بات الوضع مُستعِرًا أكثر مما مضى، وباتت طائرات التحالُف تضرب سُدىً، وذهبت كلمات أحمد العسيري، المتحدث السابق باسم قوات التحالف العربي، منذ عامين، بأن طيران التحالف ضرب ما هو مقداره 80 % من القُوة الصاروخية للحوثيين أدراج الرياح.
عندما أطلق الحوثيون، ظهر الثلاثاء الماضي، صاروخًا باليستيًا من طراز “بركان H2” صوب قصر اليمامة، في العاصمة السعودية، الرياض، حيث كان هناك اجتماعٌ موسَّع لقادة النظام السعودي، كما قالت قناة المسيرة التابعة لجماعة الحوثي. بينما على الطرف الآخر، أكدت وزارة الدفاع السعودية أن الدفاعات الجوية السعودية -منظومة صواريخ الباتريوت- تصدت للصاروخ، وفجرته في الجو، قبل سقوطه على الأرض، في منطقة ظهرة البديعة، جنوب الرياض. وقد أكدت الوزارة أيضًا، قولةً واحدة، أن الصاروخ “حوثي-إيراني”، وقد تُداول آثار دُخانٍ كثيف في سماء الرياض جراء تفجير الصاروخ. كما نفى التليفزيون السعودي وُقوع أية إصابات جراء التفجير.
ملامح إيرانية
يظهر للعيان أن هذا هو الصاروخ الثاني الذي أطلقه الحوثيون على المملكة في غُضُون شهرٍ واحد، إذ أنه في الخامس من تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، اعترضت وحدات الدفاع الجوي السعودي صاروخًا باليستيًا حوثيًا سُمِعَ دوي تفجيره الشديد، قُرب مطار الملك خالد الدولي، بل وتناثرت شظاياه في محيط أرض المطار. وفي مايو / آيار الماضي أيضًا، أطلق الحوثيون صاروخًا باتجاه الرياض قبل يومٍ واحد من زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، المقررة إلى المدينة، لكنه أُسقِط على مسافة 200 كيلومتر من العاصمة.
السعودية لا تتوقف عن إلحاق الاتهامات دومًا وبصورةٍ متكررةٍ لإيران بحُجة تدعيمها الحوثيين في اليمن لاسيما عندما دعت السعودية، في أواخر نوفمبر الماضي، إلى اجتماعٍ عربيٍ طارئ لبحث سُبُل وكيفية التعامُل مع الدور الإيراني القائم في منطقة الشرق الأوسط، ووزعت في الاجتماع ورقة تشمل معلوماتٌ إحصائية حول هجمات الحوثيين التي ضربت أهدافًا سُعودية بدعمٍ من إيران، وعنونتها باسم “بدعمٍ مباشر من إيران ميلشيا (الحوثي- صالح) تنتهك القوانين الدولية” أشارت إلى حجم وعدد وأضرار الصواريخ الباليستية التي هاجمت المملكة.
هُناك إيمانٌ قابع في قرارة النفس السياسة السعودية، أن القُوة الصاروخية المتطورة للحوثيين هذه مرجوعها الجمهورية الإيرانية، والسُعوديةُ تسيرُ على هذا الدرب مدفوعةً بالتقارير الأمريكية التي تُؤكِد على الدور الإيراني في إمداد الحوثيين بالمنظومة الصاروخية إثر عمليات التحليل القائمة على أجزاء الصواريخ التي أُطلِقت على السعودية، وقد خلُصت إلى أن الصواريخ الحوثية الموجَّهة نحو الأراضي السعودية، “نوعًا من الأسلحة التي لم تكن موجودة في اليمن قبل الصراع”، حسبما أكدت نيكي هيلي، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة.
ويُصعِّد ولي العهد، الملك الفعلي للمملكة السعودية، محمد بن سلمان من لهجة حديثهِ تجاه إيران بسبب هذا الأمر، إذ صرّح أن إمداد إيران الحوثيين بالصواريخ يُعَد عدوانًا عسكريًا ومباشرًا من جانب النظام الإيراني، وقد يرقى إلى اعتباره عملًا من أعمال الحرب ضد المملكة.
وقد قال بيتر ساليسبري، وهو أحد كبار الباحثين الاستشاريين في معهد “تشاتام هاوس”: “لقد كان ولي العهد، محمد بن سلمان، يقودُ استراتيچيةً في المملكة من حيث السياسة الاقتصادية والاجتماعية، بل وسياسةً إقليميةً أكثر عدوانيةً أيضًا”، وأضاف: “إنه يحاول جعل المملكة العربية السعودية عظيمةً مرةً أُخرى، وخلق سياق تكون فيه السعودية هي المهيمنة الإقليمي”. وذلك كما ورد في تقرير وكالة NBCVEWS.
