من غير المعلوم في الثقافة الدينية الشيعية أو حتى في الثقافة الاجتماعية والشعبية للمجتمع الشيعي في إيران أو حتى في الدول الأخرى ما مدى التغلغل السياسي والاقتصادي لرجال الدين الشيعة في المؤسسات السيادية والمؤسسات السياسية والاقتصادية في هذه الدول سوى عندما انتصرت الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979 م، حينها سيطر رجال الدين الشيعة على مقاليد الأمور في إيران فسيطروا على الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي وسيطروا على المناصب السيادية والسياسية والاقتصادية في البلاد ليظهر لنا مدى التغلغل الواضح لرجال الدين في إيران في المؤسسات السياسية والاقتصادية الإيرانية.
مفهوم البرجوازية الإسلامية
تُعَد البرجوازية الإسلامية من المصطلحات الحديثة في السياسة الإيرانية الحديثة والمعاصرة، حيث برزت أهمية المصطلح السياسي للبرجوازية في إيران في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتنقسم البرجوازية في إيران إلى نوعين الأول هو البرجوازية الاجتماعية وهى التي تُطلَق على الطبقة المتعلمة المتوسطة التي ظهرت في المجتمع الإيراني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين في عهد الدولة القاجارية وبدايات عهد الدولة الپهلوية نتيجة إيفاد البعثات العلمية والتعليمية إلى أوربا والولايات المتحدة الأمريكية.
وشكل تيار البرجوازية الإيرانية الجديدة ثقلًا في المجتمع السياسي والاقتصادي والواقع الاجتماعي الإيراني في القرن العشرين وقاد أيضًا مشاعل الفكر والتنوير في إيران في القرن العشرين وكان أحد الأركان المهمة والمحاور الرئيسة للثورات الإيرانية مثل الثورة الدستورية عام 1906 م والثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979 م حيث قاد الفكر التنويري الإيراني مجموعة من المفكرين الإيرانيين الذين ينتمون إلى الطبقة المتوسطة أو الطبقة البرجوازية الجديدة وكان من أهمهم المفكر على شريعتي أما النوع الثاني من البرجوازية هو البرجوازية الدينية وهم رجال الدين الشيعة في إيران ممن كان لهم دور كبير في النهضة الفكرية والدينية للمذهب الشيعي في إيران في القرن العشرين.
تمحورت الأركان الرئيسة للعملية السياسية والاقتصادية الإيرانية منذ الثورة الإسلامية في إيران وحتى الآن حول المؤسسة الدينية التي قادت الثورة وكان للطبقة الوسطي البرجوازية من الفقهاء الشيعة الدور الأكبر في إنجاح الثورة الإسلامية الإيرانية حيث استطاع القادة الكبار للثورة إطلاق ما سُمِيَ بالحشد الجماهيري للمجتمع الإيراني عن طريق الطبقة البرجوازية المُتعلمة في النجف الأشرف أو ممن تلقوا تعليمهم الديني في الحوزة الدينية في قم المدينة المقدسة للشيعة الإيرانيين ونجحوا نجاحًا باهرًا في إنجاح الثورة الإسلامية في إيران والقيام بدورهم على أكمل وجه في سبيل اعتلاء المؤسسة الدينية المذهبية الشيعية مقاليد الأمور في إيران.
البرجوازية الدينية بعد الثورة الإسلامية
بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 م تمكنت المؤسسة الدينية الإيرانية والبرجوازية الدينية في إيران المكونة من صغار رجال الدين الشيعة الذين ساهموا بدور كبير في إنجاح الثورة الإسلامية، تمكنوا من السيطرة على أركان الدولة الإيرانية دون جهد أو عناء مع رموز النظام الملكي السابق وبدأت مرحلة تأسيس رأس المال الاقتصادي الإيراني على أساس ديني حيث تولت البرجوازية الدينية مهام تأسيس وتسويق الاقتصاد الداخلي الإيراني مع المحافظة على الأسس السابقة للنظام الملكي في إدارة الشئون الاقتصادية الناجحة وسيطرت البرجوازية الدينية في إيران على قدر كبير من المؤسسات الاقتصادية الخاصة والتي تم تأميمها بعد طرد الشاه وإنهاء الحكم الملكي في البلاد وبهذا تمكن رموز البرجوازية الدينية الجديدة في إيران والمقربين من الخميني من تأسيس إمبراطورية اقتصادية خاصة بهم برؤوس أموال الشعب الإيراني وبرضاء القيادة الدينية والسياسية فى البلاد بقيادة آية الله الخميني مرشد الثورة.
بالإضافة إلى تأسيس الشركات والسيطرة على المؤسسات المالية والاقتصادية الحكومية الإيرانية، سيطرت الطبقة البرجوازية الدينية الجديدة من صغار رجال الدين في إيران التابعين للمؤسسة الدينية الشيعية في إيران سيطروا على الأمور المصرفية وإدارة البنوك والشركات الأخرى وشركات توظيف الأموال التي يسيطروا عليها حتى الآن في إيران بالإضافة إلى السيطرة على العلاقات الاقتصادية الدولية بين النظام الإيراني ودول العالم المختلفة عن طريق مجموعة من المؤسسات الخاضعة للمؤسسة الدينية في إيران أبرزها الحرس الثوري الإيراني بعد إنشاؤه بالإضافة إلى بعض الكيانات الوهمية الأخرى التي تدير الصفقات لحساب المؤسسة الدينية في إيران ويدير كل هذه المؤسسات الضخمة مجموعة من رجال البرجوازية الدينية الجديدة في إيران.
نظرة على الاقتصاد السياسي لرجال الدين
بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران ونجاحها على يد آية الله الخميني، تغيرت الخريطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إيران بشكلٍ كبير، حيث سيطر رجال الدين الشيعة على مقاليد الأمور في إيران من الناحية السياسية سيطروا على الحكم من خلال مجموعة من المناصب المستحدثة في إيران بعد نهاية العصر الملكي في إيران حيث استحدث الخميني منصب المرشد الأعلى والعام للثورة الإسلامية في إيران بعد أن أسس لنظرية جديدة غيرت الفقه الشيعي بأكمله وهى نظرية إحلال ولاية الفقيه بدلًا من ولاية الانتظار في الفقه الشيعي.
بالإضافة إلى هذا المنصب وهو الآمر الناهي في البلاد يخضع له رئيس الجمهورية ورؤساء كافة الهيئات الرقابية والبرلمان والمجلس الأعلى للقضاء والسلطة القضائية أيضًا، تم إنشاء مجلس صيانة الدستور ومجلس الخبراء وجميعهم من المعَمَمين الإيرانيين ورجال الدين الشيعة وبهذه الأمور سيطر رجال الدين على كافة المناصب السياسية والقضائية في البلاد.
أما من الناحية الاقتصادية سيطر رجال الدين الإيرانيين على مقاليد الأمور الاقتصادية أيضًا في البلاد فالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران هو الذي يوَقِع على الموازنة العامة للدولة الإيرانية ومجلس الإرشاد والمؤسسة الدينة الإيرانية لها موارد ذاتية من الشركات والمؤسسات الاقتصادية الإيرانية كما أن لها حصة من أموال بيع النفط الإيراني وهى ليست بالنسبة القليلة، بالإضافة إلى ذلك فإن المؤسسة الدينة الإيرانية التي تسمى مؤسسة الإرشاد لها العديد من الأجنحة العسكرية التي تعمل تحت إمرتها مثل الحرس الثوري الإيراني وقوات التعبئة العامة بالإضافة إلى ميليشيات دينية أخرى منتشرة فى كافة أرجاء المنطقة والإقليم وفى دول خارج الإقليم أيضًا حيث تقوم المؤسسة بالإنفاق على كل هذه الميليشيات – يُصَنَف بعضها على إنه منظمة إرهابية من قبل الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية – من الأموال والشركات والمؤسسات الاقتصادية التي تُسيطر عليها مؤسسة الإرشاد في إيران حيث تنفق المؤسسة ببذخ على كل هذه الأنشطة في حين يعانى المواطن الإيراني من مشكلات ضخمة مثل الفقر والجهل.