خلُص حسن روحاني، رئيس الجمهورية الإيرانية، برجُلٍ عوّل عليه الكثير في قضايا إيران الخارجية وأناطهُ بها، ولم يكُن اختيار روحاني اعتباطيًا، فروحاني كان مُقدِم على وضعٍ ملتهِب للسياسة الخارجية الإيرانية مع العديــد من دُول العالم، اختباراتٍ صعبة وعسيرة فخوّل روحاني صديقه السياسيّ المُحنَّك، محمد جواد ظريف، لتلك الوعثــاء التي كانت تتخبط فيها إيران وهي تخرُج من فترة حكم الرئيس السابق، أحمدي نجاد، من هو محل محمد جواد ظريف ؟، وهل نجح في مهمته ؟ وكيف أصبحت السياسة الخارجية الإيرانية في عهده ؟.
الماهيّـــة
وُلِد محمد جواد ظريف في مدينة طهران، عاصمة إيران، لعام 1960، ونشأ في أُسرةٍ متدينةٍ، وأشار تقرير فرانس 24 أنه لم يستمع إلى أغانٍ حتى بلغ الخامسة عشر من عمره، وأن زوجته عندما كانت برفقتهِ في الولايات المتحدة الأمريكية حرمته من مشاهدة التليفزيون لمدة 10 سنوات.
كانت عائلته من التجار، لاسيمــا والده الذي كان تاجرًا ثريًا في العاصمة.
الدراسـة والمستوى العلمي
تلقى ظريف دراسته الأولى في مدرسة علوي الدينية الخاصة، ولكن في الفترة من 15 – 16 من عمره أرسله أبوه إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسته الثانوية في مدرسة درو Drew College Preparatory School ، في مدينة سان فرانسيسكو، بولاية كاليفورنيا، ولكن يُثارُ سببٌ مُضمَر وراء ‘رسال أبيه له؛ وهو أن محمد كان ثوريًا حماسيًا وتشكل وعيٌ لديه بضرورة إسقاط الشاه ونظامه، لا سيمـا أنه كاد أن يتعرض للتوقيف جرّاء منهجه وسُلوكياته وآرائه، فرغب والده في إبعاده من هذا الوسط الثائر الساعي للتمرُد وإسقاط نظام الشاه.
حاز بكالوريوس العلاقات الدولية عام 1981، ثم حصل على درجة الماجستير في نفس التخصُص عام 1982 من جامعة ولاية سان فرانسيسكو. لم يُوقِف جواد دراسته عند هذا الحد، بل حقق شهادة ماچستير ثانية من قسم العلاقات الدولية من جامعة دِينفر، في ولاية كولورادو، بالولايات المتحدة، عام 1984، ثم حاز رسالة الدكتوراه في القانون والسياسات الدولية عام 1988، وكان عنوانها “الدفاع عن النفس في القانون والسياسات الدولية”. وذلك كما أفاد تقرير موقع نون بوست.
وهذا إن كان يُنُمْ، فهو يعبر عن نباغته وتفوقه ورغبته الواسعة في زيادة مخزون الثقافة والعلم لديه وهذا ما سيُسِخره لاحقًا عندما يبرُع كسياسي من الطراز الأول. إذ أنه حاز مجموعة من الدرجات العلمية في فترةٍ لا تزيد عن 9 سنوات. بالإضافة إلى آصرة الانتماء التي كان يتحلى بها جواد آنذاك عندما ذكر أنه انطلق للخارج وتمرّس في العلم لكي يعود فيُفيد وطنه ويخدمها بشكلٍ أفضل.
وظائفه ومهامه وتجربته السياسية
أشرنا إلى طرفٍ من ثورية وحمسة جواد ظريف منذ نعومة أظفاره مما دفع بأبيه إلى إلحاقه بالسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه لم يهدأ بل أصبح عضوًا في الجمعية الإسلامية الطلابية هناك، كما التقى في أمريكا، شقيق أكبر هاشمي رفسنجاني -رئيس الجمهورية الإيرانية بين عاميْ 1989 و1997-، ومسؤولين آخرين في الجمهورية الإسلامية.