في آيار / مايو الماضي -أثناء قيام التحالف الحوثي الصالحي، وقبل مقتل علي صالح- كان هناك عرضًا عسكريًا يجمع بين ميلشيات علي عبد الله صالح والحوثيين، كان بالعرض أسلحةً متنوعة ومتعددة، كصواريخ غراد وكاتيوشا، وصواريخ تاو المضادة للدروع، ووصل الأمر أن الحوثيين أعلنوا أنهم يمتلكون أسلحةً أكثر تطورًا ونوعيةً ينظر إليها الخبراء أنها مُطوَّرة من قِبل خُبراء إيرانيين ومن حزب الله اللبناني. وامتلاك طائرات مُسيَّرة قادرةً على تنفيذ مهامٍ قتالية، واستطلاعية وأعمال مسح وتقييم وإنذار مبكر من طرازاتٍ متعددة “هدهد، وهدهد1، ورقيب، وقاصف1، وراصد”.
إيران تنكر بصورةٍ دائمة دعمها للحوثيين، إذ هي تعلم أن الاتفاق النووي سيتهاوى إذا قامت بتصدير أو إمداد أو بيع أو نقل أسلحتها إلى دولٍ خارج أراضيها دون موافقةٍ مسبقةٍ من مجلس الأمن. كما أن هُناك قرار منفصل للأمم المتحدة بشأن اليمن،يمنع تقديم أسلحةٍ لزعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، واثنين من قادته العسكريين، والرئيس اليمني المخلوع، علي عبد الله صالح وابنه ومن يتصرفون بُناءً على توجيهاتهم.
وإيران لا تود إفساد ما تقُم ببنائه تبع أچندتها الإصلاحية الحاكمة من إنجازاتٍ سياسية خارجية؛ لذلك فهي تتنصل دومًا من أي ادعاءات تحاول إلصاقها بالتسليح الحوثي، حتى أن جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، قام بمقارنة نيكي هيلي -والتي تضغط على الأُمم المتحدة لمعاقبة إيران- مع كولن باول وبيانه في عام 2003 كوزيرٍ للخارجية حول أسلحة الدمار الشامل العراقية المزعومة، على الرغم من أن واقع التسليح الحوثي، يُخالف ذلك بالكُلية.
فقد عرضت الولايات المتحدة الأمريكية مقطع وسائطيًا “ڤيديو” عن أجزاء لبقايا أسلحة إيرانية زودت بها طهران الحوثيين، شملت طائرة بدون طيار، ونظام تشغيل للصواريخ الإيرانية، وبقايا صاروخ “طوفان” المضاد للدبابات، وشعار لشركةٍ إيرانية مُصنِّعة لصاروخٍ أطلقه الحوثيون تجاه الرياض، وبقايا صاروخ “كيام” الباليستي الإيراني، وطابق البنتاجون نماذج للصواريخ الإيرانية مع أُخرى استعراضية، وأثبتت المطابقات مدى صواب وجهة النظر الأمريكية تجاه التسليح الإيراني للحوثيين.
بين الواقع الافتراضي والميدان
منتصف هذا الشهر، عندما نشرت صحيفة الرياض السعودية مقطعًا لفيديو ثلاثي الأبعاد يُحاكي عملية احتلال العاصمة الإيرانية، طهران، وتدمير القوة العسكرية الإيرانية برًّا وبحرًا وجوًا. وحمل الفيديو عنوان “قوة الردع السعودي”، مُظهِرًا قصفًا للقوات السعودية بالصواريخ البالستية على مفاعل بوشهر النووي، وقواعد جوية، والقيام بعملياتٍ إنزال جوي وبحري على الشواطئ الإيرانية، حتى وصلت الدبابات إلى قلب طهران. وقامت قوات مشاه باقتحام مقرٍ عسكري محصَّن حتى وصلت إلى بابه ووجدت خلفه قائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني، والذي على الفور استسلم للسعوديين، وهو يرتجف وجثا على الأرض.
وكان يُشرِف على كافة الضربات والهجمات السعودية ضد إيران، الأمير، محمد بن سلمان.
