كان هجوم إسرائيل المزعوم على موقع لقاعدة إيرانية في سوريا السبت الماضي يمكن أن يثير مواجهة جديدة بين تل ابيب وطهران. وهو يشير أيضا إلى تصاعد التوترات بين إسرائيل وروسيا.
الحرب الأهلية السورية التي دامت سبع سنوات تقريبا قد أوشكت على الانتهاء، ولكن هذا لا يعني السلام في بلاد الشام. بل على العكس تماما، لقد بدأت معركة جديدة.
ومن جهة واحدة، استثمرت روسيا وإيران، الداعمتن الرسميتين للرئيس السوري بشار الأسد، في نظامه. والآن تجنيان ثمار النصر. وتريد روسيا توسيع ميناءها الوحيد في البحر الأبيض المتوسط في طرطوس بسوريا، وزيادة وجودها العسكري على الجناح الجنوبي من حلف شمال الأطلسي. وقامت بموسكو بتوقيع عقود مع الأسد حول التعاون الاقتصادي.
يذكر أن إيران قد اقتربت من تحقيق حلمها ببناء ممر أرضي نحو البحر الأبيض المتوسط. وأعلنت أنها تسعى إلى إقامة وجود عسكري دائم في سوريا، وعلى مقربة من عدوها اللدود إسرائيل.
إن هذه الاحتمالات قد جعلت الولايات المتحدة وإسرائيل في حالة قلق شديد، وعقدوا العزم على استباق مثل هذا السيناريو بأي ثمن. والآن، قد تتحولت الحرب الكلامية بينهم إلى تدخل عسكري.
وبحسب وسائل الإعلام السورية الرسمية، هاجمت القوات الإسرائيلية مجمعا عسكريا في الكسوة، جنوب دمشق. وذكر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية بى بى سى أن القاعدة يعاد بناؤها لتكون مركزا في المستقبل للقوات البرية للحرس الثوري الايراني. وأكدت مصادر مستقلة هذا.
وهكذا كان الهجوم الإسرائيلي بمثابة رسالة تحذيرية يقصد بها اثنين من المتلقين، وهم إيران وروسيا الحليف المفترض لإسرائيل.
وربما يكون ذلك مفاجأة. لقد علق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو علنا على علاقته الممتازة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وقد قاموا بوضع آلية فريدة من نوعها لمنع الاشتباك المحتمل بين القوات الجوية الإسرائيلية والقوات الروسية في سوريا. وحتى الآن منح ذلك إسرائيل قدرا كبيرا من الحرية في سماء سوريا لحماية مصالحها الأمنية.
ووفقا لما ذكره قائد القوات الجوية الإسرائيلية، فقد هاجمت إسرائيل أهدافا في سوريا أكثر من 100 مرة منذ اندلاع الحرب الأهلية، وكان معظمها لتدمير شحنات الأسلحة الموجهة إلى حزب الله، وهي ميليشيا شيعية عازمة على تدمير إسرائيل والتي أصبحت أقوى أدوات السياسة الخارجية لإيران. وقد رفضت موسكو التعليق على جميع الهجمات تقريبا، والاعتراف المتحفظ بالاحتياجات الأمنية الإسرائيلية.
يذكر أنه رغم ذلك، يبدو أن الوفاق الروسي الإسرائيلي قد وصل إلى طريق مسدود فيما يتعلق بإيران. ورفض بوتين تأييد طلب إسرائيل الحد من الوجود العسكري لطهران في سوريا.
وابتداءا من العام الماضي، حذر نتنياهو من أن إيران كانت تحل محل تنظيم الدولة في العراق وسوريا هناك. وقد أصبح هذا التحذير حقيقة. ووفقا للمعارضة الإيرانية، فإيران تقود أكثر من 70،000 مقاتل في سوريا، يتمثلون في مئات من جنودها، وحوالي 7000 مقاتل من حزب الله، والآلاف من المجندين الأفغان في ميليشيا الفاطميون، والمتطوعين من العراق وباكستان.
وقام نتنياهو بزيارة بوتين مرارا، محذرا إياه في أغسطس في سوتشي قائلا إن إيران “لم تعد تحاول إنشاء جبهة إرهابية في سوريا، بل إنها تشكل قوة عسكرية”. وأضاف محذرا “أن مثل هذه امور لا يمكن أن نتقبلها”. وفشل ذلك في إقناع بوتين، كما أنه لم يحفز أهم حليف لإسرائيل، وهي الولايات المتحدة، على القيام بأي تصرف.
وعندما وقعت موسكو وواشنطن وعمان على اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب سوريا قبل عدة اسابيع، لم يأمروا القوات الايرانية بالابتعاد عن الحدود الاسرائيلية.
يذكر أن نتنياهو شعر بأنه أجبر على التراجع. وطلب وزير دفاعه زيادة ميزانية الدفاع الإسرائيلية بأكثر من مليار دولار (1.35 مليار دولار) في السنوات الخمس المقبلة. وقال رئيس الأركان الإسرائيلي غادي إيزنكوت لصحيفة سعودية إن إسرائيل لن تتسامح مع القوات الايرانية التي تقترب بمسافة أكثر من 50 كم نحو حدودها.
إن الهجوم الذي حدث في الكسوة، والذي هو أقرب إلى إسرائيل من الخط الذي رسمه الجنرال إيزنكوت، يصعد من ضغط دبلوماسية إسرائيل ليصل إلى مرحلة آخرى. وقال الخبير الروسي أليكس تنزر “إن ذلك كان إشارة الى موسكو”. وأضاف “إنهم يريدون أن يظهروا لبوتين أنهم يعنون ما يقولونه”.
وغير واضح كيف سترد موسكو لكن عاد رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكنيست افي ديختر من موسكو الأسبوع الماضي وقال “إن روسيا تعمل حتى يتمكن الأسد من السيطرة على سوريا وأن تكون البلاد خالية من القوى الخارجية بما فيها القوات الإيرانية”.
جدير بالذكر أنه مع اتخاذ بوتين موقف محايد واستمرار الولايات المتحدة في التزام الصمت، فالهجوم الإسرائيلي في الغالب يعني تحذيرا لطهران. ورسالتها المحورية تتمثل في أن إسرائيل مستعدة للمخاطرة بخوض حرب صريحة لمنع إيران من تعميق وجودها العسكري بالقرب من حدودها. ولذلك لم يكن الهجوم سوى بداية لحملة مطولة، وستحاول إيران فيها بناء البنية التحتية العسكرية وإسرائيل تقوم بهدمها.
ويبدو الآن أن الحرب بعيدة، حيث أن إسرائيل قد قامت بتحديد الهجوم بعناية لضرب مبان فارغة، لذلك لا تضطر إيران إلى الرد. ومع ذلك، ليس هناك ضمان على بقاء الأمور في وضع معتدل. إن التصعيد ليس سوى قنبلة أخرى.