تعد إيران الفائز الأكبر من الاضطرابات التي تحدث في الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، والتي يطلق عليها عادة اسم “الربيع العربي”. في حين نجحت روسيا في تحقيق أهدافها في سوريا من خلال المساعدة في البقاء على نظام الأسد، بل وأصبحت الوسيط الرئيسي لعملية التسوية فيما بعد الحرب السورية. واستطاعت إيران تحقيق مكاسب كبيرة في أربع دول عربية، هما العراق واليمن ولبنان وسوريا.
البعض يلقي باللوم على إدارة أوباما وسياساتها الناعمة المفترضة في المنطقة لهذه المكاسب الإيرانية. وفي الوقت الذي يوقع فيه (مع القوى الخمس الأخرى) اتفاقا نوويا مع إيران، ليحد من برنامجها النووي، يقول النقاد إن الإدارة لم تصر على وقف العدوان الإيراني في الشرق الأوسط. وربما لم تكن سياسة أوباما قد أوقفت التوغلات الإيرانية على العالم العربي. ولكن الأسباب الأساسية لصعود إيران كقوة إقليمية رائدة ترتبط ارتباطا وثيقا بالتطورات في البلدان العربية الأربعة.
كيف جعلت هذه القوى التدخلية الأربعة إيران الفائز في لعبة الشرق الأوسط (على الأقل حتى الآن)؟
إسرائيل عدو أساسي للنظام الثوري الإسلامي. ومع ذلك، ساعدت إسرائيل عن غير قصد على إنتاج أول حالة لبلد عربي ينتقل إلى مجال نفوذ طهران. وكان ذلك في لبنان، حيث عزز الغزو الإسرائيلي في عام 1982 واحتلال جنوب لبنان حتى مايو 2000 عن غير قصد النفوذ الإيراني. وكانت النتيجة غير المقصودة هي ظهور منظمة المليشيات الشيعية التي تدعمها إيران، وهي حزب الله. وعلى مر السنين، كانت النتيجة ظهور إيراني بارز وقوي في لبنان المجزأ سياسيا والذي يسيطر عليه الاستقطاب الطائفي.
إن هذه القوة القوية تضمن النفوذ الإيراني الكبير في لبنان حتى لو كانت تتعرض للاستياء بدرجات مختلفة من قبل بعض الطوائف غير الشيعية في البلاد. وهكذا، اكتسب عدو رئيسي لإسرائيل موطئ قدم كبير بجوار حدودها الشمالية، مما أدى إلى اندلاع صراع عنيف في عام 2006 واحتمالية لا تنتهي أبدا لحدوث تصعيد كبير. وعلاوة على ذلك، جعل النضال ضد إسرائيل حزب الله مصدرا دائما للشرعية المتعلقة بحمل السلاح، وتوجيه دولة داخل الدولة اللبنانية.
الحالة الثانية وهي العراق. وهنا عدو آخر للثورة الإسلامية أدى إلى الهيمنة الإيرانية عن غير قصد في بلد كان يعتبر منافسا رئيسيا لإيران. وفي هذه الحالة لعبت الولايات المتحدة دورا رئيسيا في تهيئة الظروف للنفوذ الإيراني المتصاعد. بعد احتلال العراق عام 2003، حاول الأمريكيون إضفاء الطابع الديمقراطي على البلاد. ورغم ذلك، فإجراء الانتخابات في دولة مجزأة عرقيا مثل العراق يعني أن أكبر مجموعة عرقية أو طائفية ستفوز.
والشيعة هم الأغلبية في العراق المستقطب، كما أن بعض قادتهم حلفاء للنظام الشيعي الإيراني. وهكذا، فاالغزو الأمريكي ومشروع التحور الديمقراطي الأمريكي الذي استولى على السلطة في العراق كانا متحالفين مع عدوه الرئيسي في المنطقة، حتى لو كان التحالف مع إيران لم يلقى ترحيبا من جميع العراقيين، بما في ذلك بعض الشيعة.
الحالة الثالثة للتدخل الخارجي الذي ساعد على زيادة النفوذ الإيراني فهي أحدث سوريا. وهنا التدخل الرئيسي من قبل بلد ليس حاليا عدوا لإيران وروسيا، ولكن تاريخيا كان هذا هو الحال لفترة طويلة جدا ومستقبل تحالفهم غير مؤكد تماما. وعلى أي حال، لعب القصف الروسي منذ خريف عام 2015 دورا رئيسيا في تحقيق انتصار نظام الأسد في الحرب الأهلية السورية.
هذا على الرغم من أن إيران وحزب الله ومختلف الميليشيات الشيعية التي تقودها إيران بدأت القتال جنبا إلى جنب مع النظام في وقت أبكر بكثير قبل بدء القصف الروسي. وعلى غرار الحالات الأخرى، فبدعم إيران وحلفائها الشيعة للنظام العلوي في دمشق يستند بشكل جزئي أيضا على الأقل إلى انتماء طائفي مشترك لأن العلويين يعتبرون شعبة من الطائفة الشيعية في الإسلام.
ويبدو أن اعتماد نظام الأسد على دعم الميليشيات الإيرانية الشيعية يضمن تأثيرا كبيرا لطهران في سوريا. وفي الوقت الذي كان فيه القصف الروسي حاسما، وفر الإيرانيون وحلفاؤهم القوات البرية اللازمة للحفاظ على النظام. وبالتالي، فإسرائيل، على وجه الخصوص، قلقة من أن الدين الذي سيتحمله النظام مقابل الدعم الإيراني سيترجم إلى الوجود الإيراني وحزب الله المستمر في البلاد، وهذا لا يبعد كثيرا عن الحدود مع مرتفعات الجولان التي تسيطر عليها إسرائيل.
ويبدو أن البيانات الروسية الأخيرة تشير إلى قبولها لهذا الوجود العسكري، حتى ولو كان ذلك على مسافة محدودة جدا وقريبة من الجولان. إن هذا الانتشار العسكري المتقدم لإيران وحلفائها يؤدي إلى وجود احتمالية التصعيد، سواء كان ذلك مقصودا أو غير مقصود.
وأخيرا، هناك أحداث اليمن الجارية. إن الحرب مازالت مستمرة هناك، مما أدى إلى معاناة كبيرة للسكان المدنيين، ولذلك لا يمكننا أن نتأكد من النتائج. ولكن هناك شيء واحد على الأقل واضح، وهو أن القصف المستمر من قبل التحالف السني الذي تقوده السعودية لم ينجح في إزاحة الحوثيين المرتبطين بالشيعة عن السلطة، حيث أنهم ما زالوا يسيطرون على جزء كبير من اليمن.
وعلاوة على ذلك، فإن هذه الحملة العسكرية السنية ضدهم تعزز التحالف الحوثي مع إيران وربما تؤدي إلى صرف جزءا كبيرا من السكان اليمنيين عن السعوديين وحلفائهم السنة، مما يخلق معقل آخر للنفوذ الإيراني في العالم العربي. وفي هذه الحالة سيكون المعقل مجاور للحدود مع الخصم الرئيسي لإيران في العالم العربي، وهو المملكة العربية السعودية. وتؤدي هذه الحالة أيضا إلى احتمال تصعيد الحرب الباردة الإيرانية السعودية وتحويلها إلى حرب ساخنة.
يذكر أن استمرار عدم الاستقرار والاستقطاب في الشرق الأوسط يثير بعض الشكوك حول مستقبل إيران في المنطقة. ومع ذلك، فإن التطورات خلال العقود القليلة الماضية، لا سيما في الآونة الأخيرة، والتي بلغت ذروتها بالتدخل الأمريكي في العراق وتداعيات الربيع العربي، يبدو أنها تؤدي إلى إنجازات إيرانية كبيرة بغض النظر عن القضية النووية.
وأسباب هذه المكاسب في البلدان الأربعة التي نوقشت هنا هي أولا، الانقسامات الطائفية في المنطقة، ولا سيما الطائفة الشيعية العابرة للحدود، وثانيا، آثار التدخلات الخارجية. وفي معظم الحالات تكون هذه الآثار غير مقصودة وقائمة على أساس الاستياء القومي الطائفي للقوة التدخلية الخارجية. ولكن النتيجة في القضية السورية تعكس الانتصار العسكري للقوات المتداخلة. وفي جميع الحالات الأربع، إيران هي القوة الإقليمية التي فازت أكثر من غيرها.
وهذا يشكل تحديا كبيرا للمملكة العربية السعودية وحلفائها السنة وكذلك إسرائيل. ويعد هذا هو السبب الرئيسي للتقارب الأخير بين السعوديين والإسرائيليين. وهذه التطورات الأخيرة قد تشير إلى إعادة تنظيم كبيرة في الشرق الأوسط، يترتب عليها آثار بعيدة المدى على الحرب والسلام في المنطقة.
بالنسبة للحرب، فالتضمين الرئيسي هو ارتفاع نسبة احتمال حدوث مواجهة بين إسرائيل والحلفاء الإيرانيين في سوريا ولبنان، لا سيما حزب الله، وذلك على الرغم من أن الردع المتبادل من المرجح أن يقلل من احتمال حدوث قتال فعلي.
أما بالنسبة للسلام، يخلق التحالف الإسرائيلي السعودي السني الناشئ القائم على “عدو عدوي صديقي” إمكانية إحراز تقدم في عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية. ولكن في هذا السياق، هناك دور حاسم لإدارة ترامب، التي تحافظ على إقامة علاقات جيدة مع كل من إسرائيل والسعوديين.
وهذا تحد رئيسي للإدارة، التي ظلت حتى الآن، باستثناء الخطاب القاسي، تواصل بشكل أساسي الانفصال عن الشرق الأوسط. ومن المرجح أن يشتد هذا التحدي مع تدمير تنظيم الدولة في سوريا والعراق. إن التطورات الجديدة في العلاقات الإسرائيلية السنية تخلق فرصة عظيمة للإدارة، والتي قد ترغب في الاستفادة منها من أجل إظهار بعض الإنجازات في السياسة الخارجية، والتي نادرة جدا ما تحدث حتى الآن.