمتد من طهران إلى بيروت.
وكالة رويترز للأنباء، في تقريرها كانون الأول / ديسمبر 2014، أفادت حسب مصادرها -اليمنية والغربية والإيرانية- أن إيران تمُدّ وتُدعِم الحوثيين ماديًا وعسكريًا قبل وبعد السيطرة على العاصمة اليمنية، صنعاء، في 21 سبتمبر / أيلول لعام 2014. وأفاد التقرير، أن مسؤول أمني يمني كبير صرّح إن إيران دعمت بثبات الحوثيين الذين قاتلوا الحكومة المركزية منذ عام 2004 من معقلهم الشمالي صعدة. وأضاف أن قبل دخول صنعاء بدأت إيران ترسل أسلحة لليمن وقدمت الكثير من العون بالمال عبر زياراتٍ في الخارج. وأضاف مسؤول آخر أن الأسلحة ما زالت -حتى وقت هذا التقرير-تأتي بحرًا ويأتي المال عبر تحويلات.
وأشار مصدرٌ إيراني لرويترز، إن فيلق القدس التابع للحرس الثوري لديه بضع مئات من العسكريين في اليمن الذين يدربون المقاتلين الحوثيين. وأضاف أن 100 حوثي سافروا إلى إيران عام 2014، للتدريب في قاعدة الحرس الثوري قرب مدينة قُم. ولم يتسن على الفور التأكُد من هذه المزاعم. بالإضافة إلى نحو 10 مستشارين عسكريين إيرانيين في اليمن آنذاك، وإن وتيرة الأموال والأسلحة التي تصل للحوثيين زادت منذ سيطرتهم على صنعاء.
وكانت سفينة “چيهان 1” التي سيطرت عليها اليمن في كانون الثاني / يناير عام 2013، في خليج عدن، لتهريبها أسلحة من إيران إلى مسلحين محليين، دليلٌ ماديٌ جازم على الدعم الإيراني. وبعد أيامٍ من السيطرة على السفينة، حاصر مسلحون حوثيون مقر الأمن الوطني، وطالبوا بالإفراج عن ثمانية من أفراد طاقم السفينة اليمنيين المحتجزين، وأُطلِق سراحهم مع اثنين يُشتبَه أنهم من أعضاء حزب الله سُجِنا لسعيهما لتدريب حوثيين عسكريًا.
عام 2015، ذكر تقريرٌ سري لخبراء في الأمم المتحدة، رُفِع إلى مجلس الأمن الدولي، أن إيران تقدم أسلحةً إلى المتمردين الحوثيين، في اليمن، منذ عام 2009 على الأقل. وذكر التقرير أن الدعم الإيراني العسكري الحالي إلى الحوثيين في اليمن يتسق مع أنماط نقل الأسلحة التي تعود إلى أكثر من 5 سنوات حتى الآن.
حاولنا في الجُزء الأول تجميع مقولات ومواقف وآراء وتحليلات وأبحاث، توطيدًا لماهيّة فكرة أو قضية دعم نظام الملالي الإيراني للحوثيين في اليمن، وتأكيدها، بل ودحض النفي الإيراني المكرور عن عدم دعمه للحوثيين في اليمن، في محاولة لبناء أرضٍ صلبة للجزئين القادمين، وعدم بناء الكلام على درجاتٍ من هواء، إذ أن النفي الإيراني ذاته يحمل في طياتهِ أساسيات تناقضه، عندما يخرج قادة النظام الإيراني من كل حدبٍ وصوب ويؤكدون على قضية الدعم والتأييد ولكنهم يستبدلون كلمة جماعة أنصار الله أو الحوثيين، بكلمة اليمن، مواربةً وإخفاءً لحقيقة الدعم المُوجّه لعبد الملك الحوثي وجماعته، والدخول في حربٍ بالوكالة مع المملكة العربية السعودية من جبهةٍ جديدة.
#نستعرض في الجزء الثاني من سلسلتنا “قراءة في الدعم الإيراني للحوثيين”، حجم منظومة الدعم الإيراني للحوثيين، كالدعم المادي، والعسكري، واللوچستي، وماهيّته وتأثيره في قلب موازين القُوى في اليمن.