سيرة جواد حافلة ومملوءة بالكثير من المسئوليات والمهام والوظائف التي تقلدها أو قام بها وتحمل أعبائها، فقد شارك منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي في كل جولات المفاوضات الدولية، فبدأ ظريف حياته الدبلوماسية بسُرعة وبقُوة في نفس الآن ، تولى في سن التاسعة عشرة منصب قُنصُل في القنصلية الإيرانية في ولاية سان فرانسيسكو بل عندما حدث قطع للعلاقات الدبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية على إثر احتجاز رهائن في السفارة الأمريكية بإيران؛ كُلِّف ظريف بإغلاق القنصلية الإيرانية في ولاية سان فرانسيسكو بصفته مستشارًا فيها.
ثم عمل جواد ظريف ضمن الوفد الإيراني في الأُمم المتحدة فأصبح سفيرًا لفترتين امتدتا من 1989-1992، و2002-2007. عُيِّن أيضًا نائب لوزير الخارجية للشؤون القانونية والدولية في فترتي حكم الرئيسين رفسنجاني، وخاتمي. انضم إلى مركز الأبحاث الاستراتيچية -الذي كان يقوده حسن روحاني أنذاك- عقب إقالته من قِبل أحمدي نجاد من مناصبهِ.
شكّل مع روحاني فريقًا تفاوضيًا مكلفًا في 1988 للتوصل إلى وقف لإطلاق النار مع العراق وساهم باستصدار قرار مجلس الأمن رقم 598 الذي أوقف الحرب بصُورةٍ نهائية وساهم بتأمين زيارة لمرشد الثورة الحالي “علي خامنئي” إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في ذات العام أيضًا. وشارك في المفاوضات للإفراج عن الرهائن في لُبنان في تسعينات القرن الماضي.
ونجح في إقناع النظام بمساعدة الولايات المتحدة ضد طالبان والقاعدة في أفغانستان بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001، وذلك عبر تقديم إيران قائمة للأهداف التي يمكن قصفها في أفغانستان بالإضافة إلى تقديمها معلوماتٍ استخبارتيةٍ عن تحرُك زعماء القاعدة، وقد تدخل جواد في الملف الأفغاني بقوة حتى أنه ساهم شخصيًا في تشكيل حكومة حامد كرازي. كما يُؤكد تقرير أورينت نيوز.
ترأس في الفترة من 1992-2002 لجنة نزع السلاح الدولية التابعة للأمم المتحدة، واللجنة القانونية للجمعية العمومية السابعة والأربعين للأمم المتحدة، واللجنة السياسية لقمة عدم الانحياز عام 1998، واللجنة العُليا لحوار الحضارات -التي أطلقها الرئيس الإيراني، محمد خاتمي- التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
عمل أيضًا كأستاذ للقانون الدولي بجامعة طهران، ونائب رئيس جامعة أزاد الإسلامية.
وفي عام 2003، أصبح برفقة روحاني مجددًا -الذي تولى منصب كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين- وقد وافق روحاني على تعليق تخصيب اليورانيوم وتعزيز المراقبة الدولية للمواقع النووية الإيرانية. وهو الاتفاق الذي انتقده الرئيس السابق أحمدي نجاد بعد وصوله إلى الحكم في 2005، وأعاد إطلاق البرنامج النووي الإيراني.
ليُصبِح عام 2013 وزيرًا لحارجية الجمهورية الإيرانية، عندما أُسنِدت سُدة الحُكم في يد حسن روحاني رفيق العمل، والصديق المقرب. ويُصبح الملف النووي الإيراني أبرز مهامه ليقُم بنجاح بنقل المحادثات من مجلس الأمن القومي إلى أروقة وزارة الخارجية،وقاد طواقم المفاوضين الإيرانيين ساعيًا لتجنُب الصدام والحفاظ على شعرة معاوية، كما أشار تقرير الجزيرة. فتوصل في نوفمبر 2013 إلى اتفاق نووي أوليّ مع ممثلي مجموعة “5+1” الغربية، وهو الاتفاق الذي حدد مُحددًا مهلةٍ زمنية للتوصُل إلى اتفاقٍ نهائي وشامل بشأن البرنامج النووي الإيراني، لكنها مُددت عدة مرات.
وعقب مفاوضاتٍ شاقة استمرت حوالي 18 شهرًا، لتتوصل إيران والدول الكبرى يوم 2 أبريل 2015 في مدينة لوزان السويسرية إلى اتفاق إطار لحل ملف البرنامج النووي، وفي 14 يولييو 2015 في العاصمة النمساوية فيينا أُعلن عن الاتفاق النووي الذي وُصِف بالتاريخي، ينظم رفع العقوبات المفروضة على طهران، ويسمح لها بتصدير واستراد أسلحة مقابل منعها من تطوير صواريخ نووية وقبولها زيارة مواقعها النووية.
