في يوم الرابع من نوفمبر، أطلق المتمردون القبليون اليمنيون صاروخا باليستيا قصير المدى من وادي بعيد في محافظة عمران الشمالية الغربية على مسافة أكثر من 1000 ميل على ضواحي العاصمة السعودية، وانفجر رأس الصاروخ على حافة مطار الملك خالد الدولي.
ويبدو أن تلك الضربة القاتلة لم تسفر عن سقوط ضحايا، بيد أن الحطام الصاروخى الذى خلفته فى وقت لاحق قدم دليلا لمحققى الأمم المتحدة الذين يكافحون لاختبار مزاعم واشنطن والرياض بأن ايران تقدم برنامج الصواريخ المتطورة للحوثيين في اليمن.
أدى فحص شظايا الصاروخ الرئيسية، التي تم توثيقها الشهر الماضى فى تقرير سري للأمم المتحدة، إلى دعم ادعاءات الولايات المتحدة بأن الصاروخ كان مكون من معدات إيرانية. ولكن التقرير، الذي تم استعراضه من قبل صحيفة فورين بوليسي، قدم تطورا جديدا، يتمثل في أن السلاح يحتوي على مكونا تم تصنيعه من قبل شركة أمريكية.
ويرى البيت الأبيض أن الضربة الصاروخية فرصة لحشد المشاعر الدولية ضد طهران، وتقليل عزلة واشنطن الدبلوماسية، والتي تعمقت مع رفض الرئيس دونالد ترامب للاتفاق النووي الإيراني التاريخي لعام 2015 والذي تم التفاوض عليه سلفه باراك أوباما. لقد كان الاتفاق جزء من استراتيجية إدارية أوسع تركز الاهتمام الدولي على دعم إيران لشبكة من الميليشيات الشيعية التي تساعد طهران على إعادة تشكيل المنطقة.
وقال السكرتير الصحفى للبيت الأبيض في بيان صدر ليلة الجمعة “إن الحرس الثوري الإيراني الإسلامي وشركاؤه يقومون بتسليح وإسداء المشورة وتمكين أعمال العنف للحوثيين، وتلك الأعمال تسرع دائرة العنف والمعاناة الإنسانية وتعرقل تدفق المساعدات الإنسانية وتعطل الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي”.
يذكر أنه في الأسابيع الأخيرة، ضغطت نيكي هالي، السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة، على البنتاغون ووكالات التجسس الأمريكية لرفع السرية عن المعلومات الاستخباراتية التي تربط إيران بهجوم 4 نوفمبر، فضلا عن مخالفات إيرانية أخرى، في حين قام مسؤولو الأمن القومي الأمريكي بتبليغ مسؤولي الأمم المتحدة على أمل الحصول على دعمهم، وذلك وفقا لما ذكره مسؤولون أمريكيون.
وقال المسئول الأمريكى إن هدف أمريكا هو حث أنطونيو جوتيريس الأمين العام للامم المتحدة على عرض التطورات الخاصة بأقوى قضية للأمم المتحدة حتى الآن حول انتهاكات العقوبات الإيرانية فى تقرير الأسبوع القادم.
وقال المسئول الأمريكى لصحيفة فورين بوليسي إن “هذا هو أكثر وقت نميل فيه” بشأن رفع السرية عن المعلومات الاستخبارية الأمريكية ومشاركتها مع مسئولى الأمم المتحدة حول الأنشطة الغير مشروعة لطهران. وأضاف “إن منطقنا يتمثل في أنه من خلال تبادل هذه المعلومات يمكننا تسليط الضوء على مخالفات إيران لعقوبات الأمم المتحدة”.
يذكر أنه في حين عززت الأدلة الجديدة القضية ضد إيران، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإقناع الأمم المتحدة بتهمة طهران صراحة بتزويد الحوثيين بتكنولوجيا الصواريخ المحظورة. وقد خلصت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة مكلفة بمراقبة انتهاكات الحظر المفروض على توريد الأسلحة في اليمن في العام الماضي إلى أنه “ليس لديها في الوقت الحاضر أي دليل على هوية الوسيط أو المورد”. وفي الوقت نفسه، تورع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس عن اتهام إيران برفع مستوى برنامج الصواريخ الخاص بالحوثيين.
وفى تقرير غير منشور وزع على أعضاء مجلس الأمن يوم الجمعة، قال جوتيريس إن الأمم المتحدة “تستعرض بعناية” كافة الأدلة المتعلقة بهجمات الحوثى الصاروخية فى اليمن، بما فى ذلك ضربة 4 نوفمبر. وحث لجان مجلس الأمن المسؤولة عن رصد انتهاكات الحظر المفروض على الأسلحة في اليمن على الحصول على تقرير حول النتائج التي توصلت لها الأمم المتحدة.
كما أعرب جوتيريس عن قلقه ازاء اللواء قاسم سليماني الذى يخضع لحظر سفر من قبل الأمم المتحدة لسنوات. وقد شوهد القائد الإيرانى هذا الصيف في زيارة لضريح شيعى فى كربلاء بالعراق وكذلك قبر الزعيم الكردي الراحل جلال طالباني.
وفى الوقت نفسه، قال جوتيريس إنه لم يتلق أى دليل على أن إيران قد خرقت التزاماتها بموجب المعاهدة النووية. وأعرب عن قلقه من أن نبذ ترامب للاتفاق الايراني “خلق للأسف بعض الشكوك” حول مستقبله.
أظهرت الأمم المتحدة دليلا مفصلا قويا على أن الحوثيين حصلوا على صاروخ إيراني. وخلال الفترة من 17 إلى 20 نوفمبر، قام خبراء الأمم المتحدة بفحص شظايا صاروخية ناتجة من أربع هجمات بالقذائف الباليستية، بما فى ذلك الضربة التي وجهت يوم 4 نوفمبر في قاعدتين عسكريتين سعوديتين.
وعلى سبيل المثال، فالصاروخ المستخدم في هجوم 4 نوفمبر يشبه صاروخ باليستي قصير المدى من طراز قيام 1 الإيراني، وهو سلاح أضافته إيران إلى ترسانتها في عام 2010 ولكنه لم يسبق أن شوهد له مثيل في ترسانة الصواريخ اليمنية، وذلك وفقا لتقرير سري صادر عن لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة مكلفة برصد حظر عام 2015 على توريد الأسلحة إلى اليمن.
وكانت وكالة رويترز أول من نشر عن تشابه الصاروخ الحوثي مع قيام -1 الذي اكتشف لأول مرة في ترسانة الصواريخ الإيرانية في عام 2010. ولكن حصلت فورين بوليسي على معلومات إضافية تشير إلى أن الصاروخ الحوثي يحتوي على مكونات مصنعة من قبل شركة إيرانية فضلا عن مُصنع أمريكي لم يذكر اسمه.
جدير بالذكر أن أحد المكونات، وهو جهاز يعرف باسم المشغل، يساعد على توجيه الصاروخ، والذي عثر عليه بين الحطام، يحمل شعارا معدنيا لمجموعة” شادي باقري” الصناعية الإيرانية ، والتي تخضع لعقوبات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والعقوبات الأمريكية. وقالت اللجنة إن ايران نفت قيامها بلعب أى دور فى نقل الصاروخ.
وقد أشارت فورين بوليسي سابقا إلى ادعاءات من قبل المسؤولين الأمريكيين بأن السعوديين قاموا بضبط مروحية تحمل شعار الشركة الإيرانية، ولكن نفت إيران ادعاءات بشأن الدور الإيراني.
ووفقا لما ذكره علي رضا ميرريوسيفي المتحدث باسم البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة، “إن ايران لم تنقل مطلقا أسلحة ولم تقم بانتهاك قرارات الأمم المتحدة [قرارات مجلس الأمن]، وندعو جميع الأطراف في اليمن إلى السعي للتوصل لحل دبلوماسي للنزاع”. وأضاف “فيما يتعلق بادعاءات الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية فاننا نرفض كل ادعاءاتهم المزيفة والمغرضة ونطالبهم بوقف حملة التدخل والتجويع المزعزعة للاستقرار في اليمن”.
وقال مير يوسيفى إن مجموعة شادى باقرى الصناعية “في الواقع لا تضع شعارها على منتجاتها” وإن حكومته على اتصال بلجنة الأمم المتحدة “لتوضيح أى سوء تفاهم”.
ولكن التحقيق أسفر أيضا عن مفاجأة.
لقد أشار تقرير الفريق إلى أن الصاروخ، المطلي باللون الأزرق وكتب عليه “بوركان 2-اتش” باللون الأبيض، يحتوي على عنصر آخر وهو مجموعة من زجاجات الهواء المضغوط المصنوعة من ألياف الكربون والتى تنقل وقود الطائرات النفاثة السائل فى الصاروخ الذى تم تصنيعه فى الولايات المتحدة. وقد توصل الفريق إلى الشركة المصنعة، التي لم يذكر اسمها في التقرير، لمعرفة كيف وجدت التكنولوجيا الخاصة بها طريقها إلى صاروخ الحوثي.
جدير بالذكر أن مسألة كيفية وصول جزء أمريكي الصنع إلى مكونات الصواريخ الأكثر تقدما التي يمتلكها المتمردين الحوثيين يعد قطعة مفقودة في لغز مستمر يناضل محققون تابعون للأمم المتحدة من أجل حله.
ويقول خبراء عدم انتشار الأسلحة النووية إن عملاء إيرانيين كثيرا ما توصلوا إلى موردين أجانب، بما في ذلك في الولايات المتحدة، وذلك للحصول على مكونات التكنولوجيا الفائقة التي يصعب صنعها من أجل برامج أسلحتهم.
وقال ديفيد أولبرايت، مؤسس معهد العلوم والدراسات الدولية، “إن الإيرانيين لا يستطيعون صنع كل ما يحتاجونه لبرامج الأسلحة الخاصة بهم. إنهم يشترون الكثير من المواد من أي مكان يستطيعون الحصول عليها منه. ويفضلون المعدات الأمريكية “.
ويمكن أن يساعد اكتشاف العنصر الأمريكى محققى الأمم المتحدة فى تتبع المشتري. وقد وصلت لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة إلى الشركة الأمريكية التى لم تذكر فى التقرير. وقال المسؤول الأمريكى “إن هذا يتيح فرصة للعمل مع القطاع الخاص لتشديد العقوبات”. وأضاف “نحن لا ننقل مواد مخالفة لقوانيننا إلى الإيرانيين. إن العديد من المعدات ذات التقنية العالية في هذا العالم تحتوي على مكونات أمريكية الصنع”.
ولكن وجود عنصر أمريكي في صاروخ الحوثيين يمكن أن يخدم أيضا حجج إيران وحلفائها، بما في ذلك روسيا، بأن إيران لم تنتج السلاح.
يذكر أن لجنة الامم المتحدة كانت قد فتحت تحقيقا بعد أن اطلق الحوثيون اليمنيون يوم 4 نوفمبر صاروخا باليستيا قصير المدى على مطار الرياض، مما أدى إلى إرباك المسافرين، وعبروا عن غضبهم قائلين إن المتمردين قد طوروا من قدرتهم على جلب الحرب الى العاصمة السعودية.
وادعت السلطات السعودية والأمريكية أن الخصائص الإيرانية للصواريخ أثبتت أن طهران كانت وراء الهجوم. بيد أن الأمم المتحدة كانت اكثر حذرا، وأصرت على أنها تفتقر إلى دليل لا يقبل الجدل حول دور إيران.
ويبدو أن النتائج التي توصل إليها التقرير تدعم تحليلات لفريق بحثي عن القذائف تم نشرها في صحيفة نيويورك تايمز، والتي تطعن في ادعاءات الرئيس ترامب الذي قال إن نظام الدفاع الصاروخي باتريوت المزود من قبل الولايات المتحدة في الرياض “ضرب الصاروخ في الهواء”. وتظهر الصور أن محرك الصاروخ بركان والمكونات الأخرى هبطت بشكل جيد على مسافة أقل من هدفها، ولكن سقطت رأس هذا الصاروخ بشكل خطير بالقرب من المطار.
ويأتي التقرير في الوقت الذي تواجه فيه السعودية ضغوطا متزايدة لتخفيف الوضع الإنساني المتفاقم في اليمن. وفى الأيام الاخيرة، صعدت إدارة ترامب الضغط العام على السعودية لتخفيف الحصار على المساعدات الانسانية للبلاد التى مزقتها الحرب حيث يتعرض حوالى 7 ملايين شخص لخطر المجاعة بسبب الصراع.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إن “السعوديين اتخذوا خطوات في الأيام والأسابيع الاخيرة للسماح بدخول بعض المساعدات الإنسانية”. وأضاف “لا يوجد شك في أننا سنواصل تلك المناقشات”.
جدير بالذكر أنه في بداية حرب اليمن، ورث المتمردون الحوثيون مخزونا حكوميا من صواريخ سكود C والصواريخ الباليستية قصيرة المدى هواسونغ 6.
ولكن الحوثيين قاموا بإدخال صاروخا أكثر تقدما إلى ساحة المعركة في أكتوبر من عام 2016، مما زاد من خطر احتمال أن تضرب بعمق قلب المملكة العربية السعودية. وكان أحدث إصدار به “اختلافات كبيرة في التصميم” عن صواريخ سكود C و هواسونغ -6، المصنوعة من الفولاذ الصلب من الخارج والذي يبطئ مسارها.
وعلى النقيض من ذلك، تم صنع صاروخ الحوثي بركان H2 من قشرة أخف وزنا من الألمنيوم ونظام توجيه أكثر تقدما مما أدى إلى إلغاء الحاجة للأجنحة المستخدمة على صواريخ سكود أخرى.
وقررت لجنة الأمم المتحدة أن الصاروخ المستخدم فى هجوم 4 نوفمبر لم يكن من الممكن إنتاجه من قبل مهندسي الصواريخ الحوثيين، أو تعديله من الصواريخ المتاحة في ترسانتهم الحالية. “واستنادا إلى الموازنة بين الاحتمالات”، خلصت اللجنة إلى أن “تكنولوجيا الصواريخ نقلت فعليا إلى اليمن” بعد حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على البلاد في أبريل 2015.
وقالت اللجنة إنه من غير المرجح أن يتم تهريب الصواريخ إلى اليمن عبر أى من موانىءها الرئيسية فى البحر الاحمر مما يشير إلى انه من المحتمل ان يتم تقسيم الصواريخ الى قطع صغيرة ويتم شحنها عبر طرق التهريب من عمان او الغيده ونيشتون فى مدينة الخليل بمحافظة مهره اليمنية، والتي كانت في السابق موقعا للمضبوطات من أسلحة التوجيه المضادة للدبابات وغيرها من المعدات العسكرية “.
ووفقا لتقرير اللجنة، حصل الحوثيين “على تكنولوجيا صواريخ أكثر تقدما” مما كانت عليه عندما بدأ النزاع في عام 2015. وأضاف “إن تصميم وخصائص وأبعاد المكونات التي فحصها الفريق تتفق مع تلك التي تم الإبلاغ عنها والمتعلقة بصاروخ قيام 1 الإيراني الصنع”.