روحاني لا يتقبلُ الشراكةَ في قراره، وهذا ما أدخله في صراعٍ مع أجنحة مرشد الثورة الإيرانية، وقد أشرنا في تقريرٍ سابق، إلى واحد من أهم هذه الأجنحة، ألا وهو الحرس الثوري الإيراني
يمكنكم الاطلاع على التقرير هنا.
ونحن إذ نستعرض في ثاني تقاريرنا عن الصراع السياسي الإيراني الداخلي، تُوجد هناك مواجهةٌ جديدة تستعر قد نشهدها في القريب العاجل أشد حِدةً، بين رئيس الجمهورية الإيرانية، حسن روحاني، ورئيس السلطة القضائية، صادق لاريجاني.
من هو صادق لاريجاني
عبر تطوافةٍ سريعة، نستعرض ماهيّة صادق لاريجاني، وُلِد صادق آملي لاريجاني في مدينة النجف العراقية لعام 1960 ميلاديًا، وهو سليل أسرة لاريجاني شديدة القرابة من النظام الحاكم في الجمهورية الإسلامية؛ إذ يطوفُ أبناء هذه الأسرة بين مؤسسات ودواوين الدولة، مثل، محمد جواد مُنظِر التيار المحافظ، وباقر لاريجاني رئيسًا وعميدًا لإحدى كليات الطب بجامعة طهران، وفاضل الذي تناوب على إدارة مراكز علمية عدة في إيران، وأخيرًا وليس آخرًا علي لاريجاني، رئيس البرلمان الإيراني وأحد كبار المفاوضين النوويين الإيرانيين سابقًا.
نال دراسته الابتدائية في 11 عام، ليلتحق عقبها بالحوزة العلمية الشيعية بمدينة قُم؛ ليدرس المذهب الشيعي وينتهي منه عام 1989 وينتقل للتدريس بالحوزة نفسها، ثم يُكلَّف عام 1980 بمهمةٍ خطيرة؛ ألا وهي توجيه عناصر الحرس الثوري الإيراني ثقافيًا عقب الثورة الإيرانية مباشرةً عام 1979 ميلاديًا.
تم تعيينه كعضو الهيئة العلمية بجامعة قُم، وكذلك مُدرِّس في جامعة إعداد المعلمين بمدينة قُم لمستويات الماچستير والدكتوراه. ثم انتُخِب مرتين منذ 1988 في عضو مجلس خبراء القيادة؛ وهي الهيئة الدستورية العُليا المُكلّفة باختيار مرشد الثورة الأعلى والإشراف على أدائهِ.
ثم في عام 2001 اُختير كعُضو مجلس صيانة الدستور المُكلَّف بمراقبة أداء السُلُطات التشريعية وعمليات الانتخاب. ووصل لمرحلةٍ أكبر متطورة غي مجاله الوظيفي، عندما أسّس مجلس صيانة الدستور -شوراي نكهبان- عام 1980؛ كأعلى هيئة تحكيم في إيران؛ مكونة من 12 عضو، نصفهم فُقهاء دينيون مُعيَّنون من قِبل المرشد والنصف الآخر من الحُقُوقيين مُعيَّنين من قِبل مجلس الشورى الإيراني بتوصيةٍ من رئيس السلطة القضائية.
لينتهي به المطاف، كرئيس للسُلطة القضائية من قِبل مرشد الثورة، علي خامنئي، في 15 آب / أغسطس عام 1980، وما زال في منصبه حتى الآن. وهو أيضًا مؤلِّف له كُتب مثل، الفلسفة التحليلية، والمعرفة الدينية.
دورة الصراع بين روحاني ولاريجاني
شهد الصراع بين روحاني ولاريجاني تصعيدًا كلاميًا وتلاسُنًا لفظيًا شديدين بين جناحي من أجنحة السُلطة في الجمهورية، رغبة الاستقلال في روحاني، وتبعية المرشد في صادف لاريجاني.
في التاسع من أكتوبر الماضي، ردّ لاريجاني بقوةٍ على روحاني، ووصفه أنه عاطل وأنه قد ترك البلاد وشأنها منذ أربع سنوات وسعى وراء الاتفاق النووي، كأنه لا تُوجَد أعمال ومشكلات في البلاد. هذا الرد تأتّى عقب هجوم شنّه روحاني على القُيوُد المفروضة على الرئيس الأسبق، محمد خاتمي، وانتقد أيضًا جهاتٍ اعتقلت عددًا من المقربين منه كشقيقه وشقيق نائبه، وكذلك أيضًا عددًا من حلفائه الإصلاحيين. وقال صراحةً: “ربما بعض الأجهزة عاطلة ويجب أن تنشغل بشيء، وهي مضطرة لاستدعاء بعض الأشخاص”.
يأتي هذا عقب حربٍ كلامية مستعرة، في مايو الماضي، أثناء فترة الانتخابات الرئاسية في إيران، حينما أكّد روحاني، في أحد التجمُعات الانتخابية خارج طهران، أنه إذا حصل على عددٍ من الأصوات أكبر من تلك التي حصدها قبل 4 أعوام، فسيكون لديه قوة أكبر للتوصل إلى إطلاق سراحهما ورفع الإقامة الجبرية عنهما -قاصدًا بذلك الزعيمين الإصلاحيين مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، اللذان قادا مظاهراتٍ وانتفاضةٍ ضد إعادة انتخاب أحمدي نجاد رئيسًا للبلاد، ففُرضِت عليهما الإقامة الجبرية منذ فبراير عام 2011-.
وهذا أثار لاريجاني بشدة، وهو المحافظ المتشدد، حتى أنه سفّه من روحاني وقلّل من شأن حديثهِ، عندما قال: “أحد المرشحين صرّح خلال تجمع لأنصاره، أنه يريد رفع الإقامة الجبرية، من أنت لتنهي الإقامة الجبرية؟”. “وأضاف: “البعض يحاولون إثارة حركة شعبية للتشكيك في القرارات الشرعية لهيئات البلاد”.
أيضًا في نوڤمبر 2016، كان هناك صراعًا بين روحاني ولاريجاني، حينما مُنِع علي مطهري، نائب رئيس مجلس الشورى وأحد أهم مناصري روحاني، من إلقاء كلمة في مدينة مشهد بمناسبة أربعينية الحُسين، وردّ مناصرو روحاني بقُوةٍ واتهموا لاريجاني، بأنه هو من وراء منع مطهري من إلقاء كلمته في محاولةٍ منه لإخافة التيار الإصلاحي قُبيل الانتخابات الرئاسية آنذاك.
حتى أن أذرُع المرشد في هذا الموقف تحشدوا وتجيشوا وراء لاريجاني، بما فيهم الحرس الثوري وكوادره وقيادته الممثلة في اللواء / محمد علي جعفري، واللواء / قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، ومجلس الشورى -البرلمان- الذي يقوده أخوه علي لاريجاني والعديد من النُواب، ودخل روحاني بقُوةٍ آنذاك وقال صراحةً أن البعض يحاولون إغلاق الأفواه.
لكن الصراع بين الطرفين بدأ يأخذ مناحً أُخرى، ولم يُصبِح مُقولبًا في شأن النزاع الحاد بين الإصلاحيين والمحافظين، في يناير الماضي، أعلن روحاني أنه على استعداد لكشف حسابات جهاز رئاسة الجمهورية، وأن حكومته مستعدةٌ لكشف جميع الإيرادات والمصروفات والحسابات، شريطةً أن تقوم السلطة القضائية بكافة أعضائها والعاملين فيها بإجراءٍ مماثل.
وكان هذا ردًا على تصريحات رئيس السلطة القضائية، صادق لاريجاني، الذي يتهم فيه رئيس الجمهورية في بلاده بتلقي الدعم المالي في حملته الانتخابية الماضية عام 2013 من بابك زنجاني الذي حكم القضاء الإيراني بإعدامهِ بعد اتهامه بسرقة أموالٍ وفسادٍ يصل إلى 3.8 مليار دولار.
كرّر لاريجاني فعلتهُ، وحرّك السُلطات القضائية صوب، شقيق نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، وتم توقيفه بتُهمٍ مالية، واعتُقل أيضًا أخوه، مهدي جهانغيري، وهو النائب والمستشار الخاص لحسن روحاني، دون تصريحاتٍ حول أسباب اعتقالهما. وهذا يُعتبر اعتقالٌ جديد لإسحاق جهانغيري، بعد أن اُعتُقل في مايو الماضي، أثناء الانتخابات الرئاسية، قبل أن يتم إطلاق سراحهِ مقابل كفالةٍ مالية قدرها 7.6 مليون دولار.
الإصلاحيون بقيادة روحاني كان يحملون تركةً ثقيلة من أفعال لاريجاني، لاسيما أن روحاني اتهم الجهاز القضائي بالتدخل في الانتخابات لصالح المدعي العام السابق ومنافسه، إبراهيم رئيسي. كما طال اتهام روحاني لجهاز القضاء بأنه لا يُحقِّق في قضايا الفساد.
اشتدت زأرة الإصلاحيين في البرلمان، عندما وجهوا اتهامًا مباشرًا للاريجاني، بأنه شخصٌ فاسد ماليًا، عبر ما أثاره النائب الإصلاحي “محمود صادقي”، عن فساد سُلطة القضاء في البلاد، كاشفًا إيداع مبالغ حكومية تُقدَر بمئات الملايين من الدولارات في حسابات رئيس القضاء الإيراني، صادق لاريجاني، وهو التصريح الذي أثار حفيظة لاريجاني وأمر باعتقال النائب رغم حصانتة البرلمانية. حسب تقارير لموقع “آمد نيوز”.
وفي نفس شهر أكتوبر الذي شهد تصاعُد حِدة هذا السجال،أتت الرياح بما اشتهت سُفن روحاني.
إذ اعتقلت السُلطات الإيرانية بأمرٍ مباشرٍ من خامنئي بنفسه، زهرا صادق لاريجاني، بتُهمة التجسس وارتباطها بجهاز الاستخبارات البريطاني M-16، وكذلك ارتباطها بالسفارة البريطانية في طهران، وأيضًا تسليمها وثائق وملفات هامة وحساسة للسفارة، عددًا منها كان بحوزة والدها، رئيس السلطة القضائية. وتأّتى هذا عبر جلسةٍ سريةٍ في بيت المرشد مع مجموعة من قيادات النظام الإيراني، استمع فيها خامنئي لتسجيلات مدتها 45 دقيقة، لزهرا تُثبِت تورطها في الارتباط بهذا الجهاز.
ونفّذ عملية الاعتقال جهاز “حفاظت اطلاعات سباه / ضد الجاسوسية” التابع للحرس الثوري الإيراني. حاول لاريجاني إطلاق سراح ابنته عبر توسيط محسني إيجه، المتحدث باسم السلطة القضائية؛ على إثر هذا الاعتقال أُصيِب صادق بوعكةٍ صحيةٍ بعد علمه بنبأ اعتقال ابنته. وهذه الحادثة نقلها تقريرٌ هام لموقع “آمد نيوز”.
ولكن صادق لاريجاني رد على اتهامات الإصلاحيين في محاولةٍ منه لدفع الاتهام ابنته قائلًا: “بعض من يحملون سجلًا أسود، يتحدثون عبر الإنترنت وينشرون أفلامًا، ويحملون ملفاتٍ بأبعادٍ مالية، وربما البعض منهم يواجه تهمًا أمنية”.
لكن ما يهُمنا هُنا، أن كثُرت تحليلات مراقبين وسياسيين، أفادت أن اعتقال زهراء كانت خطوةً لتقليم أظافر عائلة لاريجاني، واسعة النفوذ والتأثير في المستويين السياسي والاقتصادي في إيران، من قِبل الحرس الثوري، لتهيئة الأجواء لخططه المرسومة لمرحلة ما بعد خامنئي.
وقد طُولِب صادق لاريجاني بأن يُلملِم خلال مدة أقصاها 6 أشهر، موضوع تملُكه 63 حسابًا مصرفيًا له، وتجسس ابنته زهرا، وذلك حسبما أكد تقرير موقع مجاهدين خلق إيران.
إذًا هذا صراعٌ قائم بين طرفين وجناحين من أجنحة المرشد نفسه، من أسعـد من روحاني في هذه اللحظة؟!.
أن هذا يُبدِّد ما كان يُثار من ذي قبل، حول الصداقة الوطيدة بين عائلة لاريجاني والمرشد، بل أن صادق لاريجاني كان واحدًا من المرشحين الأقوياء لخلافة خامنئي في منصب المرشد، الذين -المرشحون- يعلمون علمًا تامًا بأن قُوة الحرس الثوري ضالعةٌ بشكلٍ واضح في اختيار المرشد، وأن الحُصُول على موافقتهم هو باب كرسي المرشد، وصادق يُعتبر واحدًا من أبرز أبرز -بصفتها التكرارية- مرشحي منصب المرشد للفوز به، ولكن ما يُرى الآن أنه من الواضح أن الحرس قاد انقلابًا تكتيكيًا ومعنويًا على صادق لاريجاني وأطاح به بقُوة خارج مدائرة مٌرشحي خلافة المرشد في منصبه.
بل أن الأمر قد وصل في مطلع يناير الماضي، أن لاريجاني قد اتهم روحاني بإدخال أجهزة تنصُت إلى رئاسة الجمهورية بعيدًا عن أعين السلطات الأمنية، وهذا أشعل تلاسُنًا جديدًا بين الطرفين، لاسيما أن المحافظين يعزون أن الأجهزة التي تم ضبطها هي أجهزة تشويش ومكافحة تنصُت تُستخدَم في رصد الاتصالات الهاتفية. وهذا ما نفاه مكتب رئاسة روحاني بصدد هذا الأمر.
إلى أين؟
يقول أليكس فاتانكا، أنّ السفينة المعتدلة الإصلاحيّة التي يقودها الرئيس، حسن روحاني لا ينبغي الاستهانة بها في المعركةِ المقبلة لاستبدال خامنئي. وفي محاولةٍ منه لتحويل الجمهوريّة الإسلاميّة من الداخل، على حد تعبير المحافظين المتشددين، يشّكلون -الإصلاحيون- بالفعل تحديًا لاستقرار النظام. فهذا الفصيلُ يحتفظ بالشرعيّة الشعبيّة النسبيّة، كما يقترح فاتانكا، ويمثل تهديدًا كبيرًا للدّولة الإيرانيّة العميقة. كما إنّ روحاني لديه شيء أيضًا ليس لدى المرشد الأعلى وأذرعه: ألا وهو الشرعيّة بين الجمهور. ففي نهاية الأمر فإنّ الرئيس مسؤولٌ أمام صندوق الاقتراع.
روحاني يريد أن يُحدِث لثمًا في جدار السيطرة الإرشادية وأذرعها على القرار السياسي والداخلي الإيراني، وهذا ما كلّفه الكثير وجعله يبذل الكثير من الجُهد، ويدخل في صراعاتٍ عدة مع هذه الأجنحة، ومثّل لاريجاني بما يُمثِّله من سيطرةٍ على القضاء الإيراني، أحد مكامن النفوذ التي يريد روحاني تحييدها أو إخضاعها، انفتاحية روحاني والإصلاحيين كانت في مواجهة انغلاق المرشد وتشدُده.
كما يظهر أن روحاني آخذًا في شن حروبٍ كلامية على الجميع، مُكتسبًا السند الشعبي، ليُطورها إلى ما هو أبعد من ذلك من تحريك نفوذه، ومريديه، وللمؤسسات التي تسانده لتعضيده في مواجهاته ضد المرشد وأذرعه، وكان للاريجاني كِفلًا كبيرًا منها- رغم أن لاريجاني عمل على عدم الاكتفاء بالسعى إلى منع أحمدي نجاد من تمكين أحد أنصاره من الفوز في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في يونيو من العام نفسه، عبر دعم الرئيس الحالي، حسن روحاني، والإصرار على فتح ملفات فساد ارتُكبت خلال عهد الرئيس السابق، خاصةً في ظل النفوذ الذي يحظى به صادق لاريجاني داخل السلطة القضائية- ويرغب روحاني في استغلال كافة الظروف المواتية لإطلاق الرصاصة في سويداء قلب السلطة القضائية التي أصبحت يدًا مرنة تُستخدَم للبطش بطموحات روحاني وتقليم أظافره وكبح جماح رغبة الاستقلال التي شرُدت بلُبهِ، ولسان حال روحاني قائلًا لاعدل إلا إن تعادلت القُوى وتصادم الإرهاب بالإرهاب.
وقد أشار تقرير مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أن تصاعد حِدة الصراعات السياسية داخل إيران سوف يستمر خلال الفترة القادمة، خاصةً في ظل الضغوط الدولية والإقليمية التي تتعرض لها حاليًا، بشكلٍ سوف يؤدي إلى الكشف عن مزيد من الملفات الخاصة بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.