استعرضنا في تقريرنا السابق الجزء الأول من قضية خلافة خامنئي، منصب الإرشاد في إيران، ومعلومات عن صفات وصلاحيات الولي الفقيه وكيفية اختياره وحجم نفوذه، والهيئات التابعة له ووضعه في الداخل الإيراني، وعرجنا أيضًا على وضع خامنئي بشخصهِ وصفتهِ وكيف بدّل الأوضاع لصالحه واستطاع بناء شبكة قُوية ترتبط به كُليًا، بالإضافة إلى الإحداثات التي أقمها وأصبحت عصيةً على من بعده أن يقُم بمثلها.
يمكنكم الاطلاع على الجزء الأول من هنا.
الحرس الثوري: من التبعية إلى السيطرة
أصبحت تلك القُوة الميلشياوية المُشكَّلة المُصغَّرة لحماية أهداف الثورة الإيرانية على يد الخُميني، تبسط يدها على الكثير في الداخل الإيراني وخارجه، سيطرةً تصل إلى أجهزة الأمن بشقيها الداخلية والقوات المسلحة، ويدٌ مبسوطة على الاقتصاد الإيراني -لاسيما بعد أن أصبح قوّة تجارية لها مليارات الدولارات تضمّ مئات الشركات. وتوظّف هذه الشركات مئات الآلاف من الإيرانيين بشكلٍ مباشر، ويعتمد الملايين بصورةٍ غير مباشرة عليها في معاشهم.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، يسيطر الحرس الثوريّ على شركة ختام الأنبياء للإنشاءات، والتي تعدّ أكبر شركة هندسيّة في إيران ويعمل بها أكثر من 160،000 شخص-، وأيضًا التوسُع في الجهاز الإداري للدولة وسيطرتهم على المزيد من المكاتب الحكومية والمقاعد البرلمانية، والتنقُل من البرنامج النووي إلى برنامج الصواريخ الباليستية، بالإضافة إلى الأذرُع الطولى الممتَّدة على طول بُلدان الجوار.
هذه القُوة كان لا بُد لها أن تتصاعد وتأخُذ منحىً آخر، هذا المنحى يصل إلى الخُرُوج من دائرة التبعية للمُرشد إلى السيطرة والتحكُم في قرار تعيين المرشد ذاته.
ورقة “الخلافة العُليا: من سيقود إيران في المرحلة ما بعد خامنئي”، الصادرة عن معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، للباحث مهدي خلجي، تناولت أن الحرس الثوري على الأرجح سيكون هو اللاعب الرئيس في عملية الخلافة.
ويُعرِج بهذا على أن رغم كون خامنئي، القائد العام للقوات المسلحة، إلا أنه لم يشغل قط هذا المنصب وحده، فيتنازل عن سلطته لآخرين، وكان برفقته الحرس الذي لم يكن له أي دور سياسي أو اقتصادي كبير. والآن سمح خامنئي للحرس باقتحام السياسة، والسيطرة على ثلث الاقتصاد على الأقل.
ورغم أسبقية نُفُوذ خامنئي في إيران، فإن ذلك يعود إلى اعتماده على قُوة الحرس. وبالتالي يُصبِح من الصعب التخيُل بأن يسمح الحرس لـمجلس الخبراء وحده أن يقرر من سيكون خليفة خامنئي. كما عوّل مهدي خلجي على أن الحرس الثوري سيلعب دورًا بارزًا في تهدئة مخاوف النظام بشأن الاضطرابات الشعبية خلال المرحلة الانتقالية.
وهذا ظهر عندما تكوّن أول تدخُل للحرس الثوري في السياسة الإيرانية الداخلية، عام 1999، عندما خرجَ آلاف الطلاب إلى الشوارع احتجاجًا على إغلاق صحيفةٍ إصلاحيّة. فكتبَ 24 قائدًا من قيادة الحرس الثوريّ رسالةً غاضبةً إلى الرئيس محمد خاتمي، وانتقدوه لعدم وقف التظاهرات، وقالوا له: “لقد بلغ صبرنا منتاهه، ولا نعتقد أنه من الممكن التسامح مع أيّ شيء آخر إذا لم يتمّ التصدي لذلك”.
وقضت هذه الحركة على الأچندة الإصلاحيّة لخاتمي. ونجح الحرس في تشكيل مركزه في السياسة الإيرانية. والذي تطور بدورهِ إلى ذُروة الوصول عام 2009 الذي قمعت فيه قوات الحرس الثوري، مظاهرات الحركة الخضراء التي قامت أثناء الانتخابات الرئاسية ضد أحمدي نجاد.
