إيران وتركيا دولتان إسلاميتان كبيرتان على الساحة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية والتاريخية على المستوى الإقليمي والدولي ولكن اتسمت العلاقات التركية الإيرانية على مر التاريخ بالتوتر والمشاحنات التي وصلت إلى الحروب التي استمرت لسنواتٍ عديدة بين الطرفين منذ العهد الأسطوري وحتى يومنا هذا.
العلاقات الإيرانية التركية في عصر الأسطورة
دائماً ما كان الآريون ” الإيرانيون ” والتورانيون ” الجنس ” التركي والأتراك ” في صراع دائم منذ أن قتل ( سلم وتور ) – الذين يعود إليهم الجنس التركي – أخيهم ( إيرج ) – الذي يعود إليه الجنس الآري أو الإيراني – وكلهم أبناء ( فريدون ) ومن هنا سيطرت فكرة الثأر على العلاقات الإيرانية التورانية وظل هذا الصراع وهذه الحرب سائدة طوال العصر الأسطوري الإيراني التوراني وحتى بعد ذلك بكثير.
ودخلت هذه العلاقات مرحلة أخرى من الصراع عندما تزعمت الدولة العثمانية المذهب السني وأعلن الشاه ( إسماعيل الصفوى ) المذهب الشيعي مذهباً رسمياً لإيران حيث كان هذا الأمر هو المحرك الرئيس للمشاحنات والتوترات التي امتدت إلى العصر الحديث والمعاصر حيث دخلت هذه العلاقات مرحلة جديدة، حيث تغيرت من مرحلة الصراع إلى مرحلة التطبيع والاستقرار في بعض الأحيان.
حدود إيران وتوران قديمًا
العلاقات الإيرانية التركية بعد إعلان التشيع مذهبًا رسميًا لإيران في القرن العاشر الهجري على يد الشاه إسماعيل الصفوى
كما ذكرنا من قبل أن العامل المذهبي هو المحرك الرئيس للصراع الإيراني التركي حتى يومنا هذا، فبعد أن أعلن الشاه إسماعيل الصفوى المذهب الشيعي مذهبًا رسميًا لإيران في القرن العاشر الهجري بدأ الصراع ودخلت القوتين الإيرانية والتركية في حرب شرسة قامت على أساس مذهبي حيث صارت إيران هي راعية العالم الشيعي والشيعة في العالم في حين كانت الإمبراطورية العثمانية تنظُر لنفسها على أساس أنها قائدة العالم الإسلامي السني ومقر خلافة المسلمين، حيث بدأت قصة الحرب والصراع الصفوي العثماني حينما فرض الشاه إسماعيل المذهب الشيعي على شعبه، وأعلنه مذهبا رسمياً للدولة في إيران، كانت ردود الفعل عنيفة خاصةً وأن كثيراً من سكان المدن الرئيسية في إيران مثل (تبريز) كانوا سُنة.
فقام باستمالة قبائل (القزلباش التركية العلوية المذهب) إلى جانبه مما جعلهم عماد جيشه، وقد كانت بالأساس متذمرة من التدابير المالية والإدارية العثمانية بل وهيأت السبيل لحدوث اضطرابات كبيرة في (الأناضول) مما جعله يعتمد عليهم بالقضاء على جميع معارضيه وفرض المذهب الشيعي بالقوة، فقضى على دولة الـ (آق قويونلو) وقد كانت تشكل حاجزًا بينه وبين العثمانيين.
فباتت الدويلات الكردية والقبائل التركية في جبال (طوروس الصغرى)، والأقليات المسيحية في (أرمينيا) كلها من ممتلكات الشاه حسب ادعائهم. حتى احتل (بغداد) عام 1508 م – 886 هـ فهدم ما كان فيها من قبور أئمة سنة وذبح جماعة من علمائهم، فسرت شائعة في البلاد التركية بأن مذبحة عظيمة أصابت السنة ببغداد على يد الصفويين.
في هذه الفترة اتسمت العلاقات بين الصفويين والعثمانيين بالفتور، فمنذ بداية تسلم (السلطان سليم) الحكم وصله سفراء (البندقية والمجر ومصر وروسيا) لتقديم التهاني له وأبرم معهم جميعاً هدنة لمدد طويلة ولم يصله سفير من إيران، فأدرك الجميع في هذا الوقت بالذات أن الحرب ستقع بين (سليم) وخصمه (الشاه إسماعيل).
وكان (سليم الأول) ينظر بعين الارتياب إلى تحركات الصفويين، لاسيما بعد إرسال (الشاه إسماعيل) وفدًا ضخمًا إلى (قنصوه الغوري) سلطان مصر ضم 200 عبد لإبلاغه عن تلك الحرب المتوقعة ودعوته للتحالف معه ضد (السلطان سليم)، كما أوضح له إن لم يتفقا حاربت الدولة العثمانية كل منهما على حدا وقهرته وسلبت أملاكه، فعزم على مهاجمة خصمه الصفوي وتسديد ضربة قوية قبل أن يستعد للنزال.
لذلك أرسل هو الآخر وفدًا إلى المماليك دعاهم إلى التحالف، لكن بعد مباحثات طويلة آثر المماليك التزام الحياد، وإن كانوا يميلون لجانب الصفويين، وبالفعل نشبت المعركة بين الجانبين والتي تُسمى بـ چالديران تلك التي انتهت بفوز ساحق للأتراك العثمانيين وهزيمة نكراء للإيرانيين الصفويين و دخل (السلطان سليم الأول) مدينة (تبريز) واستولى على خزائن الشاه، ولكنه لم يستطع التقدم أكثر من ذلك، فقد لقي معارضة شديدة من أمراء جيشه، وكان المحرض الأول لهم (قاضي عسكر الإنكشارية جعفر چلبي)، فأعدمه السلطان. ورغم ذلك فقد كانت الظروف غير مواتية للسلطان بسبب قلة المؤن لديه، وخلو تبريز من الأطعمة لجيشه الضخم، وحلول فصل الشتاء وعدم وجود الألبسة الملائمة لجنده لهذا الفصل، لذلك فقد قرر إخلاء المدينة ناقلًا معه آلافًا من أبرز تجارها وحرفييها وعلمائها إلى الآستانة.
وترتب على انتصار (سليم الأول) أن نهض رؤساء كردستان – وكانوا من السُنة – لمساندة العثمانيين وأعلنوا ولاءهم له، ولم يمض وقت طويل حتى انضمت 23 مدينة للحكم العثماني، على الرغم من الاستحكامات العسكرية التي أقامها الصفويون بها، فعقد السلطان معهم اتفاقية صداقة وتحالف وذلك بفضل جهود (الشيخ إدريس البدليسي) والذي نصبه السلطان كمفوض للإدارة الأهلية بتلك الأقاليم كمكافأة لما قدمه من خدمات للسلطنة.
توسع العثمانيون فضموا إليهم (أرمينيا) وسائر مدن كردستان من (ديار بكر وماردين والموصل و سنجار و حصن كيفا والعمادية وجزيرة ابن عمر) حتى أصبح الجزء الأكبر من مناطق الأكراد سواء بالعراق أو بإيران في يد العثمانيين، وأصبح الصفويون وجهًا لوجه مع العثمانيين، فبات من الصعب عليهم التوسع على حساب العثمانيين.
موقعة چالديران بين الجيش العثماني والجيش الصفوى
العلاقات الإيرانية التركية في العصر الحديث
مع بداية القرن العشرين، بدأت العلاقات الإيرانية التركية في التحسُن حيث كان الطرفان قد تبادلا السفراء قبل ذلك وبدأت العلاقات السياسية والاقتصادية تسير بشكلٍ جيد إلى حد ما.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وسقوط الإمبراطورية العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية على يد الجنرال مصطفى كمال أتاتورك بدأت مرحلة جديدة من العلاقات فيما بين البلدين حيث كان رضا خان – رضا شاه پهلوى فيما بعد – قد عُيِن في منصب رئيس وزراء أحمد شاه قاجار أخر ملوك الدولة القاجارية وسرعان ما انقلب عليه وقضى على حكم الدولة القاجارية في إيران وأسس الدولة الپهلوية وكان مُعجبًا بمصطفى كمال أتاتورك والإصلاحات التي قام بها وأرسي لها في تركيا الحديثة وكانت هذه الفترة من الفترات المزدهرة سياسيًا واقتصاديًا بين البلدين حيث امتدت إلى عصر ابنه محمد رضا شاه پهلوى.
رضا شاه پهلوى ومصطفى كمال أتاتورك ” مؤسس الجمهورية التركية “
العلاقات الإيرانية التركية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران 1979 م
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران على يد آية الله الخميني والإطاحة بحكم الدولة الپهلوية وإقصاء محمد رضا پهلوى من الحكم، بدأت مرحلة جديدة من الفتور والاستقطاب السياسي والمذهبي والعرقي في العلاقات الإيرانية التركية حيث بدأت إيران في شن حملتها الشرسة على الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط والذي كانت تركيا أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.
وما زاد الأمور تعقيدًا بين البلدين كان الانقلاب العسكري الذي قادة كنعان افرين في تركيا عام 1980 م حيث بدأت مرحلة من الاستقطاب السياسي والعرقي والمذهبي بين البلدين تمثلت في محاولات إيران استقطاب الأقلية الشيعية العلوية في تركيا عن طريق تغذيتها سياسيًا واقتصاديًا من أجل الانفصال في حين بدأت تركيا في استقطاب الأقلية الأذرية – أكبر أقلية في إيران وإحدى الأقليات ذات الأصول التركية – من أجل الانفصال عن إيران.
العلاقات الإيرانية التركية في فترة حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا
نتيجة تغير الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط دخلت العلاقات التركية الإيرانية مرحلة التطبيع والتصالح من جديد مع وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002 م وبدأت مرحلة جديدة من التنسيق الأمني المتبادل في إقليم ملئ بالإضطرابات السياسية والعسكرية والأمنية بسبب غزو العراق من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003 م وعلى خلفية هذا التنسيق الأمني حدث نموًا كبيرًا وطرفةً هائلةً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين حيث وصل حجم التبادل التجاري فيما بين البلدين إلى حوالي 7 مليارات دولار وجاءت إيران في المرتبة الثانية بعد روسيا الاتحادية في توريد الغاز الطبيعي لتركيا في حين غزت الصادرات التركية إيران.
الرئيس الإيراني حسن روحاني بصحبة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
العلاقات التركية الإيرانية بعد ثورات الربيع العربي
بعد اندلاع ثورات الربيع العربي في عام 2011 م في منطقة الشرق الأوسط بدأ فصلًا جديدًا في العلاقات التركية الإيرانية حيث بدأت المصالح الإيرانية التركية تتعارض في إقليم الشرق الأوسط الذي يموج بحالة من عدم التوازن السياسي والأمني وخصوصًا المصالح التركية الإيرانية في سوريا حيث انضمت تركيا إلى المملكة العربية السعودية وقطر ودعموا جماعات المعارضة السورية بالأسلحة والدعم اللوجيستى من أجل الإطاحة بنظام بشار الأسد.
في حين وقفت إيران إلى جانب حزب الله – أحد الأذرع العسكرية الإيرانية في المنطقة – إلى جانب روسيا من أجل دعم بقاء بشار الأسد في السلطة السورية ولكن عاد التنسيق فيما بين الجانبين نتيجةً لوجود مصالح مشتركة للجانبين ومن أهمها سعى إيران وتركيا إلى عدم تمتُع الأكراد في الشمال السوري لحكمًا ذاتيًا قد يؤثر على مسيرة الانفصال الكردية في إيران وتركيا ومعارضة الجانبين الشديدة للاستفتاء على الانفصال المقرر إجرائه في سبتمبر المقبل من جانب رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني.
كانت محاولة الانقلاب على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في يوليو / تموز من العام الماضي أحد محاور التقارب الإيراني التركي حيث ناهضت الحكومة الإيرانية الانقلاب منذ بدايته وأعلنت دعمها الكامل للرئيس التركي في مواجهة الانقلابيين من القوات المسلحة التركية وقدمت دعمًا كبيرًا لاردوغان في تلك الأزمة. وكانت الأزمة الخليجية القطرية العربية أحد أهم المحاور المشتركة الأخرى التي جمعت الطرفين من جديد حيث المصلحة المبادلة هي المحور الرئيس للعلاقات التركية الإيرانية منذ القدم وحتى يومنا هذا.