ثم ينَل بعدها ظريف لقب “سفير الســلام” من قِبل مُريديه ومُحبيه بل من جماهير الشعب الإيراني لنجاحه في التوصل إلى صيغةٍ نهائيةٍ للمأزق النووي الإيراني ورفع الحصار تدريجيًا عن الجمهورية، وإخراج إيران من عُزلتها الدوليـة التي فُرِضت عليها. حتى وُصِف من قِبل كريم سجاد بور، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، قبل الاتفاق: “قدرة ظريف على التقريب بين عوالمٍ مختلفة فريدةً للغاية”. وأضاف: “ربما كان الشخص الوحيد في العالم الذي يجتمع بانتظام مع وزير الخارجية الأمريكي، چون كيري، والزعيم الأعلى الإيراني، آية الله خامنئي.”
شخصيتـه
شخصيةٌ نابعة من صميم الجمهورية الإسلامية، تحمل الهُوية الإيرانية الدينية، وهو رجلٌ متزوج وأب لولدين.
يتمتع بصفاتٍ عدة مُكتسبة وفطرية، كبشاشته المُعتادة وتبسُمه المستمر فأُطلِق عليه صفاتٍ عدة جراء تبسمه الدائم هذا، كالرجل البشوش، ورجل الابتسامات وغيرها. كما أنه يحتفظ بأناقته ومظهره دومًا ويُظهرهما بصورةٍ فائقة الجودة بصفتهِ ممثِّل دولته التي تُتهَم دومًا بالانغلاقية والتشــدُد.
لديه أيضًا درجة عالية من إتقان فن التواصل، والصبر، والهدوء، والرزانة المدعمة بالفصاحة والحصافة، ويحرص على ربط علاقات ودية مع الجميع، لاسيمــا أنه يعتبر من الشخصيات المقربة من علي أكبر ولايتي المستشار الحالي للمرشد الاعلى في المسائل الدولية. يميل إلى التوافق والقُبُول والاستماع بإنصاتٍ وتُؤدة للمحاورين له.
كما أنه يتمتع بشعبيةٍ واسعة بين أوساط المثقفين والشباب، كما أنه الوزير الإيراني الوحيد الذي لديه حسابين على كُلٍ من منصة تويتر، ومنصة فيسبوك، ويتجاوز عدد متابعيه 700 ألف متابع. وقد تأّتى هذا عبر كتابًا دوّن فيه سيرته الذاتية سمه باسم “السيــــد السفيـــر” الذي حاز رواجًا وقراءة واسعتين، وهو صاحب ثقافة واسعـة إذ نشر أيضًا عدة أعمال في مجال السياسة الخارجية والقانون والعلاقات الدولية باللغتين الفارسية والإنجليزية.
اعتداليته في مقابل أمريكيته
شُنَّت حربٌ شعواء مُستعِرة على ظريف لانفتاحيته التي عُدَّت مخالفة لمســار الجمهورية، إقامته الطويلة في الولايات المتحدة الأمريكية التي كادت تُقارِب ربع قرنٍ من الزمان، فاستطاع تكوين علاقات ومعارف في واشنطن مع نائب الرئيس الأمريكي، چو بايدن، ووزير الدفاع السابق، تشاك هيجل، ومسؤولون عن الأمن القومي بالحزبين الجمهوري والديمقراطي.
ولكن هذا ما فتح عليه نيران أبناء المعسكر المحافظ ووُصِف بأنه واحدٌ من “عصابة نيويورك” التي تُعتبَر في نظر المحافظين تضُم دبلوماسيين ليبراليين وموالين للولايات المتحدة الأمريكية، -آخذين في الاعتبار أنه عندما أُسنِدت إليه حقيبة وزارة الخارجية، في أغسطس 2013، صُدِّق عليه من قِبل البرلمـان الذي كان يُسيطر عليه المحافظون، بل وُوفِق عليه من قِبل أغلبية ساحقة من النواب لمعرفتهم بخبراته وقُدراته الخطابية وشخصيته الكاريزماتية-.