وفي نهاية المقطع، ظهر الشعب الإيراني وهو يرفع صور الملك سلمان، وابنه ولي العهد محمد، في العاصمة طهران، وسط مرور الدبابات التي تحمل علم السعودية وقيام طائرات بإلقاء منشورات. وهذا كان مُلخًّص دوَّنهُ موقع عربي 21.
وقد تم بثّ المقطع بست لُغات، العربية، والتركية، والفارسية، والإنجليزية، والإسبانية، والعبرية. وقد حاز المقطع مشاهدات جاوزت 900 ألف مشاهدة. جديرٌ بالذكر أن عام2016 ، انتشر فيديو قصير باللغة الفارسية يتحدث عن هجومٍ عسكري إيراني على مراكز حيوية في السعودية، بعنوان “حرب الخليج الثانية”، بمدةٍ تبلغ 5 دقائق، حمل الفيلم سيناريو عسكريًا افتراضيًا تَستهدفُ القواتُ الإيرانية من خلاله قاعدةَ الملك خالد الجوية، وآبار النفط، ومدينة الرياض، بصواريخ الحرس الثوري الباليستية.
هذه الحلبة لا يُعتَّد بها كثيرًا، ولكن بالنظرة إلى الحالة الحرابية السيبرانية الجارية، واضعين بالإضافة هذا الصراع بين تلكم القوتين الهائلتين في المنطقة، سيُصبِح الأمر شديد الأهمية، لأن الحرب الباردة تأخذ أشكالًا ومناحً مختلفة منها الجانب الإليكتروني، ولكن لا يزال الخيار العسكري مُستبعدًا بين البلدين لأنهما ذاتهما يتجنبانه، وتقرير NBC سالف الذكر، أشار إلى أن مُحللين كُثُر صرّحوا إن الحرب الشاملة بين المملكة العربية السعودية، وإيران غير محتملة، إلا أن هذا المقطع الكرتوني السعودي أثار شبح ذلك.
ولكن من الواضح أن إيران كانت لا تعبأ بأفعال بن سلمان ومنهجه، وحبّذت أن تتخذ نهجًا أكثر واقعيةً وتحقُقًا، وأن تُرسِل رسالةً تعُج بالمضامين للجانب السُعودي، فأعقب الفيديو أيامًا معدودات حتى حلّق صاروخًا جديدًا فوق سماء المملكة، غير واضعين في الاعتبار قُدرة المملكة الدائمة على التصدي لهذه الصواريخ، لأن هذا ليس هو مَناط التقرير، بل التعويل على الردود الإيرانية المملوءة بالواقعية والإنفاذ والتحقُق والتمرُس في السياسة والميدان التي أتقنتها عملًا وخبراتٍ اكتسبتها على مدى عُقُود، بالإضافة إلى جُرأة الحوثيين التي لا تتفق مع المنطق الزمني للحرب الذي من المفترض أن يُظهِرمدى ضعفهم والانهيار الواضح في صُفوفهم نتيجة تلاحق القُصُوف والضربات عليهم.
نجد على النقيض مثالب لا تكاد تنتهي للسياسة الخارجية السُعودية، إيران التي تُوظِّف الأوراق الضئيلة التي في يديها بنجاحٍ وقُدرةٍ فائقة، لا يُواجهه في المقابل أي توظيف صحيح أو قُدرة مناورة من قِبل المملكة السعودية رغم حجم المميزات التي تحوزها في كلتا يديها، على الأقل الجانب العقدي، وفي حين تلجأ المملكة إلى مجلس الأمن، ومقاطع الفيديو، وللولايات المتحدة؛ لتحقيق انتصارٍ افتراضي وفي محاولاتٍ حثيثة لتقزيم الدور الإيراني الإقليمي، كانت إيران بواحدٍ من أذرعها تُوجِه للسعودية صفعةً عسكرية سياسية أرّقتها.
وهذا ما جعلنا نجنح إلى أن الصاروخ الذي حُطِّم فوق سماء الرياض، كان ردٌ إيرانيٌ سريعًا جديدًا على لهجة ولي عهد المملكة المتصاعدة ضد الجمهورية وعلى المقطع الوسائطي لحرب الهجوم على إيران، ولكن الرسالة كانت بغطاء القتال الدائر بين المملكة والحوثيين في اليمن، الذي ألحقت به إيران والتحالف العربي والحوثيين، أعظم مآسي القرن الواحد والعشرين جوعًا ومرضًا، وجعلوه أرضًا تحيا بها الأشباح، وجعلوا سُكانه مثار خطابات ومؤتمرات كُبريات المنظمات الحُقوقية العالمية من شتى الصُنُوف، ومن مختلف الفئات.