يرتبط اسم صادق هدايت بجملة “مؤسس القصة القصيرة الإيرانية” ورغم هذه الجملة التي تضع الراحل بين مصاف كبار الكتاب، إلا أن اسمه يرتبط أيضًا بالحادثة شديدة الثقل التي ترتبط به وهو انتحار الكاتب بالغاز في سن صغير وتحديد وهو عمره 48 عامًا، وهو أمر ينبىء بشكل جلي عن الحياة التي عاشها، والتي ظهرت أيضًا من خلال أعماله التي برز فيها هذا الجانب، حياة قام بالتأثير فيها رغم كرهه ورفضه لها.
ولد صادق هدايت عام 17 فبراير من عام 1903 وأخذ الابتدائية بطهران، ثم انتقل منها إلى دار الفنون في طهران في سنة 1916 التي كانت وقتها أفضل أماكن الدراسة في إيران، ولكن بسبب مرض عينيه اضطر إلى ترك دار الفنون والتي صارت الآن مكتبة إيران الوطنية، وذهب إلى مدرسة سان لوئي الفرنسية، حيث كان صادق هدايت يُدرِّس القس الموجود في المدرسة اللغة الفارسية في حين علمه القس الأدب العالمي.
رحلة الحياة
رغم أن أسرة “هدايت” كانت أسرة منحدرة من أصل كبير يعود إلى “رضا قلي خان” الذي يعد من أشهر الكتاب والشعراء في القرن التاسع عشر الميلادي، إلا أنه قد اختار أن ينفصل عنهم ويلتحق بوظيفة بسيطة، ومع سفره لبلجيكا من أجل دراسة الهندسة، لم يغريه هذا المجال، ونشر عدد من القصص في هذا الوقت، ثم سافر إلى باريس، ثم يعود لطهران من جديد عام 1930 رغم عدم إكماله للدراسة، وهناك يعمل في المصرف الوطني الإيراني، ولكنه لا يثبت في هذه الوظيفة، ولا في أي وظيفة غيرها، فكلها ستسبب له الكآبة والحزن، إلا الأدب الذي يجد من خلاله البراح، فيخلص له حتى نهاية عمره.
سافر هدايت بعد ذلك للهند من أجل دراسة اللغة البهلوية، ثم عاد لإيران ليشكل هو وعدد من الشباب مجموعة “الربعة” وفي الأربعينات كتب بعض المقالات مع حزب “توده” رغم أنه أصابه الاكتئاب من ذلك الحزب، الذي ساهم في زيادة إحساسة بعدم الجدوى.
أعمال
لصادق هدايت مجموعة من الأعمال الأدبية، أشهرها على الإطلاق هي “البومة العمياء” والتي تعد أكثر الأعمال تعبيرًا عن فلسفة هدايت للحياة، وبها يقترب هدايت من الأسلوب الكافكاوي في عرض قصصه، وتظهر بها أيضًا مسحة الاكتئاب التي وسم بها، إلى جانب كثير من الأفكار حول الموت التي تمتلئ بها الرواية.
أما أول أعماله فقد كانت “توضيح رباعيات الخيام” ثم صدرت له عدة أعمال فيما بعد تنوعت ما بين القصص والمسرحيات والروايات وهي “فوائد لآكلي النباتات، حي المدفون، بروين بنت ساسان، ضل المغول، أصفهان نصف العالم، الكلب السائب، البعثة الإسلامية لبلاد الفرنجة، والذي فيه يسخر من الأفكار والتصورات الشائعة عن رجال الدين، التي تجعل منهم محتكري المعرفة، والتي ذكر فيها شخصيات خيالية بالطبع من خلال ثلاث فصول قصيرة.
وبجانب الإبداع فقد ترجم صادق هدايت أيضًا مجموعة من الأعمال الأدبية لكتاب كبار مثل جان بول سارتر، فرانتس كافكا وأنطوان تشيخوف،كما ترجم وقت وجوده في الهند “سیرة أردشیر بابكان”، في حين ترجمت أعماله إلى 32 لغة.
أفكار
قبل سنوات من انتحاره يكتب هدابت في سيرته “إني لأشعر بالبهیمية إزاء حديثي عن نفسي بالمقدار نفسه الذي أشعر فيه إزاء الإعلام المتأثر بأمیركا. ترى، ما جدوى أن يعرف أحد تاريخ ولادتي؟ هذه الإيضاحات تذكرني دوما بسوق الماشية حيث يعرض للبيع بغل عجوز وتنقل للمشتري بصوت عال تفاصيل عن خصاله وعيوبه من أجل جذب هذا المشتري.
وفضلا عن ذلك فإن الحدیث عن حیاتي لا یضم أي ملاحظة بارزة فلیس هنالك من حدث لافت للنظر قد وقع فیها، كما لم یكن لي أي عنوان، ولا أحمل أي شهادة مهمة، ولم أكن أیضا تلمیذا متمیزا في المدرسة، بل علی العكس من ذلك فقد كنت أواجه الإخفاق دائما.
وكنت في الدوائر التي عملت فیها عضوا غامضا ومجهولا دائما، وكان رؤسائي حانقین عليّ، حیث إن استقالاتي كانت تقبل بفرح جنوني كلما قدمتها. وبشكل عام، فإن البیئة التي كنت أعیش فیها كانت تحكم علي بأنني كائن طفیلي عدیم الجدوى، وربما كانت هذه هي الحقیقة”.
ربما يظهر من هذه الجملة ما الذي كان يعتمل صدر هدايت تحديدًا من خلال رؤيته مع العالم ككل، فهو لا يعطي للعالم الاهتمام الحقيقي الذي يتعامل به كثير من البشر، كما أنه يبدو أنه لا يعد نفسه جزءًا منه، أو لا يخضع للقوانين العامة الطبيعية، كأنه بعيد، ويسبح بالتوازي عن العالم، أو ربما بعيدًا عنه، ويظهر هذا بشكل جلي في ما يكتبه أيضًا، في أفكاره التي لا تنشد الواقعية بقدر ما تريد التعبير عن أفكاره الخاصة، التي تختلط عليها السخرية بالفلسفة، والنظرة التشاؤمية أحيانًا، إضافة إلى الجانب العبثي، الذي يظهر في أعماله بشكل واضح.
يبدو بارزًا أيضًا من خلال آراء هدايت استعلائه على العنصر العربي، في مقابل العرق الفارسي، وظهر ذلك في مقالاته، أو قصصه التي نشرها، فكتب مثلًا في رواية “بروين بنت ساسان “” كان “هؤلاء العرب الرحل، آكلة الضب، تابعين لنا -نحن الايرانيين- ومنذ عهود وهم يدفعون لنا الجزية” الجانب الذي يتكرر في روايته “أصفهان نصف العالم” وفي العديد من رواياته التي كان يظهر الشخص العربي فيها بمظهر سىء، وهو الأمر الذي كان له أثر كبير في عداوات عربية نشأت بسبب هذه الأفكار.
رفض الحياة
على مدار حياة صادق هدايت، لم تكن المرة الوحيدة التي حاول الانتحار هي المرة التي أدت لموته بالفعل، بل سبقها عدة محاولات كانت أبرزها، في عام 1928 وقد وصف هذه الحادثة بالفعل “مذكرات مجنون”.وهو ما كان يجعله لأن يجعل شخصیات أعماله تمارس هذه التجربة، الأمر الذي كان يدلل من خلاله على عدم أهمية هذه الحياة ورفضها.
ليشهد عام 1951 انتحار الكاتب الإيراني الكبير بالغاز بعد أن سبق وأتلف عدد من قصصه غير المطبوعه قبل موته.
ترجمة عربية
على الرغم من آرائه، لا يمكن لأحد أن ينكر الأثر الكبير الذي تركه صادق هدايت على القصة الإيرانية والعالمية بوجه عام، وهو ما نتج عنه عدة ترجمات عربية لأعماله، كان أبرزها الترجمة التي أصدرها دار الهلال لأشهر رواياته “البومة العمياء”.
كما صدر له منذ فترة قريبة ترجمة عربية للمترجم “غسان حمدان” لأعماله القصصية الكاملة، لرواية “عمر الخيام وأناشيده”، إلى جانب روايته “البعثة الإسلامية إلى البلاد الإفرنجية”من خلال دار “منشورات الجمل”.