ولذلك باب منصب الإرشاد لا بُد أن يُولَج من قِبل بوابة الحرس الثوري، وسيُصبِح لِزامًا على المرشحين المحتملين التدافع نحوه لتقديم القرابين، والحصول على التطمينات للفوز بالمنصب. فهذه الحالة العسكريتارية للحرس مصبوغةً براديكاليةٍ وتزمُتٍ بمبادئ الثورة الإيرانية الإسلامية، مع الأخذ أنهم لن يُقدِّموا تنازُلات عن حجم المفاوز الاقتصادية والاجتماعية التي حقَّقوها، وهذا نابعٌ من إيمانهم بحجم التضحيات الكثيرة التي قدموها من أجل الجمهورية الإسلامية مقارنةً برجال الدين، وهذا ما يجعلهم رقمًا شديد الصُعُوبة على التمرير دون الوُقُوف أمامه.
أبرز المرشحين
- صادق لاريجاني:
توسعنا في سرد قصة صادق لاريجاني وفصّلنا تقريرًا كاملًا عنه، يمكنكم الاطلاع عليه عبر هذا الرابط.
وقد أشرنا إلى مدى توسع صادق لاريجاني وعائلته في إيران ومناصبها، وهو متشددٌ لأبعد درجة، يلتزم بالبراجماتية والالتزام الكامل بمبادئ الثورة الإيرانية بصفته يمينيّ محسوب على مدرسة قُم التعليمية فيُعارِض بقُوة سياسات الإصلاحيين والمعتدلين، شديد السخط على المعارضة السياسية حتى أنه قال في مؤتمرٍ لمسؤولي القضاء، عام 2015، متحدثًا عن إجراءاتٍ حازمة ضدّ المعارضة الداخليّة، قائلًا: “لا يمكننا أن نتبادل المجاملات معهم”، كما أنه مناوئ صلد لسياسات الانفتاح المُلبرَلة.
وبالطبع ذلك يرتبط بالضرورة بعدائه الشديد للغرب، كما أنه من النادر أن تجد شخصًا لم يدخل لاريجاني في صراعٍ معه حتى أحمدي نجاد المحسوب على المحافظين، كما أنه حاز على ثقة خامنئي عندما وصفه خامنئي قائلًا: “عالمٌ بارع، وورِع، وشجاع، وذكيّ، وثوريّ مجتهد -أي مفسِّر موثوق للشريعة الإسلاميّة-“، وكافأه على ولائه بترقيته له إلى مناصب هامة.
ولكن الحرب التي شُنّت مؤخرًا عليه تقف حائلًا دون وُصولهِ لبُغيتهِ، وتُعرَج هذه الحرب على الحرس الثوري الذي كان صديقه بالأمس القريب حتى أن الحرس سخر خدماته للاريجاني عبر احتجاز أعدادٍ كبيرة من النشطاء والمعارضين واستجوابهم، ولكنه بات يسعى إلى إيقاف هذا الرجل دون تحقيق بُغيتهِ رغم مدى التماهي بين أيديولوچيا الحرس ولاريجاني.
واستشعر مراقبون وخُبراء أن الحرس هو من وراء آخر ضربة وُجهت للاريجاني، وهو اتهام ابنته زهرا بتعاونها مع جهاز الاستخبارات البريطاني M16، كما اُتهم بفساده المالي عبر امتلاكه قرابة 63 رصيدًا مصرفيًا وتحويل الأموال العامة عليها، حتى أنه في عام 2013، أخرجَ أحمدي نجاد شريط فيديو في البرلمان ادّعى فيه أنّ أحد إخوة لاريجاني يتاجر بعلاقاته الأسرية.
- هاشمي شاهرودي:
“السيّـــد” كما يُلقَب، وهذا يعني أنه محسوب على سُلالة النبي محمد صلّى الله عليه وسلم -كما يُدعّى-، تتلمذ على يد الخُميني، كما أعلن نفسه أنه آية الله العُظمى، ويتمتع بعلاقاتٍ قوية وصِلات واسعة مع الطيف الشيعي الممتَد خارج إيران وهذا عامل أسبقية له على أقرانه، لاسيما الطيف الموجود في العراق بالإضافة إلى حوزته الجنسية العراقية -وهذا سببٌ هام يُعوَّل عليه من قِبل رافضيه في عدم إعطاء المنصب له-، ويُعَّدُ واحدًا من أثرى الناس في إيران، إذ صنع ثروته من خلال استيراد السلع، ويُوصف نمط حياته بأنه “بعيدٌ عن التقشف”.
وبلغت قُوته الدينية أنه كان ستُصبِح له مدرسةً خاصة وجموعة دينية تابعة له، ولكنه قُوبِل بردٍ عنيف من قِبل مرجعية قُم التعليمية في عام 2012، وهذا ما يجعل حتى الآن وجود شوائب في العلاقة بين شاهرودي وحوزة قُم.
وتولى منصب السُلطة القضائية قُبيل صادق لاريجاني حتى عام 2009، وتولى كذلك في مجلس صيانة الدستور والمجلس الأعلى للثقافة الإيرانية، ورغم محافظته و لكنه أقل حدةً بمراحل من صادق لاريجاني، حتى أن تقرير مركز “Tirbune News Service” أشار أنه بذلَ محاولاتٍ فاترةٍ للإصلاح، وقلَّل من معارضته ومعاملته للطيف السياسي المعارض في إيران، بل حاول إنهاء سياسة الحبس الانفرادي والتعذيب، وقد باءت خططٌ إصلاحيةٌ مراقبية له بالفشل.
ولكن شاهرودي تستشعر أنه يقف على مسافةٍ واحدةٍ من الجميع، لا يهوى النزاع أو الدخول في صراعاتٍ أي أنه وسطيٌّ قليلًا، وكان يحتفظ بعلاقاتٍ طيبة مع جماعة رفسنجاني الإصلاحية وكذلك جماعة أحمدي نجاد المحافظة، مع الأخذ أنه غير متعمق في التعامل مع الصناديد من السياسيين والأمنيين من رجالات النظام والدولة المتشعبة في إيران.
وهذا بالطبع عامل تأثير سلبي على ترشُحه للمنصب، وتقل أسهمه في الوصول لمنصب المرشد، آخذين أنه فشل في الترشُح مرتين لمجلس خبراء القادة. ولكنه حاز رئاستها مؤقتًا لخبرته الدينية الواسعة.
- صباح اليزدي:
الفقيه، الذي يمتلك حُظُوظًا واسعة للترشح لمنصب المرشد الأعلى بنسبةٍ مرتفعة، ويُحسَب على التيار المحافظ اليمينيّ، ومن ثَمَّ فهو يعادي أچندات الإصلاحيين والاعتداليين، وكما أفاد موقع الخليج أونلاين في تقريره، فإن مصباح يزدي معروفٌ بولائه الكامل للحرس الثوري وداعم له، ويتوقَع أن يكون للحرس الدور الأكبر في حال حصول يزدي على المنصب.
وتواترت تقارير مختلفة حول قُوة هذا الرجل في الوصول للمنصب.
- إبراهيم رئيسي:
اسمٌ جديد، ظهر على السطح وبقُوةٍ متناهية، رغم أنه مغمور بين أوساط العامة، ولكن أسهمه تكاد تتجاوز كافة الأسماء المعروفة المُؤهَّلة للمنصب. وعُيِّنَ رئيسي، البالغ 57 عامًا، في مارس 2016 رئيسًا لمؤسّسة أستان قدس رضوي، -وهي منظمةٌ خيريّة ضخمة يسيطر عليها مكتب المرشد الأعلى، وتدير ضريحًا يجذب الحجاج الدينيين من إيران وخارجها-. فيشرُف رئيسي على إمبراطوريّةٍ تجاريّةٍ مترامية الأطراف للمؤسّسة، والتي تبعث الهبات المالية للجمعيّات والمؤسّسات الدينيّة.
وهو شديد المحافظة، حتى أنه عندما كان مدعيًا عامًّا،عام 1988، ساهم بشكلٍ مباشر في عمليات الإعدام الجماعيّة للسجناء السياسيين، بمن فيهم أعضاء مجاهدي خلق المنفية التي تدعو إلى الإطاحة بالجمهوريّة الإسلاميّة.
القُوةٌ التي أبداها رئيسي في فترات توليه المناصب المتعددة في إيران جعلت منه شخصيةً ذات حُظوظٍ مرتفعة، كان من بين أوّل مجموعة من رجال الدين الشباب -وكان عمره 20 عام،في عام 1980- الذين دخلوا في نظام المحاكم الإسلاميّة الذي تمّ إنشاؤه حديثًا، حتى ترأس الفريق الذي يشرف على الفساد في الكيانات المملوكة للدولة، ثم نائبًا لرئيس القضاء في عام 2004، وظل محتفظًا بمنصبه الأقوى في السلطة القضائية. ثم في عام 2014 أصبح المدعي العام في البلاد.
ولكن ثمة ثغرة كذلك في رئيسي، وهو خلفيته الدينيّة المتواضعة، ليس رجل دين ذو شأن، لم يدرّس في المعاهد الدينيّة المعروفة، لم يكُن عضوًا في جمعية مدرسين قُم التعليميّة، لم يصل إلى مجلس صيانة الدستور، وارتباطه برجال الدّين قاصرًا.
وفي محاولة لتعزيز شهاداته الدينيّة، ولكنه أبدى محاولاتٍ عدة لتعويض هذا النُقصان، عبر مجموعة أفعال، فبدأ في تدريس دورات الدراسات العليا في علم الكلام في جامعة الإمام الصادق. واستخدم كنية “آية الله”، وعمل كمدعٍ عام في المحكمة الدينيّة الخاصّة، وهي الهيئة التي تعاقب رجال الدين على مخالفاتهم، وهو عضو في المجلس الذي يشرف على المعاهد الدينيّة في مدينة مشهد.
وبرغم فقر خلفيته الدينيّة، إلّا أنّ رئيسي يتمتّع باحترام كبير من زملائه الأعضاء في مجلس خبراء القيادة. حيث تمّ انتخابه في المجلس عام 2006، وبعد عامين فقط، صوّت له أقرانه ليحل محل روحاني على رئاسة المجلس، التي تعمل كمجلس اتصال مع مؤسّسات الدولة الأخرى.
كما يشغل رئيسي منصب أمين اللجنة التي تعنى بالإشراف على المرشد الأعلى بمجلس خبراء القيادة. ولكنه ذو صِلاتٍ مُمتَنة بالنظام السياسي والأمني في البلاد تناطِح صلات صادق لاريجاني وصباح اليزدي. لاسيما الحرس الثوري.
- آخرون:
هناك العديدون من المرشحين الذي تُدرَج أسمائهم لم تكُن هناك الحاجة للإسهاب في تفاصي شؤونهم، أمثال، حسن روحاني الرئيس الحالي والذي سيُرفَض من قبل أن تُعرَض سيرته حتى إذ أنه وهو رئيس يُضاَد سُلطة المرشد ويتململ من سيطرته عليه بالإضافة إلى أچندته الانفتاحية الواسعة، ولدينا أيضًا مجتبي خامنئي النجل الثاني لعلي خامنئي ولكن صِغر سنه -45 عام- وعدم اكتمال تعليمه الديني ولكن لديه صِلاتٍ أيضًا بقوات الحرس بالإضافة إلى سيطرته على قوات الباسيج، كما يفيد تقرير موقع القصة. حتى أنه شُبِّه بـــ”رئيس المافيا”، وارتبط بالكثير من الصفقات الاقتصادية التي يقوم بها الحرس الثوري.
كان هاشمي رفسنجاني الذي وافته المنية في كانون الثاني / يناير الماضي، واحدًا من أبرز الأسماء التي أخذت حقها في السرد، ولكن اعتداليته المعروف بها وعدم كفاية أصالته الدينية وعدم تدعيمهِ من قِبل الحرس الثوري، أسبابٌ كانت تحول بينه وبين وصوله للمنصب رغم حنكته السياسية وخبرته. حتى أن وفاته شكّلت ضربةً قاصمةً للإصلاحيين والاعتداليين في السيطرة على منصب الإرشاد وإحكام الزمام على الأمر الإيراني.
التحديات
خطورة وأهمية هذا المنصب هو الذي أثار هذه الحالة من الجدل والصراع والنزاع، حالةٌ لم تكن لتحدُث ذا قبل نظرًا لنُدرتها وأنها ليست طارئة على الوضع العام للإرشاد في إيران، كما أن هذا المنصب هو جوهر الصراع بين التيارين المحافظ والإصلاحي الاعتدالي.
لكن ثمة تحدياتٍ طائلة تطالُ هذا المنصب المتفجر.
أولها الحرس الثوري، حول كيفية إيجاد صوتٍ موحَّد في الحرس لخدمة البلاد لا المصالح الخاصة بهم؛ لأننا أشرنا أن تركيزهم سيكون منصبًا على توزيع السلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بينهم من قِبل المرشد الجديد. وبصفتهِ ركنٍ رئيس في تشكيل القرار الخارجي الإيراني سيُصبِح على الطرفين إيجاد صيغةٍ توافقيةٍ للتعامل مع سياسة النُفُوذ الإيرانية الخارجية.
بالإضافة إلى مرجعيات قُم، إذ يرى الدكتور عبد الله حسيني، الخبير بالشأن الإيراني، أن هذه المرجعيات سيكون لها هي الأخرى دور مهم في اختيار الولي الفقيه القادم، فإذا أعلن المراجع الكبار اصطفافهم مع أحد المرشحين للمنصب، فإن بعض هؤلاء المراجع له أتباع وتلاميذ بالآلاف، وسيكون لبعضهم تأثير على الرأي العام داخل المرجعيات، وحتى داخل مجلس الخبراء الذي ستُناَط به عملية التصويت على المرشحين وفقاً لمواد الدستور. كما أفاد تقرير موقع الخليج أونلاين.
ثانيها، التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، إذ تُعوِّل الأولى بشدة على ما بعد خامنئي في تغيير البُنية السياسية للشكل القائم للنظام الإيراني وإحداث تغييرات في سياسة العداء الخارجي الإيراني، وكيفية تعاطي هذا المرشد الجديد مع الغرب، وهل سيعمل على تغيير بُنية الخطاب الراديكالي المُتزمِت تجاه النظرة الإيرانية المُوجَّهة للغرب.
وللغرب رغبة في تغيُر الوضع القائم، وإيران ليس لديها مانع من مواصلة استراتيجيّتها الحذرة للتعاون في بعض القضايا، كالمساعدة في الكفاح ضدّ التنظيمات الجهادية السُنّية كتنظيم الدّولة الإسلاميّة، ولكن بالنسبة لقضايا أُخرى كالعداء تجاه إسرائيل. والاتفاق النوويّ مع أمريكا، فإنّ إيران ستواصل التمسك بالوقوف عند مواقفها.
ثالثها، سيُصبِح على المرشد الجديد محاولات قائمة بأن يُكمِل سيرته بصورةٍ تامة، لأننا بالعرض التفصيلي لسِيِر المرشحين المحتملين لخلافة المنصب، سنجدهم إما متفوقون في الجانب السياسي ولديهم خبرات وسوابق أعمال في هذا الاختصاص ولديهم حِنكة، ولكن على الجانب الآخر يفتقدون التكوين الديني المطلوب أو لا يحوزون على رضاء المرجعيات والحوزات، والعكس صحيح. وإن كان مكتملًا على الجانبين فسنجد أنه لا يحتفظ بعلاقاتٍ وأواصر مع رجال الدولة العميقة مثل الحرس الثوري، والقضاء، ومرجعية قُم، وغيرهم.
ختامًا، في خطابٍ ألقاه عام 1996 أمام مجموعة من قادة الحرس الثوريّ الإيرانيّ، قام خامنئي بتقسيم الإيرانيين إلى جماعتين، هما “العوامّ”، أي الناس العاديين، و”الخواصّ”، أي هؤلاء الذين يتحمّلون المسؤوليّة في البلاد، وشدد على أهمية “تفاني الخواصّ في تحقيق مُثل الجمهوريّة الإسلاميّة”، ويرى إن بقاء إيران يرتكز إلى شبكته المبنيّة بعنايةٍ من تلاميذه وأتباعه.
وستستمرّ هذه الشبكةُ، في جميع الاحتمالات، في الحفاظ على الجمهوريّة الإسلامية لفترةٍ طويلة بعد موته، حتى وأن كثُر الحديث والجدال حول مستقبل إيران بعد رحيل خامنئي.
والذي طال أفكارًا مثل إضفاء الصفة الرسمية على الطبيعة السياسية لمنصب المرشد الأعلى من خلال دمجه مع منصب رئيس الجمهورية، أو نزع الثقل السياسي عن منصب المرشد الأعلى عن طريق تشكيل مجلس من خمسة ملالٍ غير مكلَّف بشيءٍ سوى اتخاذ القرارات ما إذا كانت التشريعات متوافقة مع تعاليم الدين من عدمه، مما يعني ترقية منصب الرئيس، الذي يتمتع بصلاحياتٍ محدودة في الوقت الراهن، لأن يكون الرئيس الفعلي للدولة، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وصاحب الكلمة الأخيرة في القرارات السياسية التنفيذية.
لذلك دولة الملالي تستعر ليظل السؤال قائمًا فيها، من يحمل الإرث عقب خامنئي؟