لا أحد يعترض أن ظاهرة ممارسة البغاء أصبحت متأصلة بالمجتمع الإيراني قبل قيام الثورة الإسلامية ومن بعدها لا يوجد هناك من يربطها بالقوانين الصارمة التي فرضتها الثورة بانتشار الظاهرة سوى القليل، لكن في نفس الوقت عدم وجود إحصاءات وأرقام معتمدة من السلطات الإيرانية، لا يؤكد سوى نتيجة واحدة أن الظاهرة أصبحت متفشية والحديث عنها يضعف من موقف النظام الحاكم أمام شعبه سواء في مسائلة كمتسبب في انتشارها أو عدم القدرة على مواجهتها والتقليل منها.
ووفقًا للصحافة الإيرانية التي تحدثت أكثر من مرة عن هذة الظاهرة، فإن السبب الحقيقي وراء تواجد مهنة البغاء والمومسات في إيران بمختلف محافظاتها يرجع لانتشار إدمان المخدرات بين الشباب الإيراني، حيث تؤكد العديد من الدراسات أن المجتمع الإيراني يتواجد به ملايين المدمنين.
وليس هذا فقط بل انخفض أعمار المدمنين بشكل كبير في الخمس سنوات الأخيرة، وبعدما كان الحد الأدني من حيث السن 36 عاما، أصبح الآن 26 عاما في المتوسط، إضافة إلى مدمنين في عمر المراهقة، وبالتالي أصبح الرجال غير قادرين على الانفاق على زوجاتهم أو بناتهم اللاتي يضطرن إلى الهروب من آبائهم هربا من الفقر الذي يعيشون به، وأحيانا أيضا التحرش بهن، فيجدوا أنفسهن في الشارع بلا مأوى أو مورد رزق، ويقعن فريسة سهلة لأوكار وشبكات الدعارة.
في المقابل تؤكد عدد من الصحف العربية التي تناولت هذة الظاهرة أن السبب الحقيقي ورائها هي الثورة الإسلامية وما حملته على إيران من متغيرات صارمة وإجراءت مشددة كانت سببا في انفلات الكثير من الفتيات والوقوع في خطيئة ممارسة البغاء.
ولكن ما يؤكده التاريخ عكس ذلك، فما لا يعرفه الكثيرون أن مهنة البغاء تعد أقدم المهن في التاريخ، وتواجدت في إيران قبل الثورة الإسلامية حالها حال جميع دول العالم، وكانت مهنة معلنة في المجمتمع الإيراني، كذلك في العاصمة طهران التي تواجد بها قبل الثورة الاسلامية حي “شهرنو” الذي كانت تعرض فيها بائعات الهوى أجسادهن للبيع علنًا أمام جميع المارة مثلما تعرض أي بضاعة أخرى، لكن بعد وصول الإسلامين للحكم عام 1979 تم هدم هذا الحي الذي كان وكرا للعديد من الشبكات وتم تشييد حديقة عامه بدلا منه.
حكايات
وتناولت عدة تقارير اجتماعية إيرانية التي صدرت في هذا الشأن العديد من نماذج الفتيات الإيرانيات التي مارسن مهنة البغاء، ومن بينهن قصة “فاطمة” السيدة الثلاثينية المتزوجة ولديها ابنة مراهقة، حيث انتبه جيرانها لتردد العديد من الغرباء على بيتها في الوقت الذي يتغيب زوجها عن المنزل لممارسة عمله الذي يتتطلب منه السفر إلى محافظات إيرانية أخرى.
وأمام هذا الانتباه أبلغوا السلطات الأمنية التي داهمت المنزل لتكشتف بعدها أن السيدة الثلاثينة وابنتها المراهقة تديران شبكة لاستقطاب الفتيات الهاربات من منازلهن وتوقعهن في فخ ممارسة الدعارة لتوفير مأوى لهن ومورد رزق.
حكاية أخرى كان بطلتها “تارنة” الفتاة العشرينية التي عانيت من إدمان والداها وتحرشه الجنسي بها، وأمام غياب فرصة التعليم والزواج وعدم توفر المال الكافي لتحقيق ذلك، لم تجد مفرا لها من ممارسة تلك المهنة والتي مكنتها كما تقول التقارير من شراء شقة صغيرة تسكن بها الآن مع أختها الصغرى ووالداتها التي تعلم جيدا من أين أتيت ابنتها بهذه النقود لكنها تحاول تجاهل الأمر.
“كيرى” فتاة عشريينة أخرى لم يمنعها الزواج من ممارسة هذة المهنة، حيث توضح أن معاناتها مع زوجها وتشاجرها باستمرار معه كانت السبب الرئيسي في هروبها من البيت، وحين وجدت نفسها في الشارع لم تجد يدًا تساعدها غير مديري هذه الشبكات المنافية للأخلاف؛ فانجرفت إلى هذة المهنة التي لم تجد ملاذا غيرها.
قوانين
وأمام كل هذا تحاول السلطات الإيرانية التصدي لمثل هذة الممارسات بفرض عقوبات قاسية ومغلظة حتى يعتبر الآخرون، وهذا ما يبينه عدد من الأحكام التي صدرت بحق ممارسات تلك المهنة والمتورطين بها، فإحدى المحاكم الجزائية الإيرانية أصدرت أحكاما قوية بالسجن على سبع إيرانيات بتهمة تسهيل الدعارة وتمت إحالة بعضهن إلى محكمة ثورية، حيث صدرت بحقهن أحكام بالإعدام.
كما أصدرت محكمة “يفت أباد” في ضاحية طهران حكماً بالسجن مع النفاذ بحق امرأة في الخمسين من العمر، تدعى فهيمة تعتبر الرأس المدبر لشبكة بغاء، مع إقفال ثلاثين منزلا وحكم عليها أيضاً بالجلد 75 جلدة ودفع غرامة بقيمة “200 دولار أميركي”.
كما أصدرت المحكمة أحكاما بالسجن لمدة عشرة سنوات على امرأتين أخريين في الخمسين من العمر، وجلد كل منهما بين 160 و 205 جلدات ودفع غرامات بسيطة، ووجهت إليهما بالإضافة إلى ذلك تهمة إقامة علاقات جنسية غير مشروعة واقتناء كحول.وصدرت أحكام أخرى بالسجن لمدة خمس سنوات ضد خمس نساء أخريات مع جلد كل منهن وقررت المحكمة تخفيف عقوبة إحداهن بسبب تعاونها مع الشرطة.
وفي واقعة أخرى صدرت أحكام بجلد سبع نساء أخريات بين 75 ومائة جلدة في حين حكم على خمس بالنفي الداخلي لمدة أربعة أشهر إلى نهباندان شمال شرق إيران، وبرأت المحكمة بعض النساء الأخريات وعددهن حوالي الثلاثين.