رُؤِي أن ظريف قد تشبع بالثقافة الأمريكية -فضلًا عن طلاقة لُغته الإنجليزية- حتى قال دبلوماسي غربي كبير، تعامل عدة مرات مع ظريف: “كان دومًا يحاول فعل كل ما هو ممكن لتحسين العلاقات بشكلٍ بارع وواضح وصريح، إنه شخصٌ يعرف الولايات المتحدة جيدًا جدًا وبرغم كل الإخفاقات في الماضي لا يزال شخصا يعرفونه في واشنطن.”
هذا التشبُع ما حمله عليه المحافظون، وأنه بالضرورة يملك رؤية مخالفة لوجهة الجمهورية الثورية الدينية وهويتها، وما يؤكده مناوئوه هذا من الشواهد التي تدل على باعه الطويل مع التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية، وظهر هذا أيضًا في قول چيمس دوبينز، الدبلوماسي الأمريكي الرئيسي في مؤتمر بون، الذي مهد لمستقبل أفغانستان: “حقق ظريف الانفراجة النهائية التي بدونها ما كانت حكومة كرزاي لتتشكل أبدًا”. ظهر أيضًا تقبُل المسؤولين الأمريكيين طريقته وتعامله معهم عبر مشاركته في مفاوضات الإفراج عن رهائن أمريكيين احتجزهم متشددون موالون لإيران في لُبنان، في التسعينيات،حسبما ورد في مذكرات مبعوث الأمم المتحدة السابق، جياندومينيكو بيكو.
ولكن كما تواتر تقريري موقعي النهار، وفرانس 24، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم ترُد الجميل له، لا في حادثة الرهائن الأمريكيين، ولا في مساعدته إياهم في ضرب تنظيم القاعدة في أفغانستان،ولا في تشكيل حكومة كرزاي، بل وجهت صفعة لإيران، عبر وضعها في “محور الشر” من قِبل إدارة بوش عقب هجمات الحادي عشر من أيلول / سبتمبر لعام 2001؛ ولكن ظريف حاول بالتعاون مع السفير الإيراني في فرنسا وضع “خريطة طريق” من أجل المصالحة الشاملة وتطبيع العلاقات بين طهران وواشنطن بمباركة المرشد الأعلى -كما يتناول تقرير موقع جريدة النهار اللبنانية-، لكن بوش رفضها وانهارت المحادثات.
ظريف لا يعتبر نفسه مؤطرًا أو يحمل شارات حزبٍ معين بل يعرج على فئة المعتدلين الإيرانيين المنادين بالانفتاح على الآخر، وأكبر دليل على هذا مُكوثه والاستعانة به من قِبل الرئيس المعتدل، أكبر هاشمي رفسنجاني، والرئيس الإصلاحي، محمد خاتمي. فاُعتبِر من أكبر دُعاة الدبلوماسية العلنية المتباينة، والمعادية لدبلوماسية التهديد والعزل التي مُورِست خلال حكم الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد 2005-2013. وجاء فوز روحاني برئاسة البلاد -وهو رجلٌ معروف بسياسته الانفتاحية مع الغرب، ورغبته في كسر الأغلال التي رسفت فيها إيران- فرصةً تاريخية بالنسبة لظريف كي يحقق حلمه بالمصالحة مع الولايات المتحدة.
وكما أشار تقرير أورينت نيوز، استفاد ظريف من هزائم معسكر المحافظين الذي ينتهج سياسة توسعية في المنطقة والتي خلّفت على مآزق اقتصادية واستحلب خزينة البلاد؛ هذا ما دفع معسكر المحافظين، أو ما نستطيع أن نُسميه معسكر كل المناوئين للاعتداليين والإصلاحيين، للرضوخ أمام سياسة معسكر روحاني وظريف في الاستجابة للمفاوضات النووية ونتائجها بصفةٍ عامة، ولكن حسبما نقلت وكالة رويترز، عن إيرانيين مقيمين في أمريكا، تساورهم شكوكًا بشأن الاتفاق النووي، كونهم قبل غيرهم لايثقون أبدًا في الحكومة الإيرانية.
قالوا عنه
أهدى كيسنجر كتابه “الدبلوماسية” لجواد ظريف، والذي التقاه مرات عدة أثناء عمله في نيويورك، وقال عنه بأنه: “ذكي ودّمِث ومثير للحوار معه”، وكتب في إهدائه داخل الكتاب “إلى خصمٍ أحترمه”.
وقال عنه أعداء الاتفاق النووي في الغرب: “ستحصلون على الابتسامات فقط”.
وكذلك قال مالكولم هونلاين، نائب رئيس مؤتمر المنظمات اليهودية الأمريكية عنه: “هو شخصٌ له حضور قوي، وقد دعانا إلى منزله بلُطفٍ وكرمٍ شديدين، وظل يعِد بأن يصل إلى الشباب المفقودين، ولكننا في النهاية لم نحصل على أي معلومات عنهم، لقد أعطيناه المعلومات عن مكان رؤيتهم في السجن، ولكن الجواب الذي أتانا لاحقًا كان أنه لا يمتلك أي معلومات عنهم”.
من هو جواد ظريف إذًا؟
وهذان الرأيان الأخيران يُضفيان سِمةً جديدةً على ظريف أنه كان يتميز بالمراوغة ويتقنها، حتى إننا عندما ذكرنا أنه عندما قِيل عنه أنه يستطيع في الوقت نفسه أن يحتفظ بعلاقات مع جون كيري، وخامنئي، فهذا يُؤكِد عدم صحة وجهة النظر الغربية أنه ليبرالي يتفق مع آرائهم، لأنه على الطرف الآخر شخصًا محافظًا دينيًا، ينبع من هُوية جمهوريته، ويتفق مع مبادئ ثورتها، حتى أنه قال: “نحن نتعامل مع الواقع في إيران ونحاول التأقلم، ولكننا أبدًا لن نبتعد عن مبادئنا”، وهذا ما يُوصِلنا إلى أنه لا يُوصِل مُستمعيه دومًا إلى شاطئ الحُلول أو يُحقق لهم بالضرورة ما يريدون.
وخلال الساعات القليلة قُبيل الاتفاق، أطّل من شُرفة قاعة التفاوض وعلامات البهجة ظاهرة على محياه، والبسمة تعلو وجهه، ليقف قائلًا: “الاتفاق ليس مثالي بالنسبة لأي طرف، لكن هذا ما استطعنا تحقيقه، وهو هامٌ للجميع”، وهذا كان مقصود ظريف أن يخرج بدولته من نفق العُزلة والحصار المُظلِم حتى وإن تخلى عن فكرة البرنامج النووي الإيراني، لأنه يعلم أن إيران تستطيع تحقيق مكاسب أكثر بكثير من خسارة البرنامج النووي، وهذه هي الإشكالية التي كانت تُقلِق المتطرفين في الغرب وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية على المدى البعيد بالنظر لنفوذ إيران المتصاعد في المنطقة، وكان خوفهم في موضعه، فحاليًا انتشرت إيران في غالب بُلدان الشرق الأوسط.
رجلٌ أخذ يُطبِّق معنى السياسة الحرفي وباحترافيةٍ مطلقة، ليقف مُمسِكًا بشعرة معاوية والعصا من منتصفها، ملتقطًا رُمانة الميزان، يُحقِّق لبلادهِ انتصارت متتالية، فاتحًا لها أُفقًا لم تكن لتتحقق قبله، يجوب العالم من بروكسل إلى ڤيينا إلى لندن إلى واشنطن إلى برلين إلى طهران، غدوةً روحة، مجيئًا وذهابًا، يأخذ بسياسة القُوة الناعمة واقفًا مُبتسمًا.
قال مارتِن إندك، أحد أبرز أنصار إسرائيل في الولايات المتحدة والسفير الأمريكي السابق في تل أبيب: “سنفتقدك كثيرًا”، بعد لقائه بجواد ظريف في عشاء نظّمه مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في مطلع عام 2014، وعقب هذه المقولة بأيامٍ قليلة زار ظريف لُبنان، والتقى مع حسن نصر الله، ووضع الورود على قبر الشهيد عماد مغنية، الضالع في تفجيرات السفارة الأمريكية عام 1983.
ليقف حاليًا وزراء خارجية الدُول العربية في مناوئاتٍ مع جواد ظريف ونزاعات حول الدور الإيراني في المنطقة، بينما هو مستمرٌ في فتح جبهات جديدة لبلاده، في الوقت الذي تنحسر فيه مكانة الدول العربية جرّاء عدم فهمها عالم السياسة، وعدم الحفاظ على مبادئها، وعدم قُدرتها على تطبيق أو تنفيذ مناهج فعالة على الأرض ترفع من مكانتها في السياسة الخارجية لتصبح قادرةً على مناطحة